الوفاء صفة تتميز بها مصر أم الدنيا من مهد التاريخ، مصر التى دائما يولد من رحمها المواهب والمبدعون والفنانون فى مختلف المجالات فليس بغريب عليها أن تقف بجانبهم وتدعمهم وتكرمهم وهذا ما حدث بالفعل فى حفل كبير أعلنت من خلاله الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة حصول الموسيقار الكبير هانى شنودة على جائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون وذلك لدوره المجتمعى وإسهاماته الفنية ومحاولاته فى تطوير المنظومة الموسيقية على مدار سنوات من مسيرة حافلة بالأعمال التى تركت بصمة لدى الجمهور المصرى والعربى
وبالطبع تم تكريم هانى شنودة على مدار تاريخه من مختلف الدول العربية ولكن التكريم من وطنه بالتأكيد له وقع خاص لديه فهو بمثابة وسام على صدره لأن من يعرف شنودة عن قرب يعرف مدى وطنيته وعشقه لتراب مصر التى دائما يفتخر بانتمائه لها وهذا ظهر جليا فى ملامحه وهو يتلقى الجائزة حيث علق عليها (الفرحة لاتسعنى ولاأستطيع أن أعبر عن سعادتى وشكرى لكل من ساهم فى حصولى على هذه الجائزة ورغم تكريماتى السابقة على أعلى مستوى إلا أننى أود أن أقول إن هانى شنودة صنع فى مصر ) وأتذكر عندما حاورته ذات مرة وسألته ما التقدير الذى ينتظره هانى شنودة من مصر؟ أجاب دون تردد حب الناس لى وحفظها لأعمالى عن ظهر قلب هذا فى حد ذاته تكريم وأكتفى به ،هانى شنودة ليس مجرد اسم ملحن فى عالم الموسيقى بل بلاشك شخصية مؤثرة ، أدخل على الموسيقى الشرقى لونا آخر بجرأة شديدة. حيث شارك فى تطوير الموسيقى المصرية فى إطار الهارمونى المتكامل ،هو تاريخ فنى حافل بالإبداع الموسيقى وأعماله تراث شعبى مصرى أصيل يجب الفخر به وإعادة إحيائه خاصة وأنه تراث مجتمعى متميز..ملحن عبقرى عاشق للموسيقى واصل عطاءه ووجوده على الساحة الفنية لأكثر من نصف قرن ،مسيرة حافلة من الأعمال المتنوعة والتى مازالت راسخة فى أذهاننا ووجداننا مابين الرومانسى مثل أغنية بأحلم معاك لنجاة الصغيرة ومابين الشعبى مثل أغنية زحمة يادنيا زحمة لأحمد عدوية والعديد من الأغانى الأخرى ، علاوة على بصماته المؤثرة فى الموسيقى التصويرية لتاريخ حافل من أفلام السينما المصرية مثل أفلام:" المشبوه والحريف وشمس الزناتى وعصابة حمادة وتوتو للنجم الكبير عادل إمام وأيضا من أفلامه السينمائية لاعزاء للسيدات مع فاتن حمامة أيضا فيلم غريب فى بيتى مع نور الشريف"،.. وغيرها من الأعمال الراسخة فى تاريخ السينما مما أطلق عليه لقب صانع الألحان كما نعرف جميعا أن بداية شهرة الموسيقار الكبير هانى شنودة جاءت من خلال فرقة المصريين ولكن الذى لم يعرفه البعض لم تكن هذه البداية بل سبقتها تجربة وهى كانت بعد تخرجه فى معهد الموسيقى 1966 حيث اشترك مع مجموعة من الشباب، وعزفوا بعض المقطوعات والأغانى الغربية،يقدمون مجموعة من الأغانى العالمية منها:" الفرنسية والإسبانية والإيطالية"، وسافروا بهذه الفرقة للعديد من الدول مثل