الإثنين 6 مايو 2024

«شوجر دادى».. معالجة كوميدية لأزمة أسرية كبرى

فيلم شوجر دادي

23-6-2023 | 15:04

هبة عادل

«شوجر دادى».. هذا المصطلح الذى احتل مساحة من حديثنا ربما عبر السوشيال ميديا فى السنوات القليلة الماضية، ويبدو فى ترجمته المباشرة أنه يعنى «الأب المسكر»، ولكن الحقيقة غير ذلك، حيث إن الترجمة الاصطلاحية لهذا المصطلح تعنى «الرجل المريش»، الغنى، الكبير فى السن، والذى ينفق أموالاً طائلة على فتاة شابة تمثل عليه الحب أو حتى تحبه بالفعل.. تستغله مادياً أو ترغب فى الارتباط به لأسباب تخصها، إنما هى فى النهاية حالة تجمع بين رجل كبير فى السن يملك أموالاً طائلة، وفتاة شابة صغيرة يبحث هو من خلالها عن استعادة شبابه، وتبحث هى عن المال أو ربما العوض عن الأب الذى لم تنعم به لأسباب مختلفة.

 أما فى حالة مقالنا القادم، فنحن بصدد التعامل مع هذا المصطلح كعنوان لفيلم سينمائى التقط الفكرة، وربما أُعجب أبطاله وصناعه بالمصطلح الذى بات دارجاً، وأرادوا استثمار هذا التعبير من خلال «أفيش» فيلم سينمائى يحمل بطولة الفنانة الكبيرة ليلى علوى والفنان الكبير بيومى فؤاد، اللذين قد سبق وقدما معاً عام 2021 فيلماً بعنوان «ماما حامل»، والمفارقة أن الفيلمين للكاتب لؤى السيد والمخرج محمود كريم، فيما اشترك أيضاً حمدى الميرغنى فى البطولة معهما، ولمَ لا؟ وقد شكل هذا الثنائى خلال الفيلمين «ماما حامل» و«شوجر دادى» حالة من الحميمية البادية على الشاشة ظهرت من خلال الفيلمين، فيبدو أن نجاح الدويتو فى العمل الأول دفعهما للاشتراك معاً فى إعادة التجربة فى أجواء لا تختلف كثيراً عن الطابع الكوميدى الساخر، وربما الفانتازى إلى حد كبير.
أجواء تنقلنا إلى عالم من المرح والبهجة، لا سيما أن كثيراً من أجواء فيلم «شوجر دادى» تم تصويرها فى إحدى المدن الساحلية، وفى فيلمنا هذا ليست البهجة فقط فى هذا المناخ، وليست أيضاً لأنه قدِّم فى قالب كوميدى، وإنما الفيلم يحمل فكرة جاءت بشكل لطيف حتى وإن كانت فكرة نستطيع إطلاق عليها الوصف بأنها «قديمة حديثة»، ولكن كل الظواهر الاجتماعيه تحتمل أن تعالج عبر أكثر من قلم لكاتب أو رؤية لمخرج أو أداء لممثلين، حيث يتطور الزمان وتختلف الأماكن، ونعيش داخل التيمة الواحدة العديد من القصص.


