20-1-2023 | 11:25
خالد فؤاد
شهدت السينما المصرية منذ نشأتها قبل 125 عاما ظهور مئات الشركات التي اشتهرت بإنتاج أشهر وأجمل الأفلام التى تعتبر كلاسيكيات السينما المصرية، ولاتزال تعيش في قلوبنا ونستمتع بمشاهدتها حتي اليوم، ففى بداية السينما فى مصر لم يكن هناك انتاج بالمعنى المعروف خاصة فى مرحلة ما قبل السينما الصامتة ولكن سرعان ما عرفت مصر الإنتاج وسيطرت عليه، وخاصة الـ25 سنة الاولى وتحديدا من منتصف العشرينيات حتى نهاية الأربعينيات كما نتعرف على هذا فى رحلتنا التالية.
إفلاس وخلافه
يحسب لهذه الحقبة أي بدايات الإنتاج السينمائي في حقبتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي إنها تعد النقطة الهامة والأساسية التي انطلقت منها السينما المصرية لترفرف عالياً في سماء الفن السابع على مستوى العالم أجمع، فقد وضعت لها قدماً راسخة و احتلت مصر مكانة عالية وكان الدخل الذى يحققه الإنتاج يعد ثاني أهم دخل في الاقتصاد بعد القطن، ومن ثم سيظل التاريخ يذكر ويتذكر صناع السينما في هذه الحقبة الهامة والعظيمة بغض النظر عن جنسيتهم.
أفلام بهنا
من أبرز هذه الشركات في بدايات ظهور السينما شركة أفلام بهنا ومؤسسيها هما ميشيل وجورج بهنا، وهما شقيقان من حلب وكانت واحدة من أكبر الشركات في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين قامت بإنتاج عدد من الاعمال المتميزة منها فيلم «أنشودة الفؤاد» في عام 1932 «وهو ثاني فيلم مصرى ناطق بعد فيلم «أولاد الذوات» وانتجا أيضا فيلم «مشمش أفندي»، وهو أول فيلم رسوم متحركة وتم إنتاجه عام 1936، وبعد نجاحهما فى الانتاج اتسع نشاط الشركة للتوزيع حيث أصبحا الموزعين الرئيسيين للفيلم المصري في العالم العربي، وامتلكا مقاراً في الإسكندرية والقاهرة وبغداد والخرطوم وبيروت ودمشق.
كان العصر الذهبي للشركة في أربعينيات القرن الماضي حتي قيام الحرب العالمية الثانية، حيث تغيرت الأوضاع وتدهورت حال الشركة في أعقاب الحرب وفي عام 1961 تأممت الشركة التي كانت على شفا الإفلاس.
شركة رمسيس
من أهم وأقوى الشركات المصرية الخالصة في بدايات السينما شركة «رمسيس للإنتاج السينمائي» التي ظهرت علي الساحة عام 1923، وأسسها يوسف بك وهبي مع الرائد الكبير عزيز عيد ومختار عثمان والمخرج السينمائي محمد كريم، فدخل يوسف وهبي التاريخ من أوسع أبوابه بالشركة حينما سجل سبقا سينمائيا باسمه وهو فيلم «أولاد الذوات» الذى يعد أول فيلم سينمائى ناطق وتم عرضه جماهيريا في منتصف مارس عام ١٩٣٢
إدموند ونحاس
نجح يوسف وهبي بهذا الفيلم من خطف السبق من الرائد الكبير جورج أبيض الذى تعاقد في نفس التوقيت مع إدموند وجبريل نحاس على تمثيل فيلم «أنشودة الفؤاد» مع المطرية نادرة أمين ليكون أول فيلم ناطق.
إلا أن يوسف بك وهبي سابق الزمن وسخر كل الظروف ووفر كل الأموال لسرعة الانتهاء من إنتاج الفيلم، ليكون له السبق بظهور فيلمه « أولاد الذوات» محققا إيرادات كبيرة وتوالت أفلام شركة رمسيس حتي بدأت تواجه عثرات مالية فقام يوسف وهبي بإغلاقها وواصل مشواره كممثل فقط بعيدا عن الإنتاج مكتفيا بالعمل مع الشركات الأخرى.
