السبت 27 ابريل 2024

أنا والنجوم في دار الهلال كانت لنا أيام..

24-12-2022 | 12:56

عندما دلفت من بوابة دار الهلال المهيبة، شعرت برهبة المكان الذى سبقنى إليه عباقرة الصحافة المصرية، بدءا من مؤسسها جرجى زيدان إلى نجوم سبقوني وآخرين عملت معهم وتعلمت منهم، جئت إلى دار الهلال بطلب من الكاتبة الكبيرة إقبال بركة التي كانت تجمعني بها زمالة وصداقة خلال سنوات عملي بمجلة صباح الخير وكانت «بولا» هي إحدى نجمات العمل الصحفي والنسوي، خلال تلك السنوات الطويلة بدأت رحلة التعرف على الكنز المهني والإنساني التي تزخر به دار الهلال؛ ففي مجال الكتابة السياسية كان الأستاذ مكرم محمد أحمد الذي كتب شهادة ميلادي الصحفي بتوقيعه على عقد انضمامي إلى كتيبة دار الهلال، كان الأستاذ مكرم هو أحد سلاطين المقال السياسي بعد الأستاذ هيكل، ويشاء الله أن يتم اختيار أول وزير صحفي للثقافة بعد هيكل من دار الهلال هو الزميل والصديق حلمي النمنم، وكان زملاؤنا في المؤسسات الصحفية يحسدوننا عليه، وإلى جواره الكاتب الكبير عبدالقادر شهيب الذي كنت ألجأ إليه كثيرا في مشكلات طباعة المجلة ولمست فيه المهنية والشفافية وحرفية الكتابة الرشيقة..

 

كانت الدار تزخر بالأسماء الرنانة، لعل أول من لفتت نظري إلى هذه الأسماء، كانت النجمة نجلاء فتحي التي نصحتني بالرجوع إلى كتابات ناقد كبير هو فوميل لبيب، فيما قالت لي الصديقة الكبيرة نادية لطفي «أنا اتجوزت من عندكم» وكانت تقصد الفنان المصور الكبير محمد صبري، وكنت أعرف من نجوم الدار عمنا الناقد والمؤرخ حسن إمام عمر، كما لمع اسم الصديق محمود سعد من هنا من دار الهلال، رغم تجربته السابقة في الصبوحة وفي إحدي القنوات التليفزيونية،  إلى جوار نجمات العمل الصحفي الفني أمثال حسن شاه صاحبة القصة لبعض الأفلام السينمائية لعل أشهرها «أريد حلا» التي جسدت له البطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ومن بعدها جاءت أفضل كاتبة للحوار الفني في مصر على الإطلاق وهي الأستاذة الكبيرة عائشة صالح، التي تآلفت قلوبنا وكان لها زيارات متتابعة يوم الأربعاء من كل أسبوع إلى مكتبي نحتسي القهوة المرة ونتبادل الرأي في الفن وأهله!

أمينة هانم السعيد

عندما قُدَّر لي أن أنتقل للعمل بمجلة حواء النسائية الرائدة، كانت صورة (حواء) في ذهني مرتبطة إلى حد كبير باسم رائدة الصحافة النسائية الحديثة وباعثة نهضتها أمينة (هانم) السعيد، التي كانت بالنسبة لجيلي أميرة متوجة في بلاط صاحبة الجلالة، واسم يشكل رمز وقدوة لكل صحفي يريد أن يصنع اسمه، أو يبني مجداً، أو يقيم جسراً مع القارئ، عندما التقيتها صدفة على باب مصعد المؤسسة، ترددت في أن أشاركها أو أزاحمها أثناء صعودها إلى مكتبها بالدور الأول، إلا أنني فوجئت بالأستاذة الكبيرة تتبسط معي وتدعوني لمشاركتها المساحة مع عم سعد عامل الأسانسير النشيط، وما أن استعدينا للإقلاع، إذا بها تبدأ حواراً خاطفاً لم يستغرق سوى أقل من دقيقتين، علمت خلالها بعملي في المطبوعة التي منحتها عمرها وزهرة شبابها، كما علمت أنني (أب) لطفلة عمرها ثمانية أيام!

باغتتني بالسؤال: هل أنت حزين لكونك أنجبت بنتاً؟

بكل الصدق أجبتها: أنني ووالدتها دعونا الله بأن يرزقنا البنات.

بكرم وبأستاذية وحنان بالغ طلبت أن أزورها في مكتبها، بعد أن تقدمها إليها بهدية «السبوع» وفي مكتبها الذي تزينه – بجرأة لا نظير لها في ذلك الزمان – صورة للسيدة جيهان السادات حرم الرئيس الراحل أنور السادات، شرحت لي كيف كافحت هي من أجل تغيير الصورة السلبية للأنثى، وأن إنجاب البنات ليس (مصيبة) للأسرة المصرية المؤمنة المتحضرة، وأنها تصاب بـ «خضة» حقيقية حينما تجد أنصاراً لتلك الفكرة السوداء، وطالبتني بحنان آسر، أن أجعل من ابنتي فتاة متميزة في العلم والخلق والهوايات، وشددت عليّ ألا أنشر حواري معها –  في حياتها – في مجلة حواء، وقدرت رغبتها.

النقاش وصلاح سعيد

وعندما دعيت لكتابة سطور من تجربتى مع دار الهلال ونجومها، قفز إلى ذهني رمز من الإخلاص والتفاني لم أجد له نظيرا في حياتي، صلاح سعيد...

صلاح سعيد هو الزميل الذى أحرجنا جميعا وغار منه الجميع، كان رحمه الله يعمل فى إخلاص مبالغ فيه، ابتسامته لا تفارقه رغم العرق الذى يتصبب فوق جبينه، هو صديق حميم لكل رؤساء ومدراء وسكرتارية التحرير والمحررين الذين توافدوا على دار الهلال، فى الأسبوع الأول لدخولى حواء شاهدت رسما كاريكاتوريا فى مكتب صديقى عادل شاكر لأسرة حواء، أخطأت فى معرفتهم جميعا إلا رسم الفنان «تاج» المعبر لصلاح: فقد رسمه يهرول « السريع» أى فى عجلة من أمره!، هكذا هو دمه حامى، لا يتعصب إلا لإهمال يراه.

طابور رجاء النقاش

وجدت طابورا ممتدا أمام أحد المكاتب في الدور الأول، عندما سألت صلاح رد على بضحكة مجلجلة عرفت فيما بعد أنها من أشهر سماته: هههههههه ههههههههه ده الأستاذ رجاء النقاش بيقبض، ولم أفهم، إذا كان الرجل بيقبض فما دخل هذا بالطابور، بخفة دم ولماحية أولاد البلد، قال صلاح: ما هو بيقبض وبعدين يفرق على زواره من البسطاء القبض هههههههه ههههههههه!

طرائف صلاح لا تنتهي فقد كان لديه كبرياء يكفي العالم: حكى لى مدير مكتب مسئول كبير كنت قد أرسلت كتابا لي مع صلاح، فقال له الرجل: اتركه، فقال فى عزة نفس: لا .. قوله صلاح سعيد! 

كان أستاذى رجاء النقاش يقول لى عنه: عنده إخلاص مزعلنى، والمعنى أنه يشفق عليه من حماسه الشديد للعمل، وعلى المستوى الإنسانى فهو رحمة الله عليه كان بئر أسرار الدار.

  أما الكاتب النجم الذي تمنيت لقائه والذي قرأت له مبكرا هو فكري باشا أباظة.