بين الفن والدين شعرة، وثمة أشياء كثيرة مشتركة، ولكن لدى الأب بطرس دانيال.. مدير المركز الكاثوليكى المصرى للسينما تبدو هذه العلاقة ثنائية القطب، إذا جاز التعبير كوجهين لعملة واحدة فالفن الراقى بالنسبة له هو إحدى أدوات وأسلحة التعامل من أجل بناء الوعى والسلوك الأفضل والأخلاق السليمة، التى أكد أيضاً أنها تبدأ من الأسرة، ثم يأتى الدور القوى للفن سريع القوة والانتشار.
التقينا به فى هذا الحوار الذى استمعنا فيه إلى كلمات التهنئة منه بالعام الجديد، وكيف يرى أن المركز والفن بشكل عام يدعمان فكرة توحيد شطرى الأمة، وكيف يمكن للدراما أن تنجح فى توجيه العقول للرسائل الحقيقية للأديان بمفاهيمها السمحة، وتقديم صورة رجل الدين من الطرفين بشكل سليم، كما حدثنا عن الاستعداد لإقامة الدورة الجديدة لمهرجان المركز خلال شهر فبراير المقبل، فتعالوا معنا إلى هذا الحوار نتعرف من خلاله على أحلام وأمنيات الأب بطرس دانيال فى العام الجديد على المستويين العام والشخصى أيضاً...
فى البداية.. ماذا تقول من كلمات للتهنئة بالعام الجديد وأعياد الميلاد المجيد؟
أقدم التهنئة لكل المصريين بأعياد الميلاد المجيد والعام الجديد 2023 وأطلب من الله أن يكون عام سلام ومحبة وخير ورجاء على الجميع.
فى حواراتك عادة ما تذكر أن والديك علماك منذ الصغر عدم التعصب واحترام الآخر.. إلى أى مدى نحن فى أمس الحاجة لزرع هذه القيم والتأكيد على دور الأسرة فى التربية حالياً؟
تربية البيت هى الأساس قبل كل شيء فى زرع القيم والأخلاق النبيلة، وحتى نصل إلى ثقافة عدم التعصب لابد من التعامل بصدق وشفافية ووضوح فى الكلام، وبذلك نستطيع التغلب على أى أزمة يمكن أن تمر بنا.. وهو دور يبدأ من الأسرة والبيت قبل كل شيء
.الأب بطرس دانيال مع الصحفية هبة عادل
وهل يستطيع الفن أيضاً أن يلعب دوراً فى هذه السلوكيات وتقويمها؟
أولاً أنا لست مع اتهام الفن بإفساد الأخلاق ونشر ثقافة العنف وما إلى ذلك مثلما نراه أحياناً فى قفص الاتهام، بل أؤكد كما قلت إنه دور الأسرة فى البداية، فإذا تربى الإنسان على قيم نبيلة وأخلاقيات سوية وسليمة، فمهما شاهد من مشاهد عنف وبلطجة فى الأعمال الفنية، فمستحيل أن تؤثر فى سلوكياته، والمفروض أن الفن قيمة عليا ترفع الناس إليها ولا ينزل هو إلى المستويات الدنيا ويحاكيها، بل العكس هو المطلوب، فلو بعض الناس فى المجتمع تتصرف بطريقة عشوائية، فعلى الفن أن يرفع من شأنهم، وهو يستطيع بالطبع بما يملك من أدوات التواصل وجذب الانتباه، ومع الوقت وتراكم المشاهدة يستطيع تهذيب أشياء كثيرة، فكما أن تهذيب السلوك هو دور الأسرة فى المقام الأول، فعلى الفن أيضاً بالطبع نفس الدور، فالشباب يجرى وراء الموضة.. كما نراه الآن يجرى وراء السوشيال ميديا، فمن الممكن استغلالها فى صنع أعمال وحبكات درامية توصل أفكاراً من خلال قصص تعرض من خلالها لتقويم عادات الشراء مثلاً، واختيار شريك الحياة، وتوعية الشباب من استخدام الإنترنت، وهكذا.. وعلى صعيد الدراما أيضاً يمكن صنع ذلك لما لها من قوة فى التأثير وسرعة فى الانتشار.