 ففى فيلم «شوجر دادى» نسخه 2023.. تبدأ أحداث الفيلم موضحة تفاصيل الأسرة التى هى بطلة الأحداث، حيث الأب (بيومى فؤاد) وهو رجل الأعمال الثرى والمتزوج من ليلى علوى، وهى امرأة تعمل فى مركز مرموق وتعتز جداً بهويتها المهنية، ولديهما ابنان الأول طبيب النساء المعروف والذى لعب دوره الفنان الشاب مصطفى غريب، وزوجته فرح الزاهد والتى تغار عليه غيرة جنونية وحيث لم ينجبا بعد فهى مشكلة تؤرقها إلى حد كبير رغم سنوات زواجهما القليلة.
أما الابن الثانى فهو الفنان حمدى الميرغنى، الذى يهوى الاختراعات العلمية، وتبدأ أحداث الفيلم بفوزه بالمركز الأول، حيث قدم أحد الاختراعات فى مجال الاتصالات وشواحن الهواتف المحمولة.
وما أن ينتقل الزوجان إلى المنزل يحاول بيومى فؤاد احتواء زوجته التى يحبها ويعشقها، إلا أنها تلك المرأة التى يشغلها عملها وضرورة الاستيقاظ مبكراً والنوم مبكراً بعد يوم مجهد، فلا تستجيب لطلباته الزوجية، ما يصيب بيومى فؤاد بحالة من الضجر ويخرج للسهر مع بعض أصدقائه فى ملهى ليلى تظهر فيه الراقصة جوهرة.. التى ينبهر بجمالها ويقرر بيومى فؤاد فى لحظة ضعف أن يتزوج من هذه الراقصة التى وجد معها نوعاً من السعادة التى يفتقدها فى منزله.
وأثناء تكرار السهر معها فى الملهى الليلى يلمحه أحد أصدقاء ابنيه ويحدثهما فى التليفون ليأتيا لرؤية أفعال أبيهما الذى يسهر ويشرب ويرتدى ملابس لا تناسب سنه، ويرافق الراقصة طوال الوقت، يشاهد الابنان والدهما فى هذه الأوضاع ويراهما أيضاً الأب.. فيغضب منهما ويسألهما:» أنتم جايين هنا تعملوا إيه؟».
يخاف الابنان بدورهما على والدهما وثروته ومشاعر الأم واستقرار حياتهم الاجتماعيه بشكل عام، وينظران للاب على أنه يعيش مراهقة متأخرة، بينما يرد الأب: «أنا حر»، فيرد عليه حمدى الميرغنى:« لا، أنت مش حر»، ويهدده بأنهما سيخبران والدتهما.
يحاول أن يوضح لهما صديقهما الذى دعاهما للمكان أن والدهما يمر بما يعرف بـ«أزمة منتصف العمر»، وهنا نستوضح أن الفكرة الرئيسية التى أراد الكاتب الإشارة إليها هى العبارة المعروفة بـ«أزمة منتصف العمر»، التى يمر بها العديد من الرجال فى فترة منتصف الأربعينات، حيث يكونون قد تزوجوا مبكراً ويكون أبناؤهم كبروا، ويشعرون فى لحظة بالملل من الحياة الزوجية والمسئوليات المتعددة، فيحاولون الاتجاه بمشاعرهم خارج المنزل، وإذا كان هذا هو التعبير الدارج «أزمة منتصف العمر»، فهنا قد تطور إلى الـ«شوجر دادى»، حسب ما تقودنا الأحداث أيضاً، وحيث يذهب الابنان لأمهما فى عملها، ويطلبان منها أن تترك عملها وتتفرغ للمنزل، فهى غير محتاجة للمال، فتتهمهما بالجنون وتؤكد لهما أنها لا تعمل من أجل المادة، ولكنها تعمل لإثبات ذاتها وكيانها، بينما ينهار الابنان أمام فكرة أن يتزوج أبوهما من راقصة ويعلمان أنه سافر وإياها إلى إحدى المدن الساحلية، فيقرران الذهاب إليه لإثنائه عن الفكرة، ويقوم الابن طبيب النساء بالحجز ويكذب على زوجته الغيورة بأنه ذاهب إلى مؤتمر طبى فى إحدى المحافظات ولكنها من خلال تأكيد الحجز تعرف أنه فى مكان آخر فتشك فيه فتذهب إليه وكأنها تراقبه، وتذهب إلى ليلى علوي «حماتها» تشكو إليها وأنها يجب أن تذهب معها لترى أفعال ابنها.. فتذهب ليلى علوى وفرح الزاهد إلى المدينة الساحلية، فيرى الأب الابنان ويعرف نواياهما بأنهما جاءا لينقضَّا عليه ليحاولا أن يوضحا له أنه يمر بـ«أزمة منتصف العمر»، وأنها حالة مرضية ولها علاج ويسألانه: كيف يترك حب عمره ويذهب لأخرى، أما هو فيدافع عن حقه فى تعدد الزوجات وأنه لا يفعل شيئاً حراماً.. ويفاجأ الأب والابنان بقدوم ليلى علوى وفرح الزاهد لهم، يسأل الأب زوجته: لماذا جئتِ إلى هنا؟، فتقول له جئت لأراقب ابنى، الذى تشكو منه زوجته، وتشعر بأنه هنا ليخونها.
 تجتمع العائلة فى مصيف وأجواء من المرح بعيداً عن ضغوط العمل المتواصل، وعلى جانب آخر يلