اليوم تحل الذكرى الثامنة لرحيل المطربة والممثلة صباح المعروفة بلقب الشحرورة، والذكرى الـ 95 لميلادها (10 نوفمبر 1927ـ 26 نوفمبر 2014)، في الذاكرة الكثير عن تلك الشحرورة، والشحرورة هي أنثى طائر يعيش في لبنان يتميز بجمال الصوت، هي الصبوحة التي ملأت ليالينا بالغناوي والحكايات، لا توجد فنانة في العالم العربي أحبت الحياة كما أحبتها صباح، امتلكت قلوب عشرات الرجال وتميزت بمقدرتها على تجديد حياتها والبعد عن الأحزان، رفعت شعار خاص بها: «طنش تعيش».. عن الحب والزواج والغناء في حياتها كانت هذه السطور..
خوف لمرة واحدة
عاشت الفنانة ـ المطربة والممثلة صباح حياتها كما لم يعشها أحد حتى رحيلها عام 2014؛ لم تشعر بالخطر أبدا إلا عندما هبت عاصفة الفوضى على بعض البلدان العربية؛ يومها قالت لمرافقيها: «أنا خايفة أوي على بلادي العربية، ثم أطلقت دعوتها الأخيرة قبل رحيلها: «يارب سلم شعوبنا من شر الفتن»، كان هذا هو القول الأخير لنجمة القرن العشرين.. الصبوحة، التي لم تكن تخشى أن يخبو نجمها؛ باختصار لأنها عاشت كل لحظة في عمرها، كانت كثيرة السفر والعمل والترحال.. وأيضا الزواج، في حياتها رجال كثيرون، تعلمت منهم وأكسبوها تجارب لم تكن تستفيد منها في اختيار الزوج القادم، وكأنها تعلمت من زيجاتها ألا تتعلم أبدا، فمثلما كان منهم من أحبها بصدق لبضعة سنين أو شهور.. وأحيانا ساعات، كان من بينهم أيضا من كان يتمنى لو عاش معها قرن من الزمان، ولكنها كانت تتصف بأنها «ملولة»، لا تطيق الحياة على لحن واحد وهي التي اعتادت على تنغيم مختلف الألحان وعلى الإيقاع الهادر، الصاخب، وكأنها تغني على سطح ساخن بفعل جمر من النار!
طموح حتى النهاية
لم تحرم نفسها من أي شيء تشتهيه في أي مرحلة من حياتها العمرية حتى عندما أوشك رصيدها على النفاذ ولحن العمر على الإقفال، امتدت حياتها الفنية من منتصف الأربعينيات، حتى آخر أسبوع في حياتها من الألفية الثالثة؛ لتترك خلفها إرثا فنيا غنائيا وسينمائيا ومسرحيا ضخما خلدها كأيقونة في مدارها الفني.
ألقاب في حياتها
اشتهرت بألقاب كثيرة منها «الشحرورة»، «الصبوحة»، «صوت لبنان» و»شمس الشموس»، كانت من بين أوائل المغنين العرب الذين وقفوا على خشبات المسرح العالمي في «أولمبيا» في باريس بعد كوكب الشرق أم كلثوم، وقاعة «كارنيجي» في مدينة نيويورك، وقاعة «ألبرت» الملكية في لندن ودار أوبرا سيدني.
أول أجر
ولدت لأسرة متواضعة، في إحدى القرى اللبنانية، حيث إن بدايتها الفنية كانت في صغرها في لبنان، إلى أن استطاعت لفت انتباه المنتجة السينمائية آسيا داغر والتي كانت تركز نشاطها في القاهرة هوليوود الشرق، فأرسلت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق مع الوجه الجديد صباح لثلاثة أفلام دفعة واحدة بعد أن رأت فيها ذكاء وموهبة ومقدرة فائقة على التعلم، وكان الاتفاق بأن تتقاضى 150 جنيها مصريا عن الفيلم الأول ويرتفع السعر تدريجيا، وكلفت الملحن العبقري رياض السنباطي أحد رعاة موهبة أم كلثوم بتدريبها فنيا ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة اختفى اسمها القديم للأبد: «جانيت» وحل مكانه اسم «صباح» في فيلم القلب له واحد عام 1945م، وكان عمرها وقتها حوالي 18 عاما.
أغرب زواج
تزوجت صباح تسعة رجال من بينهم: نجيب شماس والد ابنها الدكتور صباح شماس، وأنور منسي عازف الكمان ووالد ابنتها هويدا، وقضت مع الأخير أربع سنوات، ثم جاء زواجها من الإعلامي المصري أحمد فراج، واستمر زواجهما ثلاث سنوات، ثم جاء زواجها من الفنان يوسف شعبان واستمر الزواج شهر واحد وآخرين، إلى أن جاء أغرب زواج ليس في الوسط الفني فحسب؛ بل في تاريخ الزيجات الشرقية، عندما تزوجت من الدونجوان المصري رشدي أباظة لمدة 24 ساعة فقط، ونحكي تفاصيله للمرة الأولى؛ فالمتداول في الأوساط الصحفية والفنية أن الزواج استمر ليومين ـ 48 ـ ولكن الحقيقة، كما حكتها لي منذ سنوات الزميلة الإعلامية قسمت رشدي أباظة رحمها الله الابنة الوحيدة لرشدي وتوفيت منذ ثلاث سنوات فقط، وقتها كانت قسمت تعيش في منزل سامية جمال زوجة أبيها التي كانت تعاملها بلطف شديد وتساعدها في مذاكرتها خاصة اللغات الأجنبية، إن رشدي سافر إلى بيروت وقت زواجه من الفنانة سامية جمال لتصوير أحد الأعمال السينمائية هناك، واحتفل بقدومه إلى بيروت أحد صناع السينما اللبنانية في حفل دعا إليه بعض نجوم الفن المقيمين في بيروت في ذلك الوقت، وكانت من بينهم النجمة صباح، ومع أجواء البهجة، لا ندري كثير من تفاصيلها، طلب رشدي الزواج من الشحرورة فورا، واتصل بشقيقته المتواجدة في بيروت في ذلك الوقت، قائلا لها: «اتصرفيلي في مأذون حالا.. أنا وصباح هنتجوز»!، قالت شقيقته فيما بعد، لم أعرف ما المطلوب مني على وجه التحديد، فالطلب غريب ولا أجرؤ على رفضه «رشدي عصبي واللي بيقوله أوامر»، وكان هذا هو السر وراء تصريح سامية جمال لصحف ذلك الزمان: «إخواته جوزوه»!
رد سامية جمال
كان الأمر مثيرا، ولكن الأكثر إثارة هو ما حدث بعدها؛ فقد اتصل أحد الصحفيين الفنيين المتواجد في الحفل وأحد شهود الواقعة، اتصل بالقاهرة، بالتحديد منزل سامية جمال ورشدي أباظة؛ ليسألها عن رأيها في هذا الزواج، وأصابت الصاعقة فراشة الرقص وردت سامية جمال وهي في قمة ثورتها: «أنا هاجي أقولك رأيي»! ولم يستوعب المحرر الفني الأمر في حينه، ولكن في الصباح ولم تكن تذوقت طعم النوم، كانت سامية جمال تحتل مقعدا في الدرجة الأولى في طائرة مصر للطيران المغادرة إلى بيروت، متوجهة إلى منزل الشحرورة صباح، ليدور بينها وبين رشدي حوارا ساخنا، انتهى بطلاق صباح من رشدي وعودته مع سامية إلى القاهرة على نفس الطائرة، فيما هربت صباح من الصحافة الفنية مغادرة إلى باريس، لتنتهي أسرع زيجة لها!
مدام بنك
أخيرا تفيق صباح في ساعاتها الأخيرة قبل الرحيل؛ لتقول إنها تعلمت الدرس؛ فهي ترى أن أغلبية أزواجها في سنواتها الاخيرة كانوا يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم، وهي تعترف بأنهم يسمونها «مدام بنك» لأنها تنفق المال من غير تفكير على أزواجها، ومعروف عنها حبها للجمال وللأزياء وكانت تقول: «أتمنى أنني إذا خسرت ثروتي لا أخسر جمالي وأناقتي»، وتم إنتاج مسلسل تليفزيوني يحكي قصة حياتها بعنوان «الشحرورة» عرض في شهر رمضان عام 2011 وجسدت كارول سماحة شخصيتها وهوجم المسلسل بضراوة.
رسالتها الأخيرة
عندما سألت الصحافة الفنية اللبنانية صباح في آخر حوار صحفي أدلت به، طلبوا منها أن تعبر عن نفسها في كلمات.. ولماذا هي مثيرة للجدل، ولم تفكر يوما أن ترد على من أساءوا إليها، قالت: «ربما لأنني كنت صباح، وما خذلت نفسي، أحببت صباح، وسهرت الليل كي تكون «الشحرورة» مختلفة وناجحة وأنيقة وكريمة ومعطاءة، عشت حياتي متصالحة مع ذاتي، وهذا هو سري الذي لا يعلمه أحد، حتى بعض الرجال من الفنانين شعروا بالغيرة مني، لكني أطبق المثل القائل «طنش تعيش»!
..وسألوها: كيف تلخصين مشوار حياتك؟
قالت وربما كانت تدرك أنها آخر كلماتها: لقد كنت سعيدة بحياتي، ولم أكذب على نفسي يوما، وعشت حياتي بكل ما فيها، لم أكن «شرشوحة» في حبي وصداقاتي وزيجاتي، لقد صنعت فرحي وجعلت الحزن يخاف مني، ملكت العالم كله، ولم أحرم نفسي من أي شيء، الرجل الذي قررت أن أعيش معه، تزوجته، لم أكن يوماً مهووسة بالرجال أو المال، بل كنت أعرف كيف ألبي حاجتي من الحياة، وما يفيض عني، أعتبر أن الله يريد أن أعطيه لغيري، كنت كريمة ومستورة، وساترة من حولي، الإيمان جعلني أتغلب على كل المصائب..
وتلخيص التلخيص منها في قولها: «يا ويلي شو شفت من مؤامرات ونجاحات».
عن أجمل أغنياتها، تقول: أجمل أغنياتي: «ساعات ساعات»، «يانا يانا»، و»ليلة بكى فيها القمر»، وعن أهم الأصدقاء في حياتها ذكرت: كثر، أذكر فريد الأطرش، عبد السلام النابلسي، عبدالحليم، إسماعيل يس، محمد فوزي، محمد عبدالوهاب، مديحة يسري ومريم فخر الدين في شبابها.. ورحلت الأسطورة.