شاهدنا العديد من الأفلام التى تناولت علاقة المسلم بالمسيحى فى الوطن الواحد قديماً وحديثاً مثل احسن ومرقصب، اكوهينب، افيلم هندىب، اواحد صفرب، االرهبةب، االرهينةب، اشفيقة القبطيةب وغيرها.. كيف تقيم هذه التجارب وإلى أى مدى ترى أهمية وجودها وصناعة المزيد منها؟
بالتأكيد هى تجارب ناجحة وقدمت العديد من الرسائل المهمة، وأفضل ما يمكن تقديمه من خلال هذه الأعمال أن تجعل العلاقة بين الطرفين طبيعية دون تكلف أو تصنع كما هى فى الواقع.. كما نحن فى الحياة نتعامل كواحد، سواء كجيران أو أصدقاء أو زملاء عمل، نحيا بشكل طبيعى ونتعامل بشكل طبيعى دون تكلف، نزور بعض ونعمل مع بعض بتلقائية، وهكذا رجل الدين أيضاً يجب أن يظهر بشكل عادى، يظهر كإنسان فى المجتمع يقوم بدوره كباقى الناس، يضحك ويعمل ويتحدث مع الناس ولا يجب إظهاره لا فى صورة تسخر منه ولا فى صورة المتشدد، ولا هو أيضاً إنسان لا يخطئ.. هو إنسان مثل أى إنسان ينصح ولا يأمر، ويعيش بشكل طبيعى، وهى الصورة المطلوبة بعيداً عن الوعظ والخطابة وأنه منزه عن الخطأ.. فالصيغ المباشرة.. الناس لا تتقبلها.
نلاحظ حرصك الدائم على العلاقة الناجحة مع الفنانين والتى تمتد حتى خارج إطار المهرجان السينمائى السنوى للمركز الكاثوليكى.. كيف تحقق هذه المعادلة؟
بالفعل أحرص على هذه العلاقة وأراها مهمة جداً وألا تقتصر على فترة المهرجان فقط، فالإنسانيات مهمة جداً، ومعهم دائماً نتبادل الرسائل والسؤال عنهم عبر الهاتف والزيارات فى المناسبات والمعايدات وهى أمور مؤثرة وتفرق معهم جداً، خاصة إذا كان أحد منهم فى ظرف مرض أو يمر بأزمة وهذا ليس الآن فقط.. فمنذ زمان كنت أزور الفنانين هند رستم وزبيدة ثروت وفؤاد المهندس وآخرين وكانوا يحبون الحديث معى، وواثقين فى السرية التامة والكتمان لكل ما يفضفضون به، فيفتحون قلوبهم ويتحدثون باطمئنان تام.
ومن خلال المركز والمهرجان نحرص بالطبع على تذكار المنسين الذين يألمهم جداً ابتعاد الناس عنهم ونسيانهم ويفرحون جداً بالسؤال عنهم ويشعرون بأننا معهم، وهذه الطريقة معهم نابعة من عقيدتى الشخصية بأهمية الفنان وقيمته الإنسانية حتى قبل قيمته الفنية.
بشكل عام كيف تقيم الحركة الفنية فى مصر على صعيد الدراما السينمائية والتليفزيونية؟
فى الآونة الأخيرة أرى أن الدراما التليفزيونية تفوقت على السينما فى تقديم رسالة جميلة وطرح قصص واقعية متنوعة، والسينما تحتاج إلى دفعة على المستوى الفنى، ومحتاجة لأفكار أكثر، ومعالجة لقضايا أكثر وتعاون بين الكتاب وبعض والمنتجين وبعض وعودة البطولات الجماعية.
