الخميس 21 نوفمبر 2024

أعمال نجيب محفوظ الأكثر شهرة روايات وأفكار مصرية فى السينما العالمية

فيلم Principio y fin

9-12-2022 | 10:57

طه حافظ

فى الوقت الذى تلجأ فيه السينما والدراما المصريتان بشكل عام منذ بدايتهما وحتى اليوم للاقتباس، نجد على الجانب الآخر هناك تجارب عالمية مأخوذة من روايات وأفلام مصرية، منها ما تم كتابة ذلك صراحة على تتراتها، ومنها ما لم تذكره، ولكننا نقدم الدليل على أنها مأخوذة من أعمال مصرية، أو على الأقل سبقت السينما المصرية نظيرتها العالمية فى عدد من الأفكار والتجارب المميزة التى نرصدها فى هذا التقرير لنؤكد أن الإبداع المصرى يمكن أن يصل إلى العالمية عندما يعبر بصدق عن البيئة والثقافة المصرية فيلمس مشاعر وضمير الإنسانية فى كل مكان...

نجيب محفوظ

كانت المرة الأولى التى يكتب فيها اسم نجيب محفوظ على تترات الأفلام السينمائية فى سنة 1960، عندما عرض فيلم «بداية ونهاية» عن روايته التى تحمل الاسم نفسه، ومن إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة فريد شوقى وعمر الشريف وأمينة رزق وسناء جميل .
واقتبست رواية «بداية ونهاية» من خلال فيلم «Principio y fin»، الذى أنتج فى عام 1993، ولم يختلف كثيراً عن الفيلم المصرى، وقد حاز الفيلم على إشادة من النقاد، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، تحكى قصة الفيلم بعد معالجته وكتابة سيناريو جديد له عن عائلة «بوتيروس»، وهى عائلة مكسيكية من الطبقة المتوسطة، التى تكافح ضد الفقر بعد وفاة رب الأسرة.
الفيلم ترشح للمنافسة على 27 جائزة عالمية، استطاع أن يحصد منها 18 جائزة، وهو من إخراج أرتورو ريبتسين، وبطولة أرنيستو لوجورديا، وجوليت إيجورولا، وبلانكا جويرا.
كما أعيد تقديم رواية نجيب محفوظ «زقاق المدق» للسينما من خلال الفيلم المكسيكى «El Callejón de los Milagros»، وذلك عام 1995، بعد أن قدمت فى السينما المصرية عام 1963، بطولة شادية، يوسف شعبان، ومن إخراج حسن الإمام. ونال الفيلم إشادة كبيرة من النقاد، وتم الحفاظ على الخطوط العريضة للقصة مع إجراء بعض التعديلات، كى تتوافق الرواية مع طبيعة الحياة فى مدينة نيو مكسيكو التى تدور بها الأحداث.
وكتب سيناريو الفيلم فيسنتى لينيرو وأخرجه جورج فونس، وكانت البطولة من نصيب نجمة هوليوود الشهيرة سلمى حايك، ليصبح هذا الفيلم بمثابة نقطة انطلاقة بارزة فى مسيرتها المهنية، قادتها لاقتحام السينما الهوليوودية.
كما حقق الفيلم المكسيكى نجاحاً كبيراً عند عرضه، واستقباله بحفاوة بالغة فى العديد من المهرجانات السينمائية العالمية، ليتمكن من حصد 49 جائزة بالفعل، إلى جانب حصوله على جائزة «the Ariel» التى تعادل جائزة الـ«أوسكار» فى المكسيك، ومن دواعى الفخر أن تكون الجملة الأولى فى تعريف هذا الفيلم على مواقع السينما العالمية: «اقتباساً عن رواية الأديب المصرى نجيب محفوظ، الحائز على نوبل».
ويظل نجيب محفوظ ملهماً للغرب، فالعودة بالزمن للماضى، فكرة قديمة فى أفلام الخيال العلمى عن طريق آلة الزمن، وقد قدمها الغرب قبلنا بسنوات، لكن السبق المصرى جاء فى تقديم فكرة أخرى للعودة للماضى، وهى عن طريق جسم الشخص نفسه، من خلال الحمض النووى الذى يحتوى تسجيل ذكريات أجداده حتى آدم.
قدمت هوليوود الفكرة فى فيلم «Assassin's creed» عام 2016، وهو أصلاً مستوحى من لعبة حاسب آلى ناجحة بنفس الاسم من إنتاج عام 2007، الفيلم يحكى عن مؤسسة سرية تحاول الوصول لماضى جماعة من القتلة فى إسبانيا أثناء القرن الـ15، وتستعين الشركة بحفيد الجماعة، وتصل لذكريات أجداده من خلال جهاز متطور.
