«دار الهلال».. تلك الدار العريقة التى احتفلنا منذ أيام بمرور 130 عاماً على تأسيسها، 130 عاماً من الثقافة والتنوير من أجل هذا الوطن، تتعدد إصدارات «دار الهلال» التى بدأت بمجلة «الهلال» على يد مؤسس الدار الكاتب الصحفى جُرجى زيدان، الذى واصل ولداه (إميل وشكري) الرحلة من بعده.. رحلة التنوير والفكر والثقافة والفن أيضاً، فإذا كانت «الكواكب» هى المجلة الفنية المتخصصة الصادرة عن الدار، إلا أن هذا لا يعنى أن إصدارات الدار قبلها وبعدها كانت غير معنية بدور الفن الذى لا يقل أهمية أبداً عن باقى مناحى الحياة الأخرى من سياسة واقتصاد ورياضة وأدب وعلوم.. الفن كان دائماً حاضراً عبر إصداراتها المختلفة كما نرصد فى السطور التالية، فكم من النجوم كانوا على أغلفة الإصدارات المختلفة للدار، وكم من النجوم زاروها لحضور ندوات لمناقشة كل مناحى وأفرع الفن، وكانوا أصدقاء لرؤساء التحرير والكتاب بالمجلات المختلفة.. كبار النجوم كانوا يأتون إلى الدار لإحياء الحفلات على مسرح مخصص لإقامة هذه الحفلات بأحد طوابق الدار، وكان على رأسهم على سبيل المثال لا الحصر أم كلثوم وشفيق جلال وشكوكو وغيرهم، السطور التالية تستعرض كيف اعتنت إصدارات الدار المختلفة بالفن وأهله كما يلى..
كانت مجلة «الهلال» تعتنى بالفن واقتحمت موضوعاته المختلفة، وكانت أولى المجلات المتخصصة فى نقل العالم الفنى ومتابعة تطوراته وملاحقة تفاصيله، وظلت توافى قراءها بكل جديد عبر صفحاتها، فى حين أفردت أحياناً أعداداً كاملة عن بعض النجوم قديماً وحديثاً، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أم كلثوم ونجاة الصغيرة.
وعندما أحرزت الموسيقى فى مصر تقدماً ملحوظاً فى القرن التاسع عشر، راعت ذلك «الهلال»، وورد أول مقال عن الموسيقى فى «الهلال» وحفظت لنا مادة وافرة فى أعدادها عن أعلام الموسيقيين، فكتب زيدان عن عبده الحامولي، وجاء اسمه إلى جانب أسماء لامعة منها رفاعة الطهطاوي، وعلى مبارك ومحمود سامى البارودى وغيرهم، ممن نهضوا بالعلم والأدب والفنون، وكتبت عن أعلام الموسيقى والغناء، وربطت الأحداث التاريخية المصرية بغناء سيد درويش وكتبت أيضاً عن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وعن الألحان الشعبية والآلات القديمة والحديثة الغربية والعربية، والفرق بين النغمات.
أما عن المسرح، ففى أعقاب صدور «الهلال» كانت توجد فرق مسرحية معروفة مثل فرق أسكندر فرح والشيخ أحمد أبو خليل القبانى وجورج أبيض والشيخ سلامة حجازي، وتعددت المسارح بالقاهرة والإسكندرية والأوبرا والأزبكية ومسرح زيزينيا وغيرها، وأصبح للمسرح كيان، ونجد أن «الهلال» واكبت هذه الحركة أثناء نشأتها، وكانت تتابع وتكتب عن المسرحيات التى تقدم.
كذلك الحال مع السينما، فكانت «الهلال» هى أولى المجلات التى كتبت وتناولت التاريخ السينمائى فى الصحافة المصرية، وتوالت بعد ذلك جهود «الهلال» فى تبصير القارئ نحو فوائد السينما، كونها من أنجح الوسائل لترقية المدارك وتهذيب الأخلاق.
