الجمعة 22 نوفمبر 2024

رحلة الإذاعة المصرية من الأهلية إلى التمصير

برنامج هنا القاهرة الإذاعي

22-12-2022 | 13:02

طه حافظ
هنا القاهرة .. كانت من أولى الكلمات التى انطلقت عبر الإذاعة المصرية على لسان أحمد سالم فى تمام الساعة الخامسة والنصف مساء يوم31‏ مايو عام 1934 ثم آيات من الذكر الحكيم بصوت الشيخ محمد رفعت، وتلاها انطلاق صوت أم كلثوم ، ثم المطرب صالح عبد الحى والموسيقار محمد عبد الوهاب، كما ألقى حسين شوقى أفندى قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقى، وألقى الشاعر على بك الجارم بصوته قصيدة تحية وكذلك فقرة للمونولوجست محمد عبدالقدوس، والموسيقيين مدحت عاصم وسامى الشوا، ومع أحمد سالم كان المذيع محمد فتحى الذى عرف بلقب كروان الإذاعة. لم يكن يوم 31 مايو عام 1934 أول معرفة مصر بالبث الإذاعى فقد بدأ البث الإذاعى فى مصر منذ عام 1926 من خلال محطات أهلية على موجات قصيرة المدى كان يبثها أشخاص أو أصحاب أنشطة تجارية، ويصل مداها إلى شارع أو عدة شوارع . تركزت هذه الإذاعات الأهلية فى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد على وجه التحديد . وخلق توافر التقنيات دافعا لدى الأفراد فى سبيل استخدامها، فنجد من الأوائل ممن أنشأوا إذاعات أهلية فى مصر فى عشرينيات القرن الماضى أصحاب أجهزة الاستقبال وقتها، بمعنى أن بحوزتهم جهاز راديو شجعهم على إنشاء محطة إذاعية، منهم أحمد صادق الجواهرى الذى أسس إذاعة مع صديقه أحمد عاصم بعد حصوله على جهاز الإذاعة كهدية من ألمانيا ، وتاجر أجهزة راديو إلياس شقال الذى أسس راديو فاروق، وتاجر البيانو عزيز بولس مؤسس راديو فؤاد، بالتالى فإن غالبية مؤسسى الإذاعات الأهلية القديمة كانوا من المنتمين إلى الطبقة الوسطى وما فوقها، منهم مؤسسو راديو مصر الملكية حبشى أفندى جرجس وإسماعيل وهبى فريد بك . بالرغم من أن محتوى هذه الإذاعات تراوح بين الموسيقى والإعلانات التجارية إذا كان أصحابها من التجار يستخدمونها لترويج سلعهم ،وكان الجزء الأكبر من المضمون الإذاعى الذى تقدمه معظم هذه المحطات ترفيهيا‏ مما دفع الجمهور إلى الشكوى من بعض المضامين الإذاعية‏‏ وكانت المهاترات بين المحطات الأهلية من أهم أسباب إغلاقها‏‏ علاوة على أثارتها قلق الاحتلال البريطانى من استخدام هذه المحطات فى بث المحتوى السياسى المناهض للوجود الإنجليزى فى مصر، ما دفعهم والسلطات المصرية إلى إنشاء إذاعة تحتكر البث بإشراف من الدولة. شركة ماركونى تم الاتفاق مع شركة ماركونى على إنشاء الإذاعة اللاسلكیة للحكومة المصریة وأكدت طبیعة العقد المبرم بین الجانبین على أن تكو ن الحكومة هى المحتكرة للإذاعة وأن الشركة وكیلة عن الحكومة في إدارتها و إنشاء برامجها وذلك لمدة عشر سنوات قابلة للتجدید، وقد نص العقد على عدم السماح بإذاعة أیة مواد إعلانیة، وفى مقابل الإدارة تتلقى الشركة حصة من حصیلة رخص أجهزة الاستقبال