15-3-2023 | 13:07
نستقبل فصل الربيع فى العشرين من مارس الجارى ، ولأن هناك أشهر أغنية على الإطلاق سميت باسمه فاز بالغناء بها فريد الأطرش ، وأصبحت تلك الأغنية ـ " الربيع "ـ هى الأشهر، و هى الأبقى .. وحفلات شم النسيم التى قدمها فريد وحليم شهدت منافسة ساخنة بينهما ، ودارت حروب طاحنة فى كواليسها وفوق مسارحها ، ولايمكن أن يأتى فصل الربيع دون أن نتذكر أغنية " الربيع " العظيمة التى كانت توزع أكثر من 20 ألف ألبوم سنويا ، وهى حاليا الأكثر بحثا على محركات البحث خلال فصل الربيع ، وهى التى تعد تحفة فنية نادرة لم يقدم مثلها مطرب آخر حتى اليوم ، ولأنها ملك لصوت فريد الأطرش ومن ألحانه ، فان التنافس الذى كان بين حليم وفريد فى يوم شم النسيم وفى الحفلة السنوية الخاصة بتلك الليلة ظل حتى آخر يوم فى عمر فريد والذى رحل قبل حليم بثلاث سنوات فقط .
ذكريات لا تنسى ومطبات مازالت فى دائرة الضوء ، حكايات وألغام ظهرت أسرارها فيما بعد .. فقد كان هناك صراع ومنافسات ساخنة بين قطبى الأغنية العربية فى ذلك الوقت ، حليم وفريد .
فالصراع كان ساخنا والعلاقات كانت متوترة والحرب الباردة بين المعسكرين استمرت إلى النهاية . ففريد كان يريد أن يغنى عبد الحليم من ألحانه وكان عبد الحليم كلما لحن فريد لحنا له تهرب منه بحجة أنه ثقيل موسيقيا أو أنه لا يناسب رتمه الغنائى ، فظن فريد أن حليم لا يريد أن يغنى من ألحانه ، واستمرت القطيعة والخلافات واشتد التنافس والصراع بينهما خاصة فى حفلات شم النسيم.
ونذكر من تلك الصراعات التى امتدت إلى مطربين ومطربات آخرين .. وهناك حكاية للموسيقار بليغ حمدى الذي اراد ألا لا يشارك محمد رشدى فى حفل شم النسيم مع فريد الأطرش مازالت فى الذاكرة ، وهى عندما انتهى فريد الأطرش من تلحين أول وآخر أغنية لمحمد رشدى " عشرية " كلمات حسن أبو عثمان وبدأت البروفات ، وفجأة وقبل الحفلة بأيام قليلة جاء بليغ إلى بيت رشدى فى الواحدة صباحا وجلس وأمسك بالعود ليغنى أحدث ألحانه ، وقال بليغ لرشدى : "سأسمعك لحنا جديدا عندما تغنيه سوف يغنيه الشارعان المصرى والعربى خلفك ، وأسمعه أغنية" ردوا السلام " التى غنتها عفاف راضى فيما بعد ".
ثم قال بليغ لرشدى : "غَن هذه الأغنية ، ولا تشارك فى حفل شم النسيم لفريد الأطرش ، وكانت مفاجأة غير متوقعة لمحمد رشدى ، ذلك أن علاقة حميمة تربطه ببليغ ولكن فى الوقت نفسه لم يكن يستطيع أن يتراجع أمام اتفاقه مع فريد . ولم يكن رشدى يعرف خلفية الصراع التى لم تكن مع عبد الحليم فقط ، ولكنها أيضا مع بليغ حمدى كملحن . ففريد سوف يغنى له محمد رشدى ، وهو مطرب له مكانة فى حياة بليغ .
وانصرف بليغ ولم يغن محمد رشدى " ردوا السلام " التى جاءت كنوع من الرشوة حتى ينسحب رشدى من حفل فريد ، ورغم أن رشدى صديق حميم لبليغ ، وغنى له عشرات الألحان ولم يغن لفريد سوى لحن واحد فقط إلا أنه التزم بكلمته من أجل أن يكسب جماهير فريد الأطرش فى تلك الليلة .
