على مدى تاريخها الطويل، الذى نحتفل هذه الأيام بذكراه الـ130 عاماً، لم تكن مؤسسة «دار الهلال» الصحفية، أعرق مؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط والعالم العربى فقط ، ولم تتميز فقط بإصداراتها الشهرية والأسبوعية فحسب، بل حملت راية التنوير والإبداع والتثقيف، وحملت أيضاً على عاتقها الهموم والقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، ليس فى مصر فحسب بل فى الوطنين العربى والأفريقى كله.. فمنذ أن أسسها جُرجي زيدان عام 1892 تعتبر مجلة «الهلال» التى تصدر عن الدار من أقدم المجلات العربية التى اهتمت وتخصصت فى المجال التثقيفى والتنويرى والإبداعى.. وقد صدر العدد الأول منها فى عام 1892 بافتتاحية كتبها جُرجي زيدان أوضح فيها خطته، وغايته من إصدارها، وكان زيدان ينشر فيها كتبه على هيئة مقالات.
خصص مؤسس مجلة «الهلال»، جُرجي زيدان، فى أول عدد لها، مساحة واسعة شرح للقراء فيها، أسباب إصداره المجلة، وكذا دوافعه وأهدافه؛ كى يخلق نوعاً من التفاعلية مع الجمهور.
أما عن نفسي فعندما وطأت قدماى لأول مرة مؤسسة «دار الهلال» عام 1986، مررت من بوابه زجاجية حديدية عملاقة شاهقة، وفى بهوها انتابنى شعور بالفخر والشموخ وعبق التاريخ، وكنت وقتها مازلت طالباً بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وصعدت للدور الثاني، حيث مجلة «الكواكب» العريقة وتقدمت بطلب كمتدرب شاب للكاتبة الصحفية الكبيرة حُسن شاه رحمها الله، فقد تعلمت منها معنى كلمة صحافة، ثم الكاتب الكبير رجاء النقاش ومحمود سعد وغيرهم من رؤساء التحرير الذين سبقوهم، والذين لم يدخروا جهداً فى جعل مجلة «الكواكب» مجلة لها تاريخ، مثل فهيم نجيب ومجدى فهمى وسعد الدين وهبه وكمال النجمى، فواصلوا عطاء الكبار منذ أن تم تأسيسها عام 1932 وحتى الآن، فلم تكن مجلة «الكواكب» أعرق مجلة فنية فحسب، بل كانت منارة للمثقفين والفنانين، وأفردت صفحاتها لكل مبدع مصرى وعربي، وتبنت كل القضايا الفنية والأدبية والثقافية فى مصر والعالم العربى كله، واكتشفت وقدمت أعظم النجمات والنجوم الذين قدموا أعمالاً فنية فى كافة المجالات الفنية من تمثيل وإخراج ومسرح وغناء، فقد تبنت «الكواكب» برؤساء تحريرها وصحفييها كل هموم وقضايا ومشاكل الفنان المصرى والعربي، وكانت حائط صد وسنداً لكل فكر بناء، وكل فنان فى كافة المجالات، وستظل مؤسسة «دار الهلال الصحفية» ومجلة «الكواكب» جزءاً كبيراً ومهماً من تاريخنا الثقافى والفنى والاجتماعى والسياسي، وستظل مرجعاً تاريخياً وشاهد عيان على كل الأحداث التاريخية لكل باحث وطالب علم، وستظل «دار الهلال» بكل إصداراتها المتنوعة أبرز ولأهم قوى مصر الناعمة.