7-12-2022 | 11:34
10 سنوات على رحيل غواص في بحر النغم ، والذي غيبه الموت في السابع من ديسمبر عام 2012 عن عمر 64 عاما ، 10 سنوات وكانت الموسيقى يتيمة في غياب عمدة المبدعين صاحب الانامل الذهبية التي عزفت أروع وأجمل وأعذب الألحان و الموسيقى التصويرية لعشرات المسلسلات والأفلام والمسرحيات والأدعية والبرامج ، لقد كان عمار علي محمد إبراهيم الشريعي الذي ولد في 16 ابريل 1948 في محافظة المنيا في صعيد مصر وتخرج في كلية الآداب بجامعة عين شمس بالقاهرة عام 1970 ،وخلال دراسته الجامعية تحدي إعاقته البصرية واشتهر بالعزف على الأكورديون ثم أتجه إلى التأليف الموسيقي ليصبح من أشهر عازفي الشرق الأوسط وابرعهم خاصة في مجال الموسيقى التصويرية وتحديدا موسيقى "رأفت الهجان " التي أصبحت في مصاف الموسيقات الخالدة. وحصد الموسيقار الكبير على إعجاب الجماهير سنوات طويلة ، وقدم إحتفالات أكتوبر 12 عاما ، وقد جاء فوز الشريعي بجائزة التفوق عن عام 2005 التي تمنحها وزارة الثقافة كنوع من التكريم لإبداعاته ونشاطه الفني وثراء موسيقاه التصويرية لعشرات من المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية ونال الشريعي جوائز من إسبانيا وسويسرا كما كرم في الأردن وعمان .. عمار هو المبدع الحقيقي في أبناء جيله .. ولهذا الزمن الصعب الذي ندر فيه الإبداع الموسيقي خاصة على مستوى التأليف ، وانتشرت السرقات الموسيقية خاصة الألحان من الغرب تحديدا أو من الأموات لدى البعض..لكن الشريعي أبى ان يكون صورة من هؤلاء لأنه مبدع حقيقي .. مبدع أصيل قلما تتذوق موسيقى بطعم موسيقاه ، وقلما تجد مبدعا بغزارة إنتاجه .
الشريعي الشهير بغواص في بحر النغم .. هذا البرنامج الذي كان الأشهر والانجح في تاريخ البرامج الموسيقية الإذاعية كان يعد النموذج الأمثل والأوحد لربط الإذاعة بمعجبيها من هواة وراغبي سماع الألحان الشرقية الأصيلة ، والشريعي الذي كان كفيفا فهو كان يرى ما لم يره غيره ، وانتقل الشريعي ببرنامجه الشهير من الإذاعة إلى احدى القنوات ليصنع برنامجا ناجحا مميزا اسماه " سهرة شريعي " حقق نجاحا لافتا ومهما..إن عمار الشريعي الذي شغل بال محبي فنه بالأنغام الشرقية الأصيلة والحديثة والمجددة والمتطورة كان موهبة فذة لم تتكرر .
والشريعي هو صاحب فرقة " الأصدقاء " التي كونها من عدد من المطربين والمطربات الشباب مثل علي عبد الخالق ومنى عبد الغني وحنان ، والأخيرتين اختفيتا فنيا على المستوى الغنائي .. وكان " كامل الشناوي" صديق والده ، هو أول من اكتشف موهبة عمار عندما كان عمره عشر سنوات، عندما ناقشه في إحدى أغاني فيلم " الخطايا" التي تغنى بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.. وبالرغم من أنه أخذ الموهبة وحب الموسيقى من والدته التي وصفها بالفلكلور المتنقل لغنائها في كل الأحوال عند الفرح وعند الحزن.
بدأ الشريعي احتكاكه بالموسيقى لأول مرة بشكل علمي ومدروس، في المدرسة التي كانت تضم ثلاثة اتجاهات: إما الإعداد للتعليم الديني أو تعليم المهن اليدوية أو الموسيقى ، واختار عمار الموسيقى، وعندما وصل إلى الابتدائية وطلب منه أداء امتحان الموسيقى ساعده والده وأحضره إلى كمال الطويل الذي قام بامتحانه قبل المدرسة ، وكانت النتيجة أنه قال لوالده: " ابنك مثل طالب متخرج من معهد الموسيقى منذ سنوات" .. ومن هنا بدأت علاقته بالراحل كمال الطويل .