توجو مزراحي
شهدت مصر في النصف الثاني من القرن الـ ١٩ حتي خمسينيات القرن العشرين حياة مشتركة بين اليهود والأرمن والإيطاليون واليونانيون وغيرهم، وأوجدت تلك التعددية حالة من الاندماج الفكرى والتعايش الثقافى فظهر المخرج اليهودي الإيطالي الأصل توجو مزراحي الذي يعد أحد أعمدة صناعة السينما في مصر ومكتشف المواهب الفنية التي أصبحت رموزاً كبيرة للفن السابع حتى وقتنا هذا، ويعد فيلم «الهاوية» أول فيلم روائي طويل «صامت» من إخراج وإنتاج استوديو توجو وعرض لأول مرة في دور العرض السينمائية في الإسكندرية في 25 نوفمبر عام 1930، في عام 1932، أنتج توجو فيلمه الثاني «خمسة آلاف وواحد» وقام ببطولته الممثل اليهودى «شالوم» وحقق نجاحاً كبيراً وقويا للشخصية اليهودية في السينما المصرية، مما دفع توجو مزراحي لإخراج عدة أفلام بنفس الشكل تعتمد على الشخصية اليهودية ، ومن بينها «شالوم الترجمان» وفيلم «العز بهدلة» وفيلم «الرياضى» عام .1937
أفلام علي الكسار
وواصل مزراحي سلسلة نجاحاته من خلال تعاونه مع الممثل الكوميدي «علي الكسار»، حيث أخرج له تسعة أفلام تتصف بحس الفكاهة وهما «ميت ألف جنيه» و»غفير الدرك» عام 1936، و«الساعة سبعة» عام 1937، وفيلم «التيليغراف» عام 1938، و»عثمان وعلي» عام 1939، و«ألف ليلة وليلة» عام 1941، و«علي بابا والأربعين حرامي» عام 1942، و«نور الدين والبحارة الثلاثة» عام 1944، وقد استلهمت آخر ثلاثة أفلام من التراث العربى ولكن بنكهة مصرية، إذ أضاف إليها علي الكسار حس الكوميديا الساخر معتمداً على شخصية سيئة الحظ، وتزامن هذا مع تحقيق فرقة علي الكسار المسرحية لنجاحات كبيرة وبمرور الوقت تراجعت اسهم الفرقة مع ظهور فرق أخرى وعدم قيام الكسار بتطوير نفسه لمواكبة العصر فتعرضت الفرقة للإفلاس واضطر الكسار لإغلاقها .
الفنتازيو
فى عام 1939 أى مع بداية الحرب العالمية الثانية انتقل «مزراحي» إلى القاهرة واشترى استوديو «وهبى» فى شارع حسني بميدان الجيزة خلف سينما «الفنتازيو»، واسماه ستوديو «الجيزة» مع الاحتفاظ بستوديو توجو فى الإسكندرية كما أسس «شركة الأفلام المصرية» واتخذ علم مصر شعارًا لها ، واكتشف الفنانة «ليلى مراد» وقدمها للجمهور في فيلم «ليلة ممطرة» وأخرج لها أربعة أفلام أخرى، هي «ليلى بنت الريف» و«ليلى بنت المدارس» عام 1941، و«ليلى» عام 1942 و«ليلى في الظلام» عام 1944و فى العام التالي أخرج وأنتج مزراحي فيلم «سلامة» لسيدة الغناء العربي «أم كلثوم» أول فيلم تاريخي في تاريخ السينما العربية، وعرض يوم 9 أبريل 1945 في سينما ستوديو مصر.
طلعت حرب والسينما
من الشركات الكبرى التي كان لها تواجد قوى فى عشرينات القرن الماضي شركة مصر للتمثيل والسينما التي ظهرت عام 1925، بعد أن كانت تتبع شركة مصر للإعلانات كإحدى شركات بنك مصر، الذي أسسه طلعت حرب باشا.
وكان الازدهار الاقتصادي للسينما بظهور كيانات اقتصادية كبرى تمثلت في نظام الاستوديو مع قيام استوديو مصر عام 1934 الذي أنشأه طلعت حرب ولعب دورا كبيرا في صناعة السينما ، مع مجموعة شركات إنتاجية أخرى مثل شركات عزيزة أمير ومحمود ذوالفقار، وشركة آسيا داغر، وشركة ماري كويني وزوجها المخرج أحمد جلال وغيرهم.
