انتشرت بمصر فى السنوات الأخيرة الدراما المدبلجة سواء الهندية أو الكورية وغيرهما، بعد أن كان العرض فى السابق للدراما الأجنبية يأتى مترجماً وليس مدبلجاً، ومع انتشار تلك النوعية من الدراما المدبلجة، ظهر تأثيرها على فئة من الشباب وحديثهم باللهجات العربية التى تدبلج بها الأعمال على سبيل المزاح.
حول أسباب تلك الظاهرة وتأثيرها على ريادة الدراما المصرية حاورت «الكواكب» فى هذا التحقيق مجموعة من صناع الدراما بمصر..
فى البداية تحدث إلينا الفنان عزت العلايلى حول هذا الأمر، قائلاً: الأعمال العربية والأجنبية تعرض منذ زمن على الشاشات المصرية، وليس ذلك غزواً بل هو محاكاة، لكننا للأسف لم نظل على مكانتنا، وبدلاً من أن نشعر بالمنافسة، أخذنا غرور النجاح والريادة، فصرنا نسير بخطى أبطأ، لكن لابد من محاكاة الزمن الحالى»، مؤكداً: لم يلفت نظرى أى نوع دراما أخرى، لكنها قد تعجب البعض، وفى العموم لدينا أساتذة صناعة الدراما فى الوطن العربى، وأعتقد أن هذا انطباع الشارع المصرى أيضاً.
ويضيف الفنان أحمد بدير: الدراما المصرية مازالت بخير، فنحن الأصل ولا يجوز إلا أن نكون هكذا، لذلك يجب أن نسعى دائماً لتحقيق أعلى درجات الجودة كما كنا طوال الوقت، فمصر معروفة بفنها العريق والقديم واحترامها للجميع، حتى أنها كانت ولا تزال بمثابة الترموميتر الذى يقيس به الفنان نجاحه، فكل من يريد تحقيق نجومية تكون مصر بوابته لتحقيق ذلك، فهى هوليوود الشرق وليس ذلك من فراغ، سواء على مستوى التمثيل أو الغناء أو الإخراج أو التأليف أو الأعمال الفنية بشكل عام، ومن هنا فلا خوف على الدراما المصرية التى لا تزال تحافظ على مكانتها، فليس هناك طغيان من الدراما الأجنبية على المصرية، ولو نظرنا لوجدنا مسلسلاً أجنبياً أو عربياً واحداً مقابل عشرة مسلسلات مصرية.
وفى هذا الصدد قال الفنان حسن يوسف: بالطبع هناك قصور واضح نلاحظه فى بعض الأعمال الدرامية المصرية بعدما كانت هى الرائدة فى المنطقة العربية كلها، لكنها لم تصل لمرحلة السقوط، فهناك أعمال جيدة جداً، حسب اجتهاد كل فرد، لكنى أرى أن هناك تراجعاً بلا شك، وإن لم ينتبه صناع الدراما المصرية لذلك، فستطغى عليها الدراما الخارجية بالتأكيد، وهو ما سيؤثر بدوره على تفكير شبابنا وأطفالنا وسيجعلهم ينتمون لثقافة غير ثقافتنا.
أما الفنانة سماح أنور، فقالت: الدراما المصرية حاضرة وبخير كما أن غيرها أيضاً حاضر وبخير، والمشاهد هو النجم فى ذلك، ولكن هذا لا يعنى أن الدراما المصرية سيئة، بل بالعكس هى مازالت تحتفظ بمكانتها وسط كل هذا الكم الهائل من نوعيات الدراما الدخيلة، لكننا نحتاج فقط لزيادة التركيز فى جودة الأعمال والتنوع.
وأشار المنتج أحمد السبكى إلى أن المشاهد يبحث عن الجودة، مضيفاً: أنا كمشاهد أبحث عن الجودة فإن وجدتها فى المنتج المصرى حرصت على متابعته، وإن وجدتها فى المنتج العريى سأتابعه، المهم الجودة والفكرة والحدوتة التى تحترم عقلى وتفكيرى، حتى وإن كانت عربية أو أجنبية فكل ما يهمنى هو جودة العمل، لذلك فعلينا وضع جودة أعمالنا فى الاعتبار والعمل على رفع مستوى أعمالنا، حتى نتجنب ما يسمى إنه غزو.