نجحت الأعمال الوطنية فى السنوات الأخيرة فى أن تجمع الأسرة حولها باهتمام كبير.. كيف ترى هذا الأمر؟
بدون شك نرى صحوة كبيرة فى إنتاج المسلسلات الوطنية وهى تقدم الواقع الملموس الذى عشناه حتى يستقى منه الجميع العبر والدروس ويرى كيف كنا وكيف أصبحنا، وهى أعمال مهمة جداً خاصة «الاختيار» بأجزائه الثلاثة، وغيره من الأعمال التى تصحح العديد من المفاهيم والصور المغلوطة التى كانت واصلة للناس بشكل معكوس، وكان هناك ظلم للعديد من الناس بسبب انتشار معلومات خاطئة عنهم، وهو دور أساسى لهذه الأعمال أن توضح الصورة الصحيحة للأجيال الحالية والقادمة أيضاً، وعلى الأهل أن يعودوا أبناءهم على متابعة هذه الأعمال لأهميتها القصوى فى خلق مواطن صالح ينتمى بشكل قوى لهذا البلد العظيم.
اعتاد المركز الكاثوليكى للسينما منذ سنوات على تكريم الأعمال الدرامية الناجحة وكان التكريم هذا العام لصالح مسلسل اجزيرة غمامب.. لماذا وقع الاختيار عليه؟
لأنه يستحق عن جدارة، لكن كنا قد اخترنا أكثر من عمل بنية تكريمها تباعاً، ولكن لم نلحق ووجدنا أنه أفضلها على الإطلاق، فالكتابة مبهرة على مستوى النص للكاتب الكبير المبدع عبدالرحيم كمال، وكذلك الإخراج المتميز للمخرج حسين المنباوي.. فالقصة جميلة، وشعرت بأن بها العديد من الاقتباسات من وحى «الكتاب المقدس» والفنانون قاموا بأدوارهم بمنتهى التألق، فخرج العمل ممتعاً بشكل عجيب، وأوصل العديد من الرسائل حول صراع الخير والشر، وكيف تكون صورة رجل الدين السليمة بعيداً عن التعصب بل بمنتهى الرحمة والإنسانية، فهو عمل اكتملت فيه كل عناصر النجاح من موضوع مبهر وإخراج مميز وممثلين رائعين مع طرح لتعاليم وقيم أخلاقية سامية.
كيف يقوم المركز الكاثوليكى بشكل عام بدعم الفن والفنانين بعيداً عن المهرجان؟
هناك أكثر من دور يقوم به المركز، ليس فقط المهرجان فيعمل «يوم العطاء» والذى توقف بسبب فيروس «كورونا» الأعوام السابقة ولكنه سيعود هذا العام بإذن الله، وفيه تكريم العديد من رموز العطاء فى عدة مجالات، كما نشارك فى إفطار رمضان و«مائدة المحبة» مع كل فئات المجتمع ونزور المرضى والمصابين بصحبة نجوم الفن، وهو عمل يفرق مع الطرفين.. فيسعد المرضى ويسعد الفنانون أيضاً ويرفع من الروح المعنوية للجميع، كما نحرص على حضور مسرحيات لتشجيع المواهب الجديدة وأذهب مصطحباً معى رهباناً وراهبات لمشاهدة العروض، وكل هذا يعطى رسائل للفنانين تسعدهم وتسعدنا نحن أيضاً جداً.. فنحن نعمل على توصيل رسالة أننا بجانب كوننا رجال دين.. لكننا نقدر الفن والفنانين ودورهم ورسالتهم الدرامية، وأنا حين أتحدث عن الفن فأنا أتحدث عن الفن الهادف طبعاً، وأتذكر مثلاً مؤخراً ترتيب لقاء جمعنى بقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والفنانة اللبنانية ماجدة الرومى التى تعشق مصر، وكذلك ذهبت مع الفنانين آسر ياسين ونيللى كريم إلى أسيوط فى مسابقة أُقيمت هناك بين الأولاد فى مختلف المجالات من رسم وقراءة وتمثيل وغناء، والنجوم انبهروا جداً بمستوى الأولاد ومواهبهم.
