قدمت السينما المصرية على مدار تاريخها العديد من الأفلام الرومانسية، التى علقت فى أذهان المشاهدين بمختلف أعمارهم، وفئاتهم، حيث تحتل تلك النوعية من الأفلام مكانة خاصة فى قلوب عشاق السينما، الذين ينتظرون من صناع الأفلام حبكة رومانسية مليئة بلحظات الفرح والدموع، والفراق، والعاطفة، التى تدفعهم فى النهاية إلى التوحد مع الأبطال، والتفاعل معهم، وعلى الرغم من إقبال الجمهور عليها وتحقيقها أعلى الايرادات، إلا أن هناك ندرة فى إنتاجها، وتحديداً مع الألفية الجديدة، التى طغت عليها أنواع درامية أخرى مثل الأكشن والكوميدى والخيال العلمى.
«الكواكب» رصدت أبرز هذه الأفلام، وطرحت على المتخصصين السؤال حول ندرة هذه النوعية من الأفلام رغم نجاحها.. فماذا قالوا؟
ولكن قبل التعرف على هذه الآراء نرصد على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من أهم وأنجح الأفلام الرومانسية التى قدمتها السينما المصرية خلال العقدين الأخيرين ومنها «السلم والثعبان»، «رحلة حب»، «سهر الليالى»، «أنت عمرى»، «عن العشق والهوى»، «عمر وسلمى»، «تيمور وشفيقة»، «نور عينى»، «أهواك»، «هيبتا».. فيما تأتى أحدث التجارب من خلال فيلمى «قصة حب» و«توأم روحي» من تأليف أمانى التونسى، وإخراج عثمان أبو لبن، فالأول تدور أحداثه حول المهندس يوسف، الذى يحاول شقيقه دفعه للزواج، وأثناء ذلك يقع حادث لـيوسف يفقده بصره، وبالصدفة فى أحد الأيام يصطدم بالفتاة «جميلة»، التى تهتم به وترعاه فيما بعد، وتتعلق بحبه، لكن يبدو أنهما سيتعرضان لاختبار صعب، عندما يصبح على كل منهما أن يثبت حبه للآخر.
أما الثانى فهو «توأم روحى»، ودارت أحداثه فى إطار رومانسى حول الصدف والأقدار من خلال قصة حب قوية بين حسن الرداد وأمينة خليل، التى تتعرض للوفاة مع بداية زواجهما، ويبدأ الزوج فى البحث عنها مجدداً من خلال رحلة علاج نفسي.
عوامل إنتاجية
وقالت الكاتبة والسيناريست أمانى التونسى مؤلفة فيلمى «توأم روحي» و«قصة حب»: إن الإنتاج هو العامل الرئيسى فى خروج مثل هذه النوعية من الأفلام، خاصة مع توافر القصص الرائعة، ولكن خوف المنتج وقلقه من خوض التجربة يجعلها تختفى أحياناً، مشددة على أن الفيلمين استطاعا خلق حالة خاصة مع الجمهور من جميع الفئات والأعمار، وقد يشجع آخرين على تقديم النوع الرومانسى الاجتماعى بعد النجاح الذى حصده فيلم «توأم روحي» بشهادة الجميع.
وأضافت التونسى: قد يمتلك المؤلف مشروعاً جيداً لفيلم خيال علمى على سبيل المثال ويأتى المنتج ويقول له تكلفة الفيلم عالية بسبب مشاهد الجرافيك، والتى إذا لم تنفذ بحرفية عالية سيتحول الفيلم إلى كوميديا ويفشل فشلاً ذريعاً، وهنا يكون قد خسر المؤلف مشروعه وخسر المنتج أمواله إذا تم تقديم التجربة بشكل غير محترف.
وتعدد التونسى عوامل نجاح الفيلم الرومانسى فى وقتنا الحالى ومنها جودة الورق، وتماسك القصة، واختلاف الحوار، والواقعية بعيداً عن الرومانسية المبالغ فيها، الموجودة فى بعض المسلسلات تحديداً، والتى لا يشعر فيها المتلقى بالواقعية، مستطردة بحديثها: كلما كانت الفكرة والموضوع واقعياً، سيصبح أكثر نجاحاً، لأن الإنسان إذا شاهد نفسه داخل الفيلم، سيصدق، ولكن إذا دخل الفيلم ووجد نفسه يطير مثلاً فمستحيل أن يقتنع، فالواقعية هنا هى كلمة السر، على أن يكون الكاتب نفسه مختلفاً، ومميزاً، يستطيع نقل إحساسه ومشاعره وكلامه على الورق، لأنها تأخذ من روحه، وقلبه، أما إذا كان شخصاً عادياً، فلن يستطيع التعبير عن الحالة المطلوبة على الشاشة.