الفكرة المصرية قدمت عام 2001 فى مسلسل «حديث الصباح والمساء»، المستوحى أيضاً من رواية لنجيب محفوظ بنفس الاسم، ويدور عن عائلات مصرية فى بدايات القرن الـ20.. وفى بداية كل حلقة يظهر رجل غامض لا نعرف سره إلا مع الحلقة الأخيرة، نكتشف أنه يستعيد ذكريات أجداده أثناء غيبوته بالمستشفى.
إذن هى الفكرة نفسها، ذكريات الأجداد من خلال الحفيد، والمعالجة طبعاً تختلف بين البلدين، فالفيلم الأجنبى يسوده الأكشن والمغامرة، وقتلة يعتلون أسطح المنازل ويقتلون أهدافهم بطرق جذابة ومؤثرات بصرية متقنة، الفيلم صراع بين الخير والشر فى عصر آخر وبشكل شبه خيالى.
أما المسلسل المصرى، فالعودة للماضى كانت لأجل رصد ظروف المجتمع حينها، عاداته وتقاليده، والزواج والنسل، وعرض فلسفة الحياة والموت، مع بعض المظاهر التاريخية من حكم الوالى حتى ثورة 1919.
 تفوق مصرى
السينما المصرية سبقت هوليوود أيضاً فى أعمال كـ «عروسة المولد»، الذى افتتحه مخرجه عباس كامل باستعراض غنائى فى أحد مصانع حلوى مولد النبي، حيث البطلان شكوكو وسعاد مكاوى، ابنة صاحب المصنع، تجمعها قصة حب، يصنعان عروسة وفارساً على حصانه.
كان صاحب المصنع قد صب الفارس والعروسة الحلوى خصيصاً لأحد زبائنه، لكنه يرفض أن يشترى الفارس مما يعنى افتراقهما فيرفض صاحب المصنع بيع العروسة رغم الإغراءات التى يقدمها المشترى للعروسة فستعيش فى مكان جميل مضىء به موسيقى وغناء بدلاً من الرف البائس الموضوعة عليه.
فى مخزن المصنع يدور الحوار بين العروسة بصوت (تحية كاريوكا) وفارسها بصوت عبد العزيز محمود، ومضمون الحوار أن العروسة ترغب فى تجربة حياة الرغد والثراء بعيداً عن هذا المكان الفقير، حتى ولو ابتعدت عن فارسها.
تهرب العروسة لتذهب للملهى الذى يملكه ويديره إدريس أو إبليس الذى أراد شراءها، وهنا تتحول عروسة المولد لامرأة من لحم ودم وهى تحية كاريوكا.
ولأن العروسة لا تعرف عن شيئاً شر العالم والحياة، يستغلها إبليس فى أعمال الشر والنصب، حتى أنه يطلب منها قتل أحد الأثرياء لترثه زوجته وابنه المرتبط بهما إبليس وصديقته الراقصة (لاتانيا)، وعندما ترفض أعمال الشر والنصب هذه يهددها إبليس طوال الوقت بالنمل الفارسى، وهو يحمله فى علبة يهددها بها، فإما أن تطاوعه فى أعماله الإجرامية أو أن يطلق عليها النمل ليأكلها.
ومع الأحداث تجد العروسة نفسها متهمة بالقتل، وعندما تخبر المحقق بأنها عروسة حلاوة، وأن أبليس هو من هددها بالنمل وإلا قتل الثرى، فيشك المحقق فى قواها العقلية فيتم تحويلها لمستشفى الأمراض العقلية، فتتمكن من الهروب منه وتعود مرة أخرى لمصنع الحلوى، حيث حياتها الأولى الأصلية، تلك الحياة الخالية من الشر إلا أنها ترى أنها أخطأت وعليها التكفير عن ذنوبها فتختار أن تلقى بنفسها فى الوعاء الكبير، حيث يذاب السكر الذى تصنع منه عروسة المولد.
فكرة الفيلم وقصته غير المطروقة أو المعتادة فى هذا الوقت، سبق مؤلفها عباس كامل هوليوود وتحديداً شركة «والت ديزنى»، التى قدمت فيلم «Toy Story» عام 1995 وتتابعت أجزاؤه.
الفيلم يحكى قصة إحدى الألعاب التى تعتقد أنها حقيقية وليست لعبة، فقد نجح المخرج فى تحريك عروسة المولد فى عدة مشاهد قبل أن تتحول لشخصية تحية كاريوكا الحقيقية بأدوات ذلك الزمن التى تعتبر بدائية مقارنة بالتقنيات الحديثة التى تستخدمها هوليوود فى إخراج وتصميم مثل تلك الأفلام.
 شباب امرأة