سوريا ولبنان، وذات يوم حضر إليهم الأديب نجيب محفوظ وقتها كان يعمل بمجال الصحافة وسأله عن الموسيقى والفقرات التى تعزف واقترح عليهم أن يقدموا مثل هذه النوعية بالعربية، بالفعل فى بادىء الأمر رفضوا تماما، ولكن بعد فترة بدأ شنودة التفكير بجدية ومن هنا كوّن أول فرقة موسيقية وأطلق عليها فرقة المصريين وكان ذلك فى 8 ديسمير عام 1977م، بلا أدنى شك قدمت هذه الفرقة الكثير من الأغانى المحفورة حتى الآن بوجدان أجيال بعدها انتشرت باقى الفرق مثل:" الفورإم - الأصدقاء - النهار وطيبة"، ثم سجلت بعدها أكثر من 128 فرقة بجمعية المؤلفين والملحنين المصريين ولكن فرقة المصريين تميزت وحققت نجاحا غير مسبوق وخلال أحد عشر عاما أنتجت ستة ألبومات هى: (بحبك لا وحرية وبنات كتير وابدأ من جديد وماشية السنيورة مثل (ماتحسبوش يابنات إن الجواز راحة ، الحب ده إحساس ، كلمات وألحان تحمل فى طياتها تعبيرا مبدعا عن حرية المرأة و والاعتراف بحقوقها واستمر نشاط الفرقة متقطعا حتى تفككت تماماعام 1988 وكانت الفرقة تتكون وقتها من إيمان يونس وتزوجت وسافرت، بعدها جاءت منى عزيز وتحسين يلمظ وممدوح قاسم ثم سافرت منى إلى سويسرا وتوفى تحسين يلمظ وصلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وكل ذلك كان من أسباب عدم استمرارية الفرقة، و أتذكر جيدا أن شنودة عبر لى خلال حوارى معه عن تلك المرحلة فى حياته بملامح يعلوها الشجن وألم الفراق قائلا (إن بفراق هؤلاء جزء كبير منى مات، وأردت أن أترك نجاح الفرقة الذى حققته فى هذه الفترة كما هو وباسم من قاموا به وهم المصريين.) ،شنودة كان متحمسا للفرق لأنها من وجهة نظره مفرخة للمواهب يخرج فيها درامز أو مطرب أو شاعر أو ملحن أو موزع جيد وبالفعل سر نجاح فرقة المصريين هى عمل جماعى متميز فى الموسيقى والغناء لأنها أول فرقة بمصر تقدم معا مجموعة كبيرة من الأغانى التى دخلت التراث الشعبى المصرى اليوم وأيضا من رأيى المتواضع أن هناك سرا آخر لنجاحهم هو الاختلاف الذى أحدث التكامل والتكاتف والحب فيما بينهم والذى ظهر جليا على الشاشة ووصل لقلوب الناس هو بالفعل الموسيقار العظيم المعجون بالفن والموهبة الإبداعية هو مكتشف الأصوات حيث اكتشف صوتين من أهم الأصوات المصرية لعقود هما المطرب النوبى محمد منير والمطرب البورسعيدى الأصل عمرو دياب ، نتحدث فى البداية عن اكتشافه للكينج محمد منير الذى لم يكن مصادفة ولكنه ترتيب إلهى فقد جاء إليه يوما الشاعران الكبيران شوقى حجاب وعبد الرحيم منصور وطلبا منه عمل ألبوم غنائى لمحمد منير وهو( علمونى عنيك) حيث لحن له شنودة اربع أغنيات وقام بتوزيع أغنيات الألبوم كاملا ولكنه فشل بسبب قيام الشركة بنقل الأغنيات من الأسطوانة إلى الكاسيت الذى لم يكن منتشراً فى ذلك الوقت، ثم قامت الشركة التى قامت بإنتاج الألبوم الأول "علمونى عنيكى" لمنير بعمل ألبوم ثان بعنوان (بنتولد )والذى لحن له شنودة فيه ثمانى أغنيات ووزع