قدمتم هذا العام كالمعتاد حفلتى الكريسماس لكورال اسان جوزيفب.. إحداهما بالقاهرة والأخرى بالإسكندرية.. حدثنا عن كواليس الاستعداد وأجواء هذه الحفلات؟
الكورال يضم 45 مرنماً من جميع الأعمار، بدءاً من سن الرابعة إلى أكبر الأعمار، وبه أطباء ومهندسون وطلبة ومن كل المهن، وكذلك يقدم عبر أكثر من لغة، منها العربية واللاتينية والإنجليزية والفرنسية وغيرها، يقدمون ترانيم الميلاد بقيادتى والمايسترو ماجدولين ميشيل، ويحضره جميع فئات الشعب المصرى فى شكل جميل للمشاركة.. ونستعد له من خلال بروفات بدأت من شهر سبتمبر الماضى، وقدمنا هذا العام ٢٤ ترنيمة من بينها عشرة تقدم لأول مرة فى رسالة جميلة وأجواء موسيقية راقية تفرح الناس كلها، فالموسيقى تقدم قوة عجيبة لما تحمله من جمال وعذوبة مع كلمات السلام والمحبة.
وقد حضره هذا العام نخبة من الشخصيات العامة والفنانين منهم نهال عنبر، عزة لبيب، ضياء عبد الخالق، ميرنا وليد، محمود فارس، المخرجة ساندرا نشأت، مدير التصوير كمال عبد العزيز، السيناريست مجدى صابر والمخرج رضا شوقى، وكذلك الإعلامية لميس سلامة والناقدة ناهد صلاح، ومصمم الأزياء هانى البحيرى وآخرون.
كيف ترى حضور فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى للكاتدرائية ليلة عيد الميلاد للمشاركة فى الاحتفال بهذه المناسبة فى سابقة لم تشهدها مصر؟
هى لفتة كريمة من سيادته، تحدث لأول مرة من رئيس الجمهورية أن يدخل لحضور القداس وأن يحتفل مع أبنائه ويشاركهم الفرحة وهم يبادلونه بدورهم الفرحة بشدة، ولقد شرفت بحضور أحد هذه القداسات ذات مرة وقلت لفخامته: «ربنا يبارك سيادتك»، وكلنا نفخر وتسعدنا جداً الكلمات التى يلقيها الرئيس فى هذه المناسبة فى حب مصر، ومن أجل مصر.. والحقيقة أننا نحيا فى ظل فخامته فى محبة وسلام، ونعتبرها فترة ثرية جداً من عمر الوطن، وهى لفتة رائعة من رئيس يرغب فى أن يشعر الجميع بأنهم أخوة فى أسرة واحدة أو عائلة واحدة دون تمييز لأحد على أحد.
وماذا عن مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما هذا العام؟
نقيم بإذن الله فعاليات الدورة 71 لمهرجان المركز الكاثوليكى المصرى للسينما فى نهاية شهر فبراير، أو أوائل شهر مارس على أكثر تقدير، حيث نقوم حالياً بتجديدات فى قاعه النيل التى تقام فيها فعاليات المهرجان، وقد بدأنا فى اختيار المكرمين والأفلام وأيضاً الأسماء التى ستحصل على جوائز الريادة السينمائية والإبداع الفنى و«جائزة الأب يوسف مظلوم» وجوائز فى مجال الدراما وغيرها من الجوائز، حيث كل عام يتم اختيار أسماء من المنسيين، وسنختار هذا العام اسماً من أحدهم سيكون مفاجأة للجميع، حيث إنه لم يكرم من قبل أبداً، فيكون تكريمه من المركز الكاثوليكى هو الأول بالنسبة له.
بماذا يحلم الأب بطرس دانيال فى العام الجديد على المستويين العام والشخصى؟
أحلم بأن تنتهى الحروب من العالم وأتمنى أن يحل السلام والرخاء فى 2030، وعلى المستوى الشخصى أتمنى أن أعمل أكثر وأكثر، وأخدم الناس أكثر وأفرح الناس أكثر من خلال الإمكانيات التى أعطانى الرب إياها