الفيلم الكلاسيكى الأمريكى «The Graduate» أو «الخريج» من إنتاج سنة 1967، ويحكى الفيلم عن طالب جامعى تخرج للتو وصار بلا عمل، تفتنه امرأة جذابة وتحاول إغواءه، إلى جانب أنها أكبر منه بـ20 عاماً، ويسلم الخريج الجامعى للمرأة، مدفوعاً بشبابه وافتقاره للحياة المستقرة، رغم أنه لا يملك أى مشاعر تجاهها.
قبل هذا الفيلم بأكثر من 10 سنوات، أنتجت السينما المصرية فيلم «شباب امرأة» عام 1956، الذى يحكى نفس حكاية إغواء الشاب، لكن بشكل مصرى أكثر، عن طالب من الريف يعيش فى مسكن امرأة غنية فى عمر والدته، تستدرجه ويقع بها، رغم انعدام المشاعر بينهما.
فى الفيلمين، يقع البطل فى حب فتاة شابة من نفس سنه، لكن المرأة اللعوب شرسة وتراقب، وترغب فى السيطرة على الشاب لحسابها، فى الفيلم المصرى تلفق له تهمة ويضطر للزواج بها، وفى الأمريكى تجبر حبيبة الفتى على الزواج كى يفقد الأمل فيها.
ينتهى الفيلمان بخاتمة سعيدة وعبرة مفيدة عن الحب والفضيلة، وأن الشباب للشباب، وللعملين مكانة كبيرة فى سينما كل بلد، الفيلم المصرى شارك فى مهرجان «كان» عام 1956 وحاز المرتبة السادسة فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى بحسب قائمة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1996، أما الفيلم الأجنبى فقد فاز بقائمة من الجوائز ليس آخرها جائزة الـ«أوسكار».
الكيف
«Breaking Bad» أو كما يترجم إلى «التحول للأسوأ»، هو واحد من أهم المسلسلات الأمريكية فى الفترة الأخيرة، ويعتبره بعض نقاد الغرب «المسلسل الواقعى الأفضل فى التاريخ»، وموسمه الخامس والأخير انتهى فى سنة 2013.
 القصة تدور حول عبقرى فى الكيمياء، لكنه مجرد مدرس فقير فى الخمسين من عمره، لا يكفيه مرتبه الشهرى، فلديه حمل ثقيل من زوجة وابن مريض، إلى جانب طفلة فى الطريق، ويضطر المدرس للعمل فى مغسلة سيارات، ولا يرحمه المجتمع بأغنيائه وفساده، فيتلقى الإهانات من الجميع، كل هذا محتمل، ولكن سرطاناً مفاجئاً يصيب المدرس.
علاج السرطان الكيماوى يمنحه عامين على الأكثر ثم الموت المؤكد، والأسرة بحاجة للمال الكثير لعلاج الابن ومستقبل المولودة، لذا يقرر المدرس المسالم أن يفعل الشىء الذى يجيده، يصنع المخدرات بخبرته العظيمة فى الكيمياء، وينجح فى هذا كل النجاح.
وبالعودة إلى الأفلام المصرية، نتذكر فيلم الثمانينيات الناجح «الكيف» عن المخدرات وعالمها، وفى الفيلم يضطر دكتور الكيمياء النابغة إلى صنع المخدرات لأجل الحصول على المال، فوظيفته لا تكفيه إطلاقاً لإعالة زوجته وطفله، بل يعجز عن التعامل مع الوساطة والمحسوبية لأنه أيضاً مسالم ومحترم.
الفكرة واحدة فى العملين؛ عبقرى كيمياء يدخل فى تجارة مخدرات اضطرارية لجلب المال، بسبب الفقر فى مجتمع لا يقدر العباقرة، لكن الفارق فى الطول والمعالجة، فالمسلسل الأمريكى تملؤه المطاردات والأكشن واستغلال ذكاء البطل فى مواجهة أعدائه، أما الفيلم المصرى فاتخذ طابع الفلسفة فى عرض قضية المخدرات وتأثيرها.
اختلاف آخر مهم بين العملين، فالكيميائى الأمريكى اختار طريق المخدرات بكل ما فيه من أذى، وكانت له أسبابه الوجيهة من وجهة نظره وفى النهاية صار أشد إجراماً فى مجتمعه، أما الكيميائى المصرى فلم يكن يقصد الأذى، بل أراد تقديم بديل أفضل من المخدرات لكن الآية انعكست تماماً.
فلو كان اسم المسلسل الأمريكى «التحول للأسوأ»، نجد الكيميائى المصرى فى فيلم «الكيف» يقول: «العبرة مش فى إرادة السوء، العبرة فى سوء الإرادة»، هكذا عالج المصريون الفكرة بشكل مختلف قبل هوليوود بأكثر من 20 عاماً.