الألبوم كاملا وهذا الألبوم كان سبب شهرة منيرحيث لعب الحظ معه وحقق مبيعات أكثر من 40 ألف نسخة، بعدها تشجعت الشركة وقامت بطرح الألبوم الأول لمنير مرة ثانية وهكذا شق منير طريقه أيضا ولو تحدثنا عن لقاء هانى شنودة بعمرو دياب كان لقاء عجيبا لايسعنا أن نقول عنه شىء غير أنه قدر ،التقيا فى مطلع الثمانينيات فى بورسعيد عندما كانت تقدم فرقة المصريين إحدى حفلاتها ،وأخبرنى شنودة عن هذا اللقاء خلال حوارى معه أن دياب ذهب إليه فى حجرته ليقدم له نفسه ويسمع صوته و وجدت أنه صوت واعد بالإضافة لوسامته التى ستساهم فى نجاحه لأننا قد دخلنا وقتها عصر التلفاز والصورة أصبحت جزءا لايتجزأ من نجاح المطرب ولكن أخبرته أن لديه مشكلتين الأولى أنه يعيش فى بورسعيد الثانية أنه يتحدث اللكنة البورسعيدية ولابد أن يتخلص منها وأن يتدرب على الغناء القاهرى وبالفعل قد فاجأنى دياب بقرار السفر معى أنا وفرقتى ثم عقب شنودة على هذا المشهد قائلا: (فى الحقيقة شعرت بداخلى أن هذا الشاب سيصبح المطرب الأول فى مصر والوطن العربى ، إصراره على النجاح والتغيير جذبنى كثيرا)، وفى الحقيقة أعجبنى مؤخرا فى آخر لقاء جمعهما إشادة الهضبة بالموسيقار الكبير هانى شنودة وأنه مازال يحمل له الفضل فى البدايات وذهب به للأستاذ عبد الرحيم منصور و صلاح جاهين وبالفعل شنودة لحن له أربع أغنيات فى الشريط الأول وكثيرا من السهرات، وفى واقع الأمر لاأخفى عليكم فى كل مرة كنت أحاور بها الموسيقار هانى شنودة وتأتى سيرة عمرو دياب كنت أشعر بالأسى والحزن فى نبرات صوته يعبران عن تناسى أو تجاهل دياب له ولكن أعتقد أن اللقاء الأخير الذى جمع بينهما مؤخرا أذاب هذا الشعور لدى هانى ليتجدد الحب والود وأكثر ما أعجبنى فى هذا المشهد قبلة الامتنان التى وقعها دياب على رأس شنودة ليشكره على أربعين عاما من النجاح المتواصل وأنه شريك هام فى نجاح مازال يحققه .الموسيقار الكبير هانى شنودة استحق عن جدارة أن يحصل خلال مشواره على جائزة الدولة فى التفوق فى مجال الفنون 2015 وجائزة الاستحقاق الكبرى لسنة 2023 والجدير بالذكر أن موسيقى هانى شنودة وصلت للعالمية وهذا اتضح عندما استقبل مهرجان "كان" السينمائى فى دورته ال 75 العرض الخاص لفيلم" صبى من الجنة" للمخرج ذى الأصول المصرية طارق صالح وخلال العرض الخاص للفيلم تم تشغيل أغنية أنا بعشق البحر للمطربة نجاة الصغيرة وتوقيع الموسيقار هانى شنودة وتعد هذه المرة الثانية بعدما تم تشغيلها فى حفل golden globes أثناء استلام الفنان الأمريكى ذى الأصول المصرية رامى يوسف جائزة ،أفضل ممثل فى النهاية أؤكد أن أكثر ما جذبنى فى سلسلة حواراتى مع الموسيقار الكبير هانى شنودة هى ثقافته الواسعة المتنوعة ال ممزوجة مابين الشرقى والغربى وأيضا وطنيته وحبه الكبير لمصر التى لايختلف عليه اثنان فى الواقع هو أنشودة موسيقية مصرية من الإبداع عشنا معها 60 عاما مما يجعله جديرا بجائزة الدولة التقديرية .