الإثنين 29 ابريل 2024

أغانى الهجر ووجع النسيان.. لماذا هى الأقرب للوجدان؟

فوزى ابراهيم وهاني شاكر واحمد السماحي

9-3-2023 | 14:34

همسه هلال
الغناء.. هذا الفن الجميل.. إحدى أهم وسائل التعبير عن المشاعر بدءًا من كتابة الأشعار لتلحينها وصولاً إلينا عبر أصوات مطربينا المحبوبين؛ ولأنه شعر ولأنها مشاعر.. فقد تناولت الأغانى منذ فجر التاريخ كل شاردة وواردة يمكنها أن تلم بروح ووجدان الإنسان، معبرة عن جميع حالاته ما بين الفرح الشديد والحزن الشديد أيضاً، ولعل موضوعات الهجر والحرمان والفقد والخيانة والانفصال احتلت مرتبة عليا وسط الأغانى على مر الزمن.. فمن منا لم يبكِ يومًا وهو يستمع لأغنية ما لمست مشاعره وكأنها تحاكيه وتحكى حالته تماماً.. عن ذلك الأثر الكبير لهذا النوع من الغناء نتحدث فى هذا التحقيق، متسائلين.. لماذا يفضل الشعراء هذه النوعية من الأغانى بل وربما المطربون أيضاً.. لماذا يعتقدون فى أنها الأكثر نجاحًا وأثرًا فى نفوس المستمعين.. وهل هذه هى الحقيقة فعلاً.. هل تحقق صدى أوسع من غيرها من نوعيات الغناء الأخرى.. فعلى سبيل المثال لا الحصر.. من منا ينسى «تخونوه» لعبدالحليم و«هودعك» لمحمد فؤاد و«مالهمش فى الطيب» لإيهاب توفيق و«أنا خاصمت الشوارع» لرامى صبرى.. وغيرها من الأغانى على لسان مطرباتنا، فنجد إليسا فى أغنيتها «من غير مناسبة»، تتعرض لحالة من حالات الأنفصال، وسميرة سعيد التى قالت: «ادينى سيبته أهو وماحصلش حاجة» وشيرين عبد الوهاب التى بدأتها مع «إيه يعنى غرامك ودعنى.. إيه يعنى فارقنى ولا رجع لى» وأصالة فى أغنيتها «مبقاش أنا».. وغيرها وغيرها، على أية حاول تعالوا معنا مع نخبة من مبدعينا ونقادنا المتخصصين لنتعرف على آرائهم فى هذا الموضوع وكيف يرونه من وجهة نظرهم... فى البداية.. يقول الشاعر والكاتب الصحفى الكبير فوزى إبراهيم، إنه لاحظ خلال الفترة السابقة وجود أغنية «مالهمش فى الطيب» كلماته وغناء المطرب إيهاب توفيق، فى معظم الأفراح سواء فى الريف أو الأحياء الشعبية وأيضًا فى الفنادق الكبيرة، وأن معظم مطربى الأغانى الشعبية يغنونها فى حفلاتهم وغيرها. ويرى إبراهيم، أن هذا يرجع إلى ثلاثة أسباب أولها.. أننا شعب عاطفى جدًا وحساس، ويتوجع من أقل شىء، لذلك مرارة الجرح والألم لا تنسى عنده وتترك آثرًا كبيراً، أما السبب الثانى فإنه بالرغم من حساسيتنا ورقة مشاعرنا التى تجعلنا نبكى إذا ما شاهدنا مشهدًا تمثيلياً لحبيبين يتفارقان، إلا أنه يوجد بداخلنا جزء من الكبرياء الفرعونى، يجعلنا لا نحب أن نظهر ضعفنا ونبكى أو نشتكى، لذلك نريد شخصًا آخر يضعف نيابة عنا، فعندما يقوم المطرب بغناء تلك الأغنية التى تعبر عن شكوتنا ووجعنا ويبين ضعفنا وبكاءنا فنشعر بأنه يحاكينا ويلمس شعورنا ويعبر عنه، وكما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب «لا مش أنا إللى أشكى ولا أنا اللى أبكى لو جار عليا هواك». ويستطرد إبراهيم، أما السبب الثالث فيرجع إلى أننا شعب يشعر كل شخص فيه أنه الأطيب، الأصدق، الأحن، والأكثر إخلاصاً، والجميع عكسه، تلك الأسباب الثلاثة جعلت لأغانى الغدر والخيانة رصيدًا داخل الوجدان، الذى يرى فيها وفى كلماتها وإحساس مطربيها أنها تعبر عن قصته أو حالته الشخصية وكأنه هو الذى صاغ كلماتها بنفسه. فى حين يقول الناقد الفنى أحمد