ولم ينس الشريعي يوما أستاذه سيد حسنين الذي كان يترك له مفاتيح غرفة الموسيقى بالمدرسة طوال فترة بعد الظهيرة ، وتعلم خلالها العزف على البيانو والاكورديون ، كما تعلم العزف على آلة العود بنفسه..أما أول أجر حصل عليه عمار الشريعي هو 99 قرشا ، وكان من الإذاعة المصرية عن عزفه للحن أغنية محو الأمية الشهير " يا أهل بلدي في كل مكان" ، وكان ذلك عام 1966 .
ويذكر ان الشريعي قام بإعطاء أول لحن له للفنانة " مها صبري" وكان بعنوان " امسكوا الخشب" ، ومن ثم بدأ حياته كعازف أكورديون في إحدى الفرق وظل يتنقل ما بين الفرق حتى وصل إلى " الفرقة الذهبية" بقيادة صلاح عرام ، وكان ذلك عام 1975 .
وبعد هذا اللحن لم يطلبه سوى المخرج نور الدمرداش الذي أسند له ألحان مسلسلي " بنت الأيام" و" السمان والخريف" حتى جاءت الفنانة " شادية" التي طلبت منه لحن " أقوى من الزمن" ، وكانت هذه بداية حقيقية لشهرة " عمار الشريعي" .
فقد اعتاد الشريعي أن يقدم الموسيقى التصويرية لأكثر من 5 مسلسلات سنويا ، وذلك بحسب رغبة مخرجي تلك الأعمال ، ولثقتهم النادرة في أعماله الموسيقية التي ساهمت كثيرا في نجاح العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية لارتباط النغمة الشجية بآذان الجمهور طويلا .
و هو من قام بتأليف موسيقى وأغاني مسلسل " هو وهي" ومنها أغنية " الشيكولاته" التي تغنت بها سعاد حسني في المسلسل ، وأعجبت باللحن المطربة الشعبية " فاطمة عيد " لتغنيها.
ولا ينسى الشريعي ما قاله عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب "أنا وأنت روح واحدة في جسدين" ،ولم يقلها لأحد في حياته إلا لعمار الذي أعطاه الكلمة السحرية ليكمل مشوار محمد عبد الوهاب الذي كان يتنقل بين المقامات الموسيقية والثقافات المختلفة كراقص باليه لا نشعر بخطوته على المسرح ، وليكمل عمار الشريعي بقية الرقصة حتى النهاية لتجد لوحة إبداعية نادرة وغير مكررة على الإطلاق.
و عمار الشريعي نفسه هو من قال " يجب أن نخلق تيارا جديدا في الأغنية العربية" ، وبعدها قدم لنا آمال ماهر التي اعتبرها كثيرون خليفة لكوكب الشرق أم كلثوم ، وهو من اعتبر سيد درويش الزلزال الموسيقي الأول في الفترة التي ظهر بها ، وأن أهم توابع هذا الزلزال وأولها هو محمد عبد الوهاب..ولم ينس كمال الطويل الأب والأخ والصديق ، وبليغ حمدي الذي أقرضه الأورج الأول من نوعه في مصر في ذاك الوقت ليبدأ حياته العملية.
و رغم كل هذه النجاحات التي تمتعت بها لطيفة قبل تعاونها مع عمار الشريعي إلا ان أكبر نجاح وأبرز بصمة فنية كانت مع الشريعي ،وكان أول عمل بينهما هو ألبوم "أكتر من روحي باحبك" من كلمات الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد، ونجح الألبوم نجاحا ساحقا على مستوى المستمع المصري والعربي، ثم البومي " بالعقل كده " والغنوة " ..وكانت أغنية "الغنوة" هي فكرة يتم تناولها لأول مرة . وبعد سلسلة النجاحات بين لطيفة وعمار في أكثر من ثلاث البومات وصفت لطيفة الشريعي بالعبقري !.
وألف الشريعي الموسيقى التصويرية لنحو 50 فيلما أولها "الشك يا حبيبي" عام 1976 بطولة المطربة والممثلة شادية و"البريء" عام 1986 بطولة أحمد زكي و"حليم" عام 2006 بطولة أحمد زكي. كما قدم الموسيقى التصويرية لنحو 150 مسلسلا تلفزيونيا منها "الأيام" و"أديب" و"رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" و"أم كلثوم" و"حديث الصباح والمساء" و"ريا وسكينة" و"شيخ العرب همام" و"أرابيسك" و"العائلة" و"هو وهي " و"البريء" و"أحلام هند وكاميليا "و"السمان والخريف" و"حليم " و"امرأة من زمن الحب" و"البوابة الثانية "،وعشرات الأعمال المهمة .