18-2-2023 | 14:49
خالد فؤاد
رغم رحيله عن عالمنا منذ عقود طويلة إلا أنه لايزال بل وسيظل لعقود طويلة قادمة باقيا فى قلوب كل عشاق الفن بوجه عام وعشاق المسرح “ أبوالفنون” بصفة خاصة .
وكيف لا يحدث هذا وهو وكما تم تلقيبه من قبل كبار النقاد والمتابعين عبر العصور ب” أبو المسرح المصرى والعربى”، فقد اتفقوا جميعا على أنه المؤسس الحقيقى للمسرح العربى فى شكله الحقيقى بعيدا عن الاجتهادات والهزليات الأولى، ومن ثم ووفقا لهذا التعريف الذى لم يختلف عليه اثنان فهو بالفعل الأستاذ الأول لأبوالفنون فى عالمنا العربى.
إنه الفنان الكبير الراحل جورج أبيض الذى نحتفل هذه الأيام بالذكرى 64 لرحيله عن عالمنا يوم 12 فبراير عام 1959 .
رغم مرور كل هذه العقود والتى تجاوزت الستة عقود على رحيله عن عالمنا لايزال باقيا بيننا فيتذكره الجميع جيلا بعد جيل بفضل الإسهامات الكبيرة والعظيمة التى قدمها فى وضع اللبنات الأولى للفن العربى.
المولد والنشأة
وُلد فناننا الكبير الراحل فى مسقط رأسه لبنان يوم 5 مايو عام 1880 واسمه بالكامل جورج إلياس أبيض وحضر لمصر وهو فى مقتبل سن الشباب حيث لم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره حينما وطأت قدماه أرض المحروسة.
والتحق عبر وصوله بمعهد الفنون المسرحية ويعود له الفضل فى تقديم أول فيلم غنائى مصرى.
وقام بتكوين فرقته العظيمة وهو فى سن صغيرة جدا وعمل على رأس فرقته حتى سنة 1932 .
واعترافا من كل فنانى النصف الأول من القرن الماضى بالدور العظيم الذى قدمه تم اختياره ليكون أول نقيب للممثلين عام 1942 على الرغم من أنه لم يكن من أصول مصرية بينما ماقدمه للفن المصرى والعربى كان عظيما للغاية.
فقد اتفق كل المؤرخين على أنه صاحب النقلة الأكبر والأهم للمسرح المصرى والعربى فى القرن العشرين .
وأطلق عليه أساتذة الصحافة الفنية وفى مقدمتهم الكتاب الأوائل بمجلة الكواكب العريقة “شيخ ممثلى المسرح المصرى” .
فيعود له- أى لجورج أبيض هذا العملاق الكبير- الفضل فى تعريب عدد كبير من العروض الفرنسية للعربية والتى وصل عددها لنحو 130 عرضا مسرحيا دفعة واحدة.
إنشاء الفرقة القومية
وهو مادفع الحكومة المصرية فى هذا التوقيت بتفويضه بإنشاء الفرقة القومية المصرية وحقق من خلالها نجاحا ضخما وكبيرا حيث اكتشف عددا ضخما من الفنانين فيها وشارك بنفسه فى بطولة الكثير منها مع زوجته الفنانة والرائدة الكبيرة دولت أبيض .
وللدور الكبير الذى قام به تم منحه رتبة البكوية لجهوده في النهوض بالمسرح .
وتم تعيينه ايضا أستاذا للأداء التمثيلى فى معهد الفنون المسرحية وظل يعمل به حتى وفاته حيث اعترف الجميع بفضله فى النهضة المسرحية التى شهدتها مصر فى النصف الأول من هذا القرن ،فتُعَرف الريادة المسرحية بتعريفه.
حكاية الفرقة الإيطالية
والسؤال الآن ٠٠ كيف بدأت رحلة هذا الفنان الكبير مع الفن وماهى الأسباب الحقيقية التى دفعته لعشقه بهذا الشكل الذى وصل لدرجة الجنون؟!
بدأت القصة عام 1902 أى بعد أربعة أعوام من وصوله لمصر وكان يعمل جورج أبيض فى هذا التوقيت بوظيفة ناظر محطة السكة الحديد بسيدى جابر وهى الوظيفة التى التحق بها بعد وصوله لمصر ليستطيع الإنفاق على نفسه ؛ فقد كانت لديه موهبة التمثيل ويعشق الفن منذ طفولته ولكنه لم يجد المجال بعد وصوله لعرض موهبته .