السماحى: إن أحد أخطر وأهم وظائف الأغنية أن تعبر عما يصدر من القلب، وتشرخ القلب وتخترقه، وتنظم حركة الإنسان فى حياته اليومية، وتثقف وجدانه لا عقله فقط، وتغير فى التكوين النفسى للبنت العربية، والشاب العربى، لكى يتقاربا أو يتباعدا أو يتفاهما، مشكلين وضعهما ودوريهما فى ساحة الحياة. ويتابع السماحي: بحكم أن الشعب المصرى عاطفى ويميل للحزن والشجن، لهذا تخترق الأغنية الحزينة أو الشجية أوتار مشاعره؛ لأن كثيرًا من هذه الأغنيات الدرامية سواء ما تتحدث عن الهجر أو الخيانة أو الندم، أو حب لم يكتمل لابد أن تكون مرت فى حياة أى شخص منا، وبالتالى من بين ١٠ أو ١٥ أغنية يتضمنها ألبوم أى مطرب، تجد الجمهور يتوقف عند الأغنيات الدرامية، ويعيد الاستماع إليها مرات ومرات، خاصة لو هذه الأغنيات مصنوعة بشكل متميز من حيث الكلمات والألحان والأداء. وأكد السماحى إن الجمهور يتعلق بتلك الأغانى لأنها عبرت عن تجربة حياتية مر بها ويحب بينه وبين نفسه استرجاعها أو تذكرها أو تعيده هذه الأغنيات إلى زمن الذكريات فيستعيد شبابه لو أصبح كهلاً، أو تستعيد زمن التلمذة والمدارس أو الجامعة إذا كانت سيدة، وهكذا، فنستمع الى الأغنيات الحزينة أو الشجية أو الدرامية ونجد فيها صندوق الذكريات الخاص بنا جميعًا التى نستعيدها من خلال أصوات المطربين الذين نحبهم. من جانبه علق الشاعر أحمد حسن راؤول قائلًا: أى شىء يمس العاطفة والمشاعر لابد أن ينجح ويكون له صدى كبير؛ لأننا شعب عاطفى لديه الكثير من المواقف الحزينة والدرامية فى حياته الطبيعية، لذلك نتأثر بأغانى الدراما والشجن ونتذكر بها مواقفنا التى عشناها، ضاحكاً: «و لو ماعندناش مواقف عاطفية، بنخترع مواقف عشان نعيشها». ويضيف راؤول: كنا نجد الألبومات الغنائية قديماً بها ٣ أو ٤ أغانٍ درامية، وواحدة «سلو» وهذا يمثل نصف الألبوم تقريبًا، لكى يضمن المطرب نجاح الألبوم واستماع الناس لأغانيه؛ لأنه واثق أن هذا النوع من الأغانى له رواج ويجد صدى فى نفوس المستمعين. ويتفق معه الشاعر عمرو المصرى قائلًا: نحن أكثر شعب عاطفى مقارنة بالشعوب العربية الأخرى، لذلك نجد معظم الناس لهم مواقف متصلة بموضوع الفراق والحب والهجر، وتلك الأغانى تلمس مشاعرنا وتعبر عن إحساس كل منا، وقريبة من المواقف التى نعيشها جميعاً. ويؤكد المصرى كلامه قائلاً: الأغانى الدرامية مثلًا عندما تصدر فى موسم مثل موسم الشتاء وهو فصل تعبر أجواؤه عن حالة من الكآبة، نجد إقبال الناس عليها أكثر لأنها تساعدهم على العيش فى حالة الكآبة والحزن التى تسكنهم داخليًا كانعكاس للأجواء الخارجية، مقارنة بفصل الصيف، حيث يخرج الناس إلى الشواطئ والتنزه والمرح، وفى تلك الحالة يهربون من أى شىء درامى.. فتكامل حالة الأجواء الداخلية مع الخارجية مع حالة الأغنية الدرامية لا شك أنه مزيج متكامل لانعكاس حالة الشجن والحزن لدى الإنسان، ومن ثم نجاح هذا النوع من الغناء الذى يجسدها ويعبر عنها تماماً. فيما يرى الملحن عمرو الشاذلى: لا يوجد شخص منا إلا ومر بأزمه عاطفية وعانى فيها من مشاعر وجع؛ لذلك تأتى هذه الأغانى لتعبر عنه وعن حالته ويشعر وكأنها مكتوبة له خصيصاً، فتصبح الأقرب إلى وجدانه لأنها تعبر عنه وعن آلامه ومعاناته وتصف حالته الداخلية التى يعيشها، فيشعر أن المطرب هو لسان حاله الذى يحاكى حالته بصوته ومشاعره.