المصور
أما مجلة «المصور» وهى واحدة من أقدم المجلات التى أصدرتها «دار الهلال»، حيث صدر عددها الأول فى 24 أكتوبر عام 1924، فواكبت مجموعة من الأحداث فى مصر الوطن العربى سجلتها المجلة ووثقتها بالكلمة والصورة، وبالرغم من أنه للوهلة الأولى تبدو مجلة «المصور» وكأنها مجلة سياسية متخصصة، إلا أن التنوع كان وما زال سيد الموقف، حيث تعنى بتغطية كافة مناحى الحياة الثقافية والأدبية والرياضية والاجتماعية والفنية أيضاً منذ نشأتها الأولى وحتى الآن فقد أرَّخت للسينما فى أعدادها الأولى وكتبت مقالاً عن«تشارلى تشابلن» الفنان العالمى المعروف تحت عنوان «كيف بدأ السينما.. وكيف أثارت حركاته إعجاب الجمهور» وكان سبباً فى شهرته، كما نشرت بالصور اهتمام الحكومة المصرية بالتمثيل ورفع شأنه وقيمته فى مصر، وتابعت منح الجوائز للممثلين على خشبة المسرح، ومنهم السيدة روز اليوسف، وكانت «المصور» بشكل عام مصدراً لمتابعة عالم السينما، ولم تغفل بدورها تغطية النهضة السينمائية فى مصر وتشجيعها حتى تنمو وتثمر، فيما حث فكرى باشا أباظة والذى ترأس تحرير المجلة لسنوات وزارة المعارف على ضرورة تشجيع التمثيل، وأن تولى العناية به فى جميع المحافظات وتعمل جاهدة لإنشاء اتحاد الفنانين، فيما عنت «المصور» بكتابة عدة مقالات عن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعرفته للقراء بأنه «الفنان العبقرى».
الكواكب
ومع اتساع رفعة الحياة الفنية وتمددها داخل المجتمع المصرى، ظهرت «الكواكب» فى مارس 1932، ولكن كما أشرنا فى المقدمة، نحن هنا معنيون فى هذه الصفحات بإبراز الدور الذى قامت به إصدارات «دار الهلال» الأخرى غير «الكواكب» لمتابعة الحركة الفنية، فـ«الكواكب» كونها المجلة الفنية المتخصصة الوحيدة فى الدار المهتمة بالفن، فهى تمارس دورها الطبيعى الذى وُلدت من أجله.
حواء
وفى عودة إلى حديثنا عن باقى الإصدارات التى اهتمت بالفن، فنذكر أيضاً صدور مجلة «حواء» بعد ذلك، وتحديداً فى عام 1955، حيث ظهرت أول وأعرق مجلة متخصصة فى عالم المرأة، مجلة «حواء» التى اهتمت بالصحة والجمال والأسرة والموضة وإدارة المنزل من منظور نسائى.. وترأست تحريرها وأسستها الكاتبة الصحفية الكبيرة أمينة السعيد، إلا أننا نلحظ على صفحاتها ومنذ صدورها ليس فقط اقتصارها على عالم المرأة، ولكن كان دائماً على صفحات مجلة «حواء» الاهتمام بالفن الذى أفردت له العديد من الصفحات لتغطية كافة مناحى الشأن الفنى من سينما ومسرح ودراما ومهرجانات، حتى إن العديد من نجمات الفن يظهرن على أغلفتها، حيث يحاورهن صحفيو المجلة، فتخرج على الأغلفة صورهن فى أجمل حالة، سواء لمتابعة أعمالهن الفنية أو من منظور كون الفنانة أماً أو عروساً أو ترتدى أحدث صيحات الموضة، فبشكل عام كان الفن حاضراً دائماً على صفحات «حواء» وأغلفتها بشكل ليس بالقليل على الإطلاق.
مركز الهلال للتراث الصحفى
وفى عام 2015، وتحديداً أثناء تولى الكاتب الكبير غالى محمد رئاسة مجلس إدارة الدار، قام بإنشاء «مركز الهلال للتراث الصحفى»، لحفظ التراث الضخم الذى سطرته أقلام أبناء الدار وكبار الكتاب من خارجه أيضاً فى كافة مناحى الحياة، ونجد أيضاً أنه وإن كانت إصدارات المركز قد شملت العديد من الموضوعات والشخصيات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أحمد عرابي، طلعت حرب، الشيخ محمد رفعت، الزعيم مصطفى كامل، أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكن يظل أيضاً الاهتمام بالجانب الفنى هو أيقونة تلك الإصدارات، ومنها أيضاً على سبيل المثال لا الحصر فيروز، منيرة المهدية، شادية، فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ.