السبت 4 مايو 2024

سهير البابلي "غولة المسرح" عابرة الزمن

سهير البابلي في مسرحية ريا و سكينة

6-1-2023 | 12:43

خليل زيدان

تعتبر الفنانة سهير البابلى من نجوم الفن عابرى الأزمنة، فهى من نجمات الزمن الجميل بما أدته من أدوار بارزة فى المسرح أولاً، فهى فى الأساس نجمة مسرحية، بدأت رحلتها مع تشكيل المسرح القومى الذى حوى العديد من النجوم المسرحيين منهم أحمد علام وحسين رياض وأمينة رزق، ومعهم أيضاً سميحة أيوب وعبدالرحمن أبو زهرة، فى مرحلة ارتكز فيها المسرح القومى على تقديم الأعمال الأدبية المترجمة، وأيضاً أعمال أدبية لتوفيق الحكيم وعزيز أباظة وغيرهما من الكتاب والأدباء.

 

طافت سهير البابلى فى تلك الفترة مع نجوم المسرح القومى فى العديد من المحافظات، وعلى الرغم من ارتكاز نجوم الفرقة على تقديم عروضهم المسرحية بمسرح دار الأوبرا المصرية، إلا أنهم كانوا يريدون الوصول إلى أكبر قدر من الجمهور المصرى، ومن الطبيعى أن تذهب الفرقة إلى الإسكندرية ورأس البر وبنى سويف وغيرها من المحافظات لينعم بعروض الفرقة من لا يستطيع الوصول إلى القاهرة، وكان ذلك فى حد ذاته منتهى الإرهاق لسهير البابلى ومن معها من النجوم.

ومن الواضح من خلال الرصد المسرحى أن نجومية سهير البابلى المسرحية واكبت نجومية الفنانة سميحة أيوب، وكانت هناك بطولات مشتركة فى معظم مسرحيات المسرح القومى، فهناك مسرحية «الخال فانيا» للكاتب المسرحى أنطون تشيخوف، وتدور حول قسوة الخيبة التى يشعر بها الإنسان عندما يستعرض مراحل الفشل التى مر بها ويصبح عاجزاً عن تغيير حياته أو إصلاح ما أفسده.. ومن أبرز نجوم تلك المسرحية كانت سهير البابلى التى شاركتها البطولة سميحة أيوب وعبدالله غيث ومحمد الطوخى.

هناك أيضاً مسرحية «القضية»، التى شاركت سهير البابلى فى بطولتها مع عبدالرحمن أبو زهرة وعبدالله غيث ونجمة إبراهيم وحسن البارودى وغيرهم من النجوم، وهى من تأليف لطفى الخولى.

تدور المسرحية حول مواطن أراد أن يفتح شباكاً فى أحد جدران منزله، فعاقبه القانون على ذلك، ولينجو من العقاب قام بغلق الشباك، فعاقبه القانون على الغلق، ثم قام بفتح الشباك فعاوده العقاب مرة ثالثة، وأخرج تلك المسرحية عبدالرحيم الزرقانى.

شاركت أيضاً سهير البابلى فى بطولة العديد من المسرحيات، ومن الواضح أنها كانت تسعى فى تلك الفترة إلى التميز، فهى بين نجوم عمالقة وعليها أن تثبت وجودها وهذا ما حدث، ومن المسرحيات التى شاركت فيها أيضاً كانت مسرحية «الناس اللى فوق» قامت فيها سهير بالبطولة أمام سناء جميل وحسين رياض وشقيقه فؤاد شفيق مع إحسان القلعاوى، والمسرحية تأليف نعمان عاشور وإخراج سعيد أبو بكر ومن المسرحيات التى قامت ببطولتها أيضاً مسرحية «بلدى يا بلدي» أمام حمدى غيث وعبدالله غيث وأنور إسماعيل، والمسرحية من إخراج جلال الشرقاوى.

 أما المسرحية التى وقفت فيها سهير البابلى أمام أمينة رزق كبطلة فكانت مسرحية «برناردا ألبا» من تأليف فريدريكو لوركا وأخرجها فتوح نشاطى، وشارك معهما بالتمثيل ملك الجمل وإحسان شريف، حيث ترتكز الرواية على سيدة توفى زوجها وترك لها خمس بنات، ومع رحيل حاميهن تشعر الأم بخوف شديد على بناتها وتخبرهن بأن فترة الحداد على والدهن ستطول إلى ثمانى سنوات، يمنع خروجهن طوال الحداد أو مقابلة الشباب، وتثور البنات ضد قرار والدتهن القاسى، ومع الضغط تلين الأم وتسمح لأحد الشباب بخطبة الابنة الكبرى، وكان الشاب طامعاً فى ثروتهن، وأيضاً يحب شقيقتها الصغرى.. ورغم أحداث المسرحية التى لا تميل إلى اللون الشرقى، بل تجسد نموذجاً من حياة الريف الإسبانى إلا أنها كانت بمثابة جرس إنذار للريف العربى بمنع التشدد الأسرى مع الفتيات.

المسرحية الممنوعة

ونترك العروض المسرحية الناجحة لفرقة المسرح القومى لنصل إلى كواليس الفرقة نفسها وما يدور فيها من صراعات داخلية بين النجوم، أو على الأخص نجمتنا سهير البابلى والنجمة سميحة أيوب، فمن خلال تحقيق كتبه الصحفى الكبير حسين عثمان فى عدد «الكواكب» بتاريخ 12 سبتمبر 1961، بعنوان «مطلوب من المسرح القومى إيقاف هذه المسرحية»، ظهر من خلال التحقيق المنافسة الشديدة بين سهير البابلى وسميحة أيوب، حتى أن حسين عثمان شدد على أنها مسرحية مأساوية لا يراها الجمهور، بل دارت فصولها فى كواليس المسرح القومى.

وتبدأ فصول المسرحية بقيام أربعة من نجوم المسرح القومى بتقديم استقالاتهم دفعة واحدة، وكانت سهير البابلى منهم، ومع سؤال البابلى عن استقالتها قالت إن الاستقالة أُلغيت بعدما وافقت الفرقة على إسناد دور «مارجريت جوتيه» فى مسرحية «غادة الكاميليا» إليها، وبعدما سمعت سمحية أيوب ذلك التبرير ثارت وغضبت ودخلت مكتب مدير المسرح لتسأله كيف تسند الدور إلى سهير البابلى بعدما أسندته إليّ؟! فأقسم المدير بأن ذلك لم يحدث وأن سهير آخر من يرشح لهذا الدور، وهنا هدأت ثورة سميحة أيوب، لكن سهير البابلى لم تسكت، فراحت تؤكد إسناد الدور إليها، وأن الكثير من المخرجين يرشحونها لهذا الدور، وقالت بالحرف إن أمينة رزق رشحتها بإصرار لهذا الدور.. ومع تصريحات البابلى عادت أيوب للثورة، فما كان من مدير المسرح إلا أن يبادر بنشر بيان على لوحة تعليمات الفرقة جاء فيه أن السيدة سهير البابلى سحبت استقالتها وتستأنف عملها بالمسرح وفق لوائحه وتعليماته.

كان ذلك البيان بمثابة صدمة لسهير البابلى التى بكت أمام مدير المسرح، ورأت أن فى ذلك البيان إهانة لها، وطالبت برفع البيان، لكن مدير المسرح كان حازماً، فخيرها بين رفع الإعلان أو اعتبار استقالتها سارية، وهنا رضخت سهير البابلى لتعليمات المدير.. أما باقى فصول المسرحية التى طالب حسين عثمان بإيقافها فقد تمثلت بعدم رعاية إدارة الفرقة لنجوم التمثيل عند عروض مسرحياتها فى رأس البر، فتعليمات الفرقة كانت تقتضى بأن يبقى الممثل ليلة التمثيل فقط لتوفير بدلات السفر، وكانت سهير البابلى وحسين رياض وحسن يوسف من النجوم الذين يتأخرون عن العروض عدة مرات ولم يتم اتخاذ أى إجراء ضدهم، وعند عرض مسرحية «فى بيتنا رجل» (منذ أسبوع تقريباً فى بور سعيد)، وكانت سهير البابلى إحدى نجمات المسرحية، فقد تأخر حسن يوسف فى الحضور مما تسبب فى تعطيل رفع الستار لمدة نصف ساعة، واضطرت الفرقة إلى البحث عن الممثلين ليقدموا عرضاً آخر وقدم حسن يوسف للتحقيق مع اقتراح بفصله من الفرقة.