قدرها ستون بالمائة . كما نص العقد على أن للحكومة المصریة الحق فى إذاعة النشرات والبیانات، والإرشادات الرسمیة التى تهم الجمهور. وحدد العقد أیضاً نظاماً للرقابة على البرامج بإنشاء لجنة علیا للإشراف علیها تتكون من خمسة أعضاء ثلاثة منهم تعینهم الحكومة وعضوان تعینهما الشركة وكأن أول رئیس لهذه اللجنة العلیا هو الجراح المصرى وعمید كلیة الطب وقتها ورئیس الجامعة المصریة فیما بعد الدكتور على باشا إبراهیم. انتهى عقد شركة ماركونى مع الحكومة المصریة فى ٣٠ من مایو ١٩٤٤م واتفق الطرفان على مد العقد لمدة خمس سنوات أخرى إلا أنه فى عام ١٩٤٧ شاب العلاقات المصریة البریطانیة توتر بسبب تلكؤ القوات البریطانیة في الجلاء عن منطقة السویس، وكان من مظاهر هذا التوتر أن قام رئیس الوزراء بإلغاء العقد المبرم مع هذه الشركة وتمصیر الإذاعة المصریة تماماً . تمصير الإذاعة‏ فسخت الحكومة المصرية العقد مع شركة ماركونى فى باريس‏1947‏، وشكلت لجنة لتسلم الإذاعة من شركة ماركونى فى‏27‏ مارس‏1947‏ برئاسة راضى أبوسيف وكيل وزارة الشئون الاجتماعية‏، وأصبح الجانبان البرامجى والإدارى فى يد المصريين‏،‏ وأنشئت فى‏18‏ مايو‏1947‏ إدارة الإذاعة اللاسلكية المصرية‏، وتشكل مجلس ادارة للإذاعة من ثلاثة عشر عضوا يمثلون جميع نواحى الحياة والوزارات ذات الصلة بالإذاعة برئاسة وزير الشئون الاجتماعية‏‏ وأصبحت للإذاعة ميزانيتها المستقلة التى تعطى لمجلس الإدارة اختيار المذيعين والكتاب والأدباء والموسيقيين وغيرهم‏، دون التقيد باللوائح المالية العادية‏، وتسلمت الحكومة المصرية محطة الإذاعة‏ ، وشهدت هذه الفترة انتقال الإذاعة عام‏1948‏ من مقرها فى‏5‏ شارع علوى إلى شارع الشريفين بطاقة‏13‏ استوديو‏،‏ وشهدت هذه المرحلة أيضا صدور أداء تشريع متكامل للإذاعة‏،‏ القانون رقم‏98‏ لسنة‏1949، وأصبحت بمقتضاه الإذاعة هيئة مستقلة ذات شخصية معنوية‏،‏ تلحق برئاسة مجلس الوزراء وتسمي‏:‏ الإذاعة المصرية‏.‏ اتخذت الإذاعة من ساعة جامعة القاهرة سمة لتعلن الوقت عدة مرات كل يوم‏،‏ للإعلان وتوجيه الأنظار نحو هذه المنارة العلمية‏، ودعمت الإذاعة وظيفتها الإخبارية‏،‏ وأنشأت قسما للأخبار‏، وأصبحت الأخبار المحلية جزءا مهما من نشرات الأخبار فى الإذاعة‏،‏ وبدأت ملامح التمصير تظهر تدريجيا‏، حيث عدل الأسبوع الإذاعى ليبدأ يوم السبت من كل أسبوع‏،‏ اعتبارا من‏11‏ فبراير‏1949، وحل المصريون محل الأجانب‏، وحررت نشرات الأخبار باللغة العربية أولا بدلا من اللغة الإنجليزية كما كان يتم من قبل‏.