المصرية للسينما
ظلت هذه الشركات مهيمنة ومسيطرة حتي قيام ثورة ١٩٥٢ حيث تأسس القطاع العام السينمائي في مصر عام 1963، وتكون من عدة شركات كل يكمل الآخر، مثل الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي العربي «فيلمنتاج» والشركة المصرية العامة للتوزيع والشركة المصرية العامة لدور العرض «كوبرا فيلم» وحدث تغير في شكل الموضوعات التي راحت الأفلام تناقشها، فتم الدخول بشكل قوى لمجتمع الريف والفئات المهمشة والفقراء وأصبح الفلاح والعامل أبطالاً أساسيين في أفلام هذه الفترة، فشاهدنا «الحرام» و«يوميات نائب في الأرياف» وعشرات الأفلام الأخرى.
كما تطرقت السينما لمناقشة قضايا حرية المرأة وعملها ومساواتها مع الرجل من خلال أفلام مثل «أنا حرة» و«الباب المفتوح» و«العيب»، فقد كانت غالبية الأفلام التي قدمت في هذه الفترة تركز على المقارنة بين أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قبل وبعد الثورة.
رمسيس نجيب
بعدها استمرت شركات الإنتاج الخاصة بحنكة وخبرة أصحابها المخضرمين مثل العملاق رمسيس نجيب حيث كانت شركته واحدة من أشهر وأهم الشركات فى خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضى وقدم عشرات الأفلام الهامة والكبيرة وكان هو مكتشف المواهب والنجوم فهو لم يهبط علي السينما أو الإنتاج ببراشوت كما حدث مع أخرين، بينما تدرج في المهنة وبدأ حياته السينمائية كمساعد مخرج ثم عمل مدير إنتاج لشركة عزيز أمير ومدير إنتاج استوديو نحاس وشركة الإنتاج العالمي وهو أول من قدم أفلاما عربية سكوب بالألوان، ومن أبرز الأفلام التي أنتجها «الوسادة الخالية» لعبد الحليم حافظ، و«زقاق المدق» للكاتب العالمي نجيب محفوظ، و«وا إسلاماه» وعشرات الأفلام الهامة وتوقفت شركته برحيله في نهاية السبعينيات من القرن الماضى.
جرجس فوزى
كان هناك كذلك شركة إنتاج جرجس فوزى التي قدمت مجموعة من أشهر وأهم الإنتاج في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، وأيضا تدرج مؤسسها جرجس فوزى في العمل السينمائى حيث بدأ «مساعد ريجيسير» عام 1954 في فيلم «دلوني يا ناس» ، ثم أصبح ريجيسيرا في عام 1957 بفيلم «الفتوة» إخراج صلاح أبوسيف، ثم مديرا للإنتاج بداية من عام 1961 مع فيلم «الليالي الدافئة» لسنوات طويلة ثم منتجا منفذا قبل أن ينطلق للعمل منتجا بداية من عام 1979، بفيلم «ولا يزال التحقيق مستمرا» من إخراج أشرف فهمي، وأعقبه بالعديد من الأفلام ذات الإنتاج السخي مثل «قهوة المواردي» و «الشيطان يعظ» و«أرجوك أعطني هذا الدواء» و «المجهول» و«التوت والنبوت» و«عصر الحب» و«قفص الحريم» ورحل بعد مشوار سينمائي حافل واستمر ابناءه هاني جرجس وأسامة فوزي علي الساحة إلا أن الشركة واجهت عثرات وأزمات مادية فتوقف الإنتاج بها.
أفلام ماجدة الصباحي
تماما كما حدث مع شركة إنتاج ماجدة الصباحي التي قدمت مجموعة من أهم الأفلام التي حملت قيمه كبيرة مثل «جميلة بوحريد والعمر لحظة» وغيرها وواجهت الفنانة الكبيرة الراحلة بسبب إصرارها علي تقديم أفلام مهمه ذات تكاليف إنتاجية كبيرة أزمات مالية كبيرة مما اضطرها لإغلاقها قبل سنوات طويلة من رحيلها عن عالمنا.