تركيبة متكاملة
ويتفق مع الرأى السابق المخرج عثمان أبولبن، الذى سبق أن خاض العديد من التجارب من خلال هذه النوعية من الأفلام، قائلاً: هذا هو الوقت الذى يحتاج فيه الناس إلى الرومانسية وسط الزحمة الحياتية، الجميع فى حاجة إلى شىء جديد يحرك المشاعر فى مكان آخر بعيداً عن الخوف والحزن، والقلق، وفترة كورونا، والإيقاع السريع لحياتنا.. هكذا يفسر سر إقبال الجمهور على الأفلام الرومانسية خلال الآونة الأخيرة.
واعترف أبو لبن بأن هذه النوعية تغيب قليلاً عن السينما، بسبب الإنتاج، والمتفرج بطبيعة الحال إذا وجد الفيلم الجيد أياً كان نوعه سيهتم بالذهاب إليه، مستطرداً فى حديثه: المسألة كلها تكمن فى الإنتاج والكتابة والإخراج، فكلها عناصر ضرورية، ففى البداية تحمست شركة إنتاج لفيلم «قصة حب» بعد فترة طويلة غاب فيها هذا النوع عن السوق السينمائى فقدمنا الفيلم بأحمد حاتم وهنا الزاهد، وبعد نجاحه بشكل كبير، تحمس منتج الفيلم لإنتاج «توأم روحي» وهكذا، بالإضافة إلى عنصر الكتابة والقصة الجيدة، ووجود سيناريست يستطيع تقديم هذا النوع، وفى النهاية مخرج يمتلك رؤية ليقدم هذه المشاعر على الشاشة بشكل جيد لأنها أمر صعب، فهى تركيبة متكاملة.
وختم أبو لبن حديثه قائلاً: الفترة المقبلة سنشهد المزيد من الأفلام الرومانسية، وهناك مشروعات جديدة بالفعل سيتم طرحها قريباً، وفى النهاية أنا كمخرج أؤمن بالحب للغاية، والفيلم بالنسبة لى فى النهاية قصة أو حدوتة جميلة أريد ان أحكيها للجمهور وأجعلهم يشاهدون هذه القصص، والجمهور دائماً فى حاجة لمشاهدة أشياء جديدة.
اختلاف الزمن
ويرى المؤلف وليد يوسف أن الواقع نفسه وتركيبة الزمن اختفلت تماماً، والرومانسية لم تعد موجودة مثلما فى السابق، فقديماً كان الشخص يذهب لحبيبته، ومع مرور الوقت ظهر التليفون، ورسائل الهاتف، ومواقع التواصل، والفيديو كول، وغيرها من الوسائل التكنولوجية التى قتلت المشاعر الرقيقة، مشيراً إلى أن طبيعة الحياة وضغوطها الاقتصادية جعلت الشباب يرفع شعار «لا وقت للحب»، فالجميع انشغل فى عمل أو اثنين ليستطيع جلب هدية لمحبوبته فى الفلانتين، وبالتالى أصبح الحب من الكماليات.
وأضاف يوسف أن تقديم فيلم رومانسى بالمعنى العذرى بات مستحيلاً، وتقديم أى عمل من هذا النوع يتعامل معه الجميع بحذر شديد، لأن فكرة إيجاد فيلم رومانسى اجتماعى بشكل جديد وواقعى أصبحت صعبة، والأكشن والكوميدى دائماً يكسب أمام أى نوع آخر، وبالتالى فالمنتجون يستسهلون، ويفضل الجميع اللعب على المضمون، بعيداً عن المخاطرة.