أما الكاتب الكبير يوسف القعيد فقال: الأمر ليس مرتبطاً بتفوق الآخرين، ولكنه مرتبط بعدم قدرتنا أحياناً على المنافسة مع المنتج الخارجى، رغم أنه من المفترض أن يحظى المنتج المصرى بالإقبال الأكبر لأنه يتحدث عن واقعنا ويقدم شخصيات نرى مثلها فى الواقع وفى الشارع كل يوم، وبالتالى نتابعه أكثر وهذا كان أيام مجد الدراما التليفزيونية. كانت المشاهدة عالية للدراما المصرية حتى خارج مصر فأنا أتذكر يوماً كنت بتونس ومررت بمقهى، ووجدت الناس يتجمعون فاعتقدت أنها مباراة كرة قدم ثم اكتشفت أنها حلقة من مسلسل ليالى الحلمية، وربما يكون إقبال الجمهور فى الوقت الحالى على الدراما الخارجية هروباً من الواقع، قد يكون هذا سبباً، ولكنه غير جوهرى ولكن أصل القضية أن تكون لدينا دراما تليفزيونية نقنع بها المشاهد.
أما الناقد الفنى طارق الشناوى فقال: لا أرى أى مشكلة فى متابعة المشاهد المصرى مسلسلات أجنبية، ففى البدايات منذ الستينيات بدأت مصر تتعرف على الدراما الأمريكية وكان هناك مسلسلات مهمة ظلت حتى التسعينيات وكانت تشغل اهتمام الناس، ولكن هذا لا يمنع أنها أخذت قوة رهيبة، ولكن تأتى الخطورة عندما يتضاءل تواجد العمل المصرى الجيد.
وهنا الحل يأتى من زاوية واحدة وهى تقديم أعمال مصرية جيدة يذهب لها الجمهور بمحض إرادته، مثل (بـ100 وش) و(الاختيار) و(الفتوة)، التى عرضت فى رمضان الماضى، وحققت نسب مشاهدة عالية جداً، لا يمكن لأى عمل عربى أو أجنبى أن ينافسها، أما لو الأعمال متوسطة أو رديئة فالمشاهد ينصرف عنها متجهاً إلى الأعمال العربية والأجنبية.
وتوضح الناقدة ماجدة موريس أن عرض المسلسلات الأجنبية على الفضائيات المصرية والعربية بمثابة دعاية مجانية لهذه البلدان، رغم أن بعض هذه الأعمال يمتلئ بالأكاذيب، ويهتم بصور جمالية على حساب الدراما والصدق.
وتضيف: هناك مسلسلات مصرية أصبحت تحاكى المسلسلات الأجنبية من ناحية القصة وعدد الحلقات، بالإضافة إلى الديكورات الفخمة»، لافتة إلى أن المسلسلات المصرية الطويلة لن تحقق النجاح المطلوب كونها 60 حلقة فحسب، بل يجب مراعاة اعتبارات فنية أخرى وألا يكون العمل مملاً، فليس لمجرد أنه مسلسل طويل سينافس الأعمال الأخرى.
وعن سر تفوق الدراما الأجنبية على نظيرتها من بعض الأعمال العربية، قالت د. ماجدة موريس: علينا أن نتعلم كيفية الطرح والبناء الدرامى الصحيح للقصة، وأن نراعى جماليات الصورة، خاصة أن وصولهم للمشاهد المصرى أصبح سهلاً، فهم يمتلكون خلطة سحرية للسيطرة عليه؛ لدس أفكارهم بعقله، فبعد نجاح مسلسلاتهم باللهجة السورية يدرسون الآن فكرة دبلجة المسلسلات باللهجة المصرية؛ لكى يحدث تفاعل أكبر وتلاحم بين المجتمع المصرى والدراما العربية.
وترى د. ماجدة أن بداية مواجهة هذه الدراما تتمثل فى تلبية احتياجات المشاهد، ومعرفة احتياجاته التى تقدمها له، ويفتقدها فى الدراما المصرية، هل هى الرومانسية أم فكرة البطل الحكيم.. هل الذوقيات والطبيعة الخلابة أم العلاقات الإنسانية والسلوكيات التى نفتقدها؟.. كلها أسئلة ينبغى الإجابة عنها لنعرف أسباب تفوق هذه الدراما، ووقتها لن تقلقنا الدراما الأمريكية أو العربية.