وفى هذا العام 1902 وكان عمره 22 عاما حضرت للإسكندرية فرقة مسرحية إيطالية تضم الممثل الإيطالى المشهور أيرمتى نوفيللى وقدمت عرضا مسرحيا بمسرح زيزينيا وعرضا آخر فى أوبرا القاهرة عبارة عن روايات من روائع المسرح العالمى.
فرق هواة ولكن ...
وشاهد جورج أبيض عروض الفرقة وانبهر بها وراح يدرس حركات أيرمتى نوفيللى فى التمثيل واكتشف أن لديه موهبة لا تقل عن موهبة هذا الممثل العظيم وقال لنفسه إن مستقبله على خشبة المسرح وليس على رصيف محطة سيدى جابر .
وعلى الفور قرر تكوين فرقة من خريجى مدرسة الفرير بالمنشية وجميعهم كانوا من الشباب الموهوبين ممن يبحثون عن فرصة لتقديم أنفسهم للجمهور، وراح مع الفرقة يقدم عروض للروايات الفرنسية.
وبعد نجاح التجربة قام بتكوين فرقه من الهواة المثقفين فكان من بينهم الطبيب والمهندس والمحامى بل وزوجاتهم مما كانوا يساعدونهم فى تقديم الأدوار النسائية .
وبدأوا يقدمون عروضهم الجميلة بشغف وسعادة وحماس وحققوا انتشارا ونجاحا جيدا.
رسائل للخديو
وفوجئ الجميع بجورج أبيض يقوم بكتابة مذكرة للخديو عباس حلمى الثانى يخبره فيها أن المسرح المصرى فى حاجة للنهوض بما يليق بمكانة مصر .
وقال فى مذكرته إنه مستعد للقيام بهذه النهضة إذا وافق الخديو على إرساله فى بعثة إلى فرنسا للدراسة وبالطبع لم يجِبه الخديو أو يلتفت لرسالته.
ورغم هذا لم يصب جورج أبيض باليأس لكون روح الفنان المسيطرة عليه كما قال بنفسه كانت تتأجج بداخله فأرسل إليه مذكرة ثانية وثالثة يدعوه فيها لمشاهدة عرض مسرحى لفرقته.
والمفاجأة التى لم يتوقعها أحد استجابة الخديو له أخيرا حيث حضر عرضا لرواية اسمها “لاتور دى تل” على مسرح زيزينيا يوم 29 يوليو 1904 وبعد العرض دعاه إلى مقصورته وقال له أستعد للسفر لفرنسا على نفقتى.
دراسة أكاديمية
وبالفعل سافر جورج أبيض فى شهر أغسطس عام 1904 وتتلمذ على يد مسيو “سيلفان” الذى كان يعد واحدا من كبار المسرحيين فى باريس.
وظل جورج أبيض يدرس هناك لمدة ستة سنوات كاملة بشكل أكاديمى حتى عاد لمصر عام 1910 .
وقام برهن البيت الوحيد الذى كان يملكه فى بيروت وأحضر مجموعة ممثلين فرنسيين وراح يقدم عروضه الكبيرة والهامة التى كانت نتاج دراسته بالخارج فى أوبرا القاهرة وحقق نجاحا كبيرا فاق توقعاته الخاصة .
فنانون وعمالقة كبار
ولفت نظر الكثير كان فى مقدمتهم سعد باشا زغلول الذى طلب منه التمثيل باللغة العربية فكانت أول فرقة مسرحية تقدم روايات بالعربية الفصحى.
وضمت الفرقة مجموعة من الفنانين الشباب ممن أصبحوا عمالقة واساتذة كبارا فيما بعد مثل:” نجيب الريحانى ودولت أبيض وبشارة واكيم”.. وغيرهم، وانضمت إليه فى مرحلة تالية فرقة الشيخ سلامة حجازى التى كانت ملء السمع والبصر فى هذا التوقيت .
حب وزواج
وفى هذه الأثناء تزوج جورج أبيض من الممثلة الشابة دولت أبيض فى عام 1923 بعد قصة حب .
وأنجبت له بنتا أسماها سعاد وولدا أسماه جورج أبيض الصغير لكنه لم يعش سوى ثلاثة أيام فقط.
واستمرت فرقة جورج أبيض لمدة 22 سنة كاملة قدمت خلالها العديد والعديد من الأعمال المسرحية الكبيرة والهامة وتم من خلالها اكتشاف مئات الممثلين ممن أصبحوا من أصحاب الأسماء الكبرى والهامة فيما بعد .
رحمة الله على هذا الرائد الكبير هو وكل الأساتذة الكبار ممن يعود لهم الفضل فى تأسيس الحركة الفنية فى مصر والعالم العربى وأمتعونا عقودا طويلة من الزمان بما قدموه من أعمال هامة وخالدة .