وختم يوسف حديثه قائلاً: قدمت 3 أفلام رومانسية هى (ليه خلتنى أحبك)، و(يوم من الأيام)، و(أهواك)، وكلها حملت أسماء أغانٍ رومانسية لعبد الحليم حافظ، وليلى مراد، وهو أمر جاء بالصدفة البحتة التى اكتشفتها مؤخراً، وفى النهاية كل زمن له لغته ومفرادته، ولكن فى نفس الوقت الجمهور لديه عطش لهذه النوعية، وبالتالى يقبل عليها فى السينما ليعيش هذه الحالة، وهو ماظهر جلياً فى آخر فيلمين وهما (توأم روحي)، و(قصة حب) للثنائى أمانى التونسى وعثمان أبو لبن، وهو دويتو أثبت نجاحه، وأتمنى استمراره فى أعمال مشابهة.
جمهور دائم
وأكد المخرج عبد العزيز حشاد أن الدراما الرومانسية فى المسلسلات أوالسينما لها جمهورها فى كل الأوقات، مشيراً إلى أننا شعب يحب فكرة المشاعر والأحاسيس، وتشابك العلاقات العاطفية، والتفاعل معها، ومع أبطالها، والتحديات التى تواجه البطل أو البطلة من أجل انتصار قصة حبهما فى النهاية.
شباك التذاكر
وقال الناقد الفنى طارق الشناوى: إن صناع الأفلام يتحركون إنتاجياً وفقاً لشباك التذاكر فى المقام الأول، ولا يوجد مخرج مغامر من أجل الذهاب إلى منطقة يمكن أو يعتقد أنه لا أحد سبقه إليها، موضحاً أن هذا الأمر ظهر جلياً فى اقتصار الأنواع الدرامية المقدمة على نوعين أو ثلاثة فقط مثل الكوميدى والأكشن، أو الخيال أو الرعب، خلال العقد الأخير.
وأضاف الشناوى: أنه حتى مع قرار المخرجين أو المنتجين بخوض مغامرة وتقديم عمل رومانسى اجتماعى، على سبيل المثال يكون دائماً بميزانيات محدودة، وهامش المغامرة بها قليل، لأن المنتج لن يغامر بعمل فيلم ضخم إنتاجياً، أو بنجوم من الصف الأول طالما ارتضى بالخروج من القالب الشائع أو السائد حالياً، ضارباً المثل بالكوميديا والتى ارتبطت بجيل الكوميديانات الجدد مطلع التسعينيات وبداية الألفية، فكان هو السمة الغالبة، لأنها استطاعت تحقيق إيرادات ضخمة.
وتابع الشناوى قائلاً: المنتج المغامر اختفى، وهو الذى يرغب فى البعد قليلاً عن الشائع فى السوق أو المألوف، وعادة المنتج يستعين بالنجوم بما يحقق الرواج فقط له، والفيلم كسلعة، ولكن أن يحاول هو من نفسه قيادة التغيير فى الصناعة، وتحقيق التنوع فغير موجود إلا فى حالات نادرة فقط مع الأسف، وفى النهاية قصص الحب موجودة، ولكن اختلفت طريقة تناولها، وكل زمن فى النهاية يطرح ملامحه.
جزء رئيسى
قال الناقد الفنى محمود قاسم إنه لا توجد ندرة أو غياب للفيلم الرومانسى الاجتماعى فى السينما، لأن الرومانسية والحب والمشاعر الإنسانية موجودة كجزء رئيسى ومهم فى 90 ٪ من الأعمال التى قدمتها السينما، مشيراً إلى أن أى قصة درامية يجب أن تحتوى على قصة حب، أو صراع من أجل الحبيبة، ويكون قائماً على التباين بين الطرفين، الرجل والمرأة، وتنشأ الحدوتة من هذا المنطلق، فنجد أحدهما غنياً والآخر فقيراً، أو فرق العمر بينهما يكون كبيراً، وهكذا، ولكن يظل الرباط الاجتماعى متواجداً فى هذه القصص.
وأضاف قاسم: هذه النوعية من الأفلام تتطلب عاملين رئيسيين لخروجها إلى النور، الأول هو الكتابة وهو أن يكون المؤلف لديه القدرة على كتابة الفيلم الرومانسى الذى يتضمن قصة حب بمعايير هذا الوقت، والثانى هو وجود النجم أو النجمة القادرة على جذب الجمهور إليها، ليشترى المشاهد تذكرة السينما ويذهب لمشاهدة الفيلم، موضحاً أن الفترة الأخيرة شهدت وجود أكثر من فيلم رومانسى ناجح.