‏ شهدت هذه الفترة من عمر الإذاعة إنشاء وزارة للإرشاد القومى فى‏10‏ نوفمبر‏1952، ونقلت تبعية الإذاعة المصرية من رئاسة مجلس الوزراء‏،‏ إلى هذه الوزارة‏، وفى‏ فبراير‏1958‏ صدر القرار الجمهورى رقم‏183‏ لسنة‏1958‏ باعتبار الإذاعة المصرية مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية وإلحاقها برئاسة الجمهورية‏،‏ وأصبحت عام‏1961‏ من المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى وتسمي‏:‏ المؤسسة المصرية العامة للإذاعة والتليفزيون‏، وفى عام‏1962‏ تم ضمها إلى وزارة الإرشاد القومى حتى صدر القرار الجمهورى رقم‏62‏ لسنة‏1970‏ بإنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون‏، وصدر عام‏1971‏ القرار الجمهوري رقم‏1‏ لسنة‏1971‏ بإنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون‏، وفى عام‏1979‏ أعطى القرار الجمهورى رقم‏13‏ فى شأن الاتحاد دفعة جديدة للعمل ومنحه مزيدا من الاستقلال بتعديلاته بالقانون‏323‏ لسنة‏1989.‏ شهدت الفترة من‏23‏ يوليو‏1952، حتى أول أبريل‏1981‏ التوسع فى الخدمات الإذاعية شكلا ومضمونا‏،‏ حيث كان متوسط الإرسال الإذاعى عند قيام ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ ١٥ساعة يوميا‏، بلغ عام‏1979‏ ،١٧٩‏ ساعة و‏30‏ دقيقة‏، وأصبحت برامج الإذاعة بأربع وثلاثين لغة‏. الشبكات الإذاعية في أبريل‏1981‏ تم تطبيق نظام الشبكات الإذاعية‏،‏ بالإضافة إلى وجود الإذاعات المصرية على القمر المصرى النايل سات‏101،‏ والنايل سات‏102‏ وبدأ البث الرسمى للشبكات الإذاعية‏ وأنشئت إذاعة صوت العرب‏ ١٩٥٣ إذاعة الاسكندرية الإقليمية‏ ١٩٥٤، البرنامج الثانى ‏١٩٥٧‏، إذاعة الشعب ‏١٩٥٩‏، إذاعة فلسطين ‏١٩٦٠، إذاعة الشرق الأوسط ‏١٩٦٤‏ إذاعة القرآن الكريم‏ ١٩٦٤ البرنامج الموسيقيى١٩٦٨‏، وإذاعة الشباب‏١٩٧٥‏.. بالإضافة إلى الإذاعات الموجهة التى أنشئت عام‏1953.‏ الإذاعات الإقليمية والمتخصصة تم الاهتمام بالإذاعات الإقليمية‏‏ وبتوظيف الإعلام لخدمة التنمية حيث بدأت شبكة المحليات وتضم عشر اذاعات هى القاهرة الكبرى‏١٩٨١، وسط الدلتا‏١٩٨٢، شمال الصعيد‏١٩٨٣،‏ شمال سيناء‏١٩٨٤،‏ جنوب سيناء‏١٩٨٥،‏ القناة‏١٩٨٨، الوادى الجديد‏١٩٩٠، مطروح‏١٩٩١، وإذاعة جنوب الصعيد‏١٩٩٣ ‏كذلك مواكبة العصر وبدء الإذاعات المتخصصة والإذاعات الجديدة مثل : نجوم إف إم، إذاعة الأغانى، إذاعة نايل إف إم - الإذاعة التعليمية - راديو مصر- إذاعة الأخبار والموسيقى- إذاعة نغم FM . رواد الإذاعة على مدى تاريخها حمل رواد الإذاعة على عاتقهم نشر الثقافة والإبداع بين جموع الشعب المصرى،وكان منهم على سبيل المثال وليس الحصر محمد محمود شعبان بابا شارو، صفية المهندس أول صوت نسائى إذاعى انطلق ليس فى الإذاعة المصرية فحسب بل فى إذاعات المشرق العربى كله، وجدى الحكيم، جلال معوض، نجوى أبوالنجا، أمنية صبرى، آمال العمدة، سامية صادق، على خليل، طاهر أبوزيد، نادية توفيق ،صالح مهران، أحمد سعيد، سناء منصور، هالة الحديدى ، محمد مرعى، سلوان محمود، صبرى سلامة، آيات الحمصانى، سامية صادق، نادية صالح، أحمد الليثى، عبده دياب، محمد يوسف، جمالات الزيادى، إكرام شعبان، على فايق زغلول، محيى محمود، إمام عمر، صديقة حياتى، نجوان قدرى،إيناس جوهر وغيرهم من رواد