بداية الشهرة

إن كانت كل تلك النصوص المسرحية والروايات التى شاركت فيها سهير البابلى مسرحياً طوال فترة الستينيات، فإنها لم تحقق لها النجومية المنشودة، فقد شاركت فى بطولة مسرحية «الفرافير» عام 1964 وبعدها مسرحية «جوزين وفرد» عام 1966 و«ليلى والمجنون» عام 1972، إلا أن مسرحية «مدرسة المشاغبين» عام 1973 كانت بداية الشهرة الحقيقية لسهير البابلى التى قامت بدور «المدرسة عفت عبدالكريم»، التى تواجه مجموعة من الطلبة الفشلة المشاغبين وتتمكن من تقويمهم، وبرغم هجوم البعض على المسرحية وأنها تسببت فى إفساد جيل أو جرأت الطلبة على المدرسين إلا أن المسرحية نجحت نجاحاً مدوياً، بل ومازالت تعرض حتى الآن على الفضائيات وتلقى إقبالاً كبيراً من الجمهور.

نرجس المسكينة

يكمن سر نجاح مسرحية مدرسة المشاغبين فى الفكرة الجريئة المطروحة، وإن تم قياس شهرة سهير البابلى فيما قدمته بعد ذلك، نجد أنها قامت ببطولة مسرحية «نرجس» أمام العبقرى حسن عابدين عام 1975 وهو نفس العام الذى قدمت فيه مسرحية «قصة الحى الغربى»، ومن بعدها مسرحية «يا حلوة ما تلعبيش بالكبريت» عام 1977، إلى أن جاء عام 1979 ليحمل نجاحاً مميزاً لسهير البابلى فى مسرحية «الدخول بالملابس الرسمية»، وفى تلك المسرحية يتضح النضوج الفنى لها مع أبوبكر عزت وإسعاد يونس ومحمد يوسف وأحمد نبيل.

ريا وسكينة الأشهر

من المعروف أن «مدرسة المشاغبين» لاقت نجاحاً كبيراً، لكن يبدو أن مسرحية «ريا وسكينة» كان العمل الأكثر شهرة ونجاحاً فى مشوار سهير البابلى، ولا يكمن نجاح المسرحية فقط فى وجود العملاق الكوميدى عبدالمنعم مدبولى والفنانة الكبيرة شادية، بل ارتكز النجاح على أداء سهير البابلى التى أطلقت لنفسها العنان، فتحررت من قيود الأداء التقليدى لتقدم أروع أدوار عمرها المسرحية عام 1982، ومع النجاح المدوى للمسرحية طار نجومها لعرضها فى عدة دول عربية، وهناك أيضاً لاقت نجاحاً كبيراً، ورغم أن قصة «ريا وسكينة» تم تداولها مسرحياً وسينمائياً عدة مرات لكن تعتبر المسرحية الأنجح هى التى قدمتها البابلى مع مدبولى وبدير وشادية.

ملكة الكوميديا السياسية

قدمت سهير البابلى مسرحية «على الرصيف» مع النجم حسن عابدين وأحمد بدير عام 1987، وهى من الكوميديا السياسية التى تلقى الضوء على بعض سلبيات المجتمع فى ذلك الوقت، وإن كانت المسرحية قد لاقت بعض الهجوم أو إيحاء بالمنع، لكن مع انتشار الفيديو كاسيت فى تلك الفترة أصبحت متاحة للجميع، ومع إثارتها للجدل وجب الإشارة إلى أن مسرحية «بلدى يا بلدى» التى قامت ببطولتها سهير البابلى أيضاً قد واجهت جدلاً كبيراً، حيث عرض الدور فى أول الأمر على الفنانة محسنة توفيق لكنها رفضت الدور ووُضعت المسرحية موضع الاتهام فكرياً وسياسياً فى تلك المرحلة.

«العالمة باشا».. والإرهابية

قدمت سهير البابلى أيضاً دوراً بديعاً من خلال بطولتها لمسرحية «العالمة باشا» عام 1991، وهى مسرحية أيضاً من الكوميديا السياسية الساخرة التى تتعرض لمرحلة زمنية ما وترصد سلبياتها .

وتختتم سهير البابلى مشوارها المسرحى بعمل ناجح بديع وهو مسرحية «عطية الإرهابية»، التى قدمتها لموسمين متتاليين عام 1992، ومع بدء عرض المسرحية فى موسمها الثالث جاء القرار الصادم للمخرج جلال الشرقاوى من سهير البابلى باعتزالها وارتدائها الحجاب، وحاول الشرقاوى جلب نجمات آخريات للقيام بالبطولة بدلاً من سهير البابلى إلا أنهن جميعاً اعتذرن خوفاً من الفشل والمقارنة بالنجمة سهير البابلى.