ولم يكن رشدى يدرك مدى الصراع الموجود تحت السطح . فما كان يهمه هو أن يغنى وأن يكسب جماهير فريد وهو يعرف حجمها . ذلك أن فريد ليس مطربا محدودا ، إنه مطرب له جماهيرية عريضة على اتساع الوطن العربى كله .
وعرف رشدى حقيقة هذا الصراع بعد سنوات عندما كان فى المغرب مع عبد الحليم ، وكان معهما مجدى العمروسى الذى عاتب رشدى ، لأنه وقف يومها مع فريد الأطرش ، وهو موقف لا ينساه عبد الحليم أو بليغ ببساطة على الرغم من أن رشدى غنى فى حفل فريد أغنيتين من ألحان بليغ حمدى ، وهما " مغرم صبابة " و " عرباوى " دون أن يتدخل فريد فى تحديد فقرة رشدى الغنائية ، وكانت تلك الحفلة التى شارك فيها أيضا فهد بلان وسعاد محمد هى آخر حفلات فريد الأطرش فى شم النسيم ، وليلتها قدم عزفا منفردا على العود ـ وهو بارع فيه حقا ـ ثم غنى أغنيته الشهيرة " الربيع " ولا يزال التليفزيون يحتفظ بتسجيل لهذا الحفل إلى الآن وهى الأغنية الأشهر على الإطلاق التى تغنى فى أعياد الربيع واحتفالات شم النسيم لدى المصريين.
وكانت تلك الحفلة بمسرح فريد الأطرش ـ مسرح الفن لجلال الشرقاوى سابقا ـ والتى جاءت بعد رحلة طويلة مع المرض عاشها فريد فى لبنان ، وعندما عاد للقاهرة وأعلن عن تلك الحفلة التى كانت الأخيرة له فى شم النسيم كان حليم هو الآخر قد أعلن عن حفلة أخرى فى تلك الليلة ، وأقامها فى جامعة القاهرة ، وكانت المشكلة فى ذلك الوقت هى الفرقة الموسيقية ، واستعان فريد بفرقة صلاح عرام التى كانت تغنى مع رشدى وطعمها بعدد من الموسيقيين الكبار مثل أحمد الحفناوى ، وكانت المشكلة كيف يقود شاب صغير هو صلاح عرام تلك الكوكبة الموسيقية فتنازل الشاب عن القيادة لأحد كبار الموسيقيين ، وغنى فريد .
بينما كانت الفرقة الماسية بقيادة المايسترو أحمد فؤاد حسن هى التى رافقت حليم فى حفلته الغنائية ، وهكذا امتد الصراع بين الطرفين إلى الفرق الموسيقية أيضا ، والتى كثيرا ما انقسمت الفرقة الواحدة بينهما فى عدد من الحفلات السابقة .
إلا أن الغريب فى الأمر ورغم حالة التنافس التى كانت بين فريد وحليم ، هو أن حليم لم يستطع أن ينكر إعجابه الشديد بأغنية فريد الأطرش " الربيع " ، والتى كانت رمزا للربيع ، وكان يؤكد على أنها من أفضل الأغانى لتلك المناسبة، بل عندما سأله المذيع طارق حبيب فى برنامج " اوتجراف " تحب تغنى إيه ؟ قال حليم : أحب أغنى الربيع لفريد الأطرش . ورغم ذلك كان حليم قد فكر منذ البداية فى الأغانى التى تصلح لمناسبة شم النسيم وحتى قبل شهرته وقبل أن يغنى تحديدا " صافينى مرة " التى كانت نقطة تحول فى مشواره . غنى حليم أغنيات لشم النسيم والربيع مثل: " جمال الورد " و " نسيم الفجرية " وكان يغنى مثل هذه الأغانى أيضا فى حفلات الربيع فيما بعد .
والذى لا يعرفه الكثير أن الأغنية الكلاسيكية التى تخلد احتفالات الربيع لدى المصريين والعرب وهى " الربيع " لفريد الأطرش كانت قد عرضت فى بادئ الأمر على أم كلثوم ورفضتها لعدم اقتناعها بها ،ولكن أصبحت أشهر وأهم أغانى فريد على الإطلاق ولم تنافسها أغنية أخرى إلى الآن ، لا فى كلماتها ولا ألحانها ولا أداء ينافس أداء فريد الأطرش صاحب الربيع الحقيقى للأغنية العربية التى ضلت الطريق بعد رحيله ورحيل العمالقة من أمثاله.