وأساتذة ورموز الإعلام المصرى. رؤساء الإذاعة سعيد باشا لطفى، محمد بك قاسم، محمد حسنى بك نجيب، محمد كامل الرحمانى، محمد أمين حماد، عبدالحميد فهمى الحديدى، محمد أمين حماد، عبد الرحيم سرور ، محمد محمود شعبان، صفية زكى المهندس، فهمى عمر، أمين بسيونى، حلمى مصطفى البلك ، فاروق شوشة ، حمدى الكنيسى ، عمر بطيشة ، إيناس جوهر، إنتصار شلبى، إسماعيل الششتاوى، عادل مصطفى عبد الرحمن رشاد، نادية مبروك ، محمد نوار. أشهر البرامج ساعة لقلبك يعتبر ساعة لقلبك أحد العلامات فى تاريخ الإذاعة المصرية، بدأ فى فترة الخمسينيات منذ عام 1953 حتى بداية فترة الستينيات. ضم برنامج ساعة لقلبك، العديد من نجوم وكتاب الكوميديا والفكاهة فى مصر، فمن الكتاب الراحل يوسف عوف وأحمد طاهر وأمين الهنيدى وأنور عبدالله ومحمد يوسف، كما شارك فى كتابته أيضًا العظيم عبدالمنعم مدبولى، وضم كوكبة من النجوم أمثال الفنان فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدى وخيرية أحمد وجمالات زايد ونبيلة السيد وأحمد الحداد. على الناصية يعد برنامج على الناصية، الذى كانت تقدمه الإذاعية القديرة آمال فهمى عام 1957، من أشهر برامج الإذاعة المصرية، فقد حاز فى استفتاءات المستمعين على وضعية أحسن برنامج لأكثر من ثلاثين عامًا، وكانت آمال فهمى أول مذيعة تحصل على جائزة مصطفى وعلي أمين فى الصحافة. إلى ربات البيوت برنامج إلى ربات البيوت، أحد أقدم البرامج على مستوى الإذاعة، قدمته الإذاعية صفية المهندس، مع بداية الإذاعة المصرية فى نهاية الأربعينيات، واستطاعت من خلاله أن تشكل قاعدة جماهيرية كبيرة من خلال طرح حلول للمشكلات التي كانت تُرسل إليها بالبريد. كلمتين وبس انطلق البرنامج الشهير كلمتين وبس عام 1968، كان يقدمه الفنان العبقرى فؤاد المهندس، وعالج من خلال حلقاته سلبيات الشعب والحكومة المصرية والروتين، وكان من خلال هذا البرنامج يبدأ المصريون به يومهم فى الثامنة كل صباح. قال الفيلسوف لا يمكن أن ننسى برنامج قال الفيلسوف، الذى كانت تقدمه النجمة سميرة عبدالعزيز، فى بداية مشوارها الفنى منتصف السبعينيات، كان البرنامج مدته حوالى 5 دقائق. تسالى غمض عنيك وامشى بخفة ودلع الدنيا هى الشابة وأنت الجدع.. تشوف رشاقة خطوتك تعبدك لكن إنت لو بصيت لرجليك تقع وعجبى.. هكذا كان يبدأ برنامج تسالى على إذاعة الشرق الأوسط، برباعية صلاح جاهين، التى رددها الناس مع الإذاعية القديرة إيناس جوهر، والتى كانت تفتتح بها دائمًا برنامجها. غنوة وحدوتة - أبلة فضيلة من أبرز برامج الإذاعة المصرية غنوة وحدوتة الذى قدمته الإذاعية أبلة فضيلة، وكان مخصصًا لإلقاء الحواديت بطريقة سهلة وخفيفة موجهة للأطفال. لغتنا الجميلة أهم وأشهر برنامج قدمه الشاعر فاروق شوشة فى عام 1967 عبر أثير الإذاعة، فقد انبهر مستمعو الإذاعة بمئات الحلقات التى ظلت راسخة فى وجدان ملايين من المصريين والأمة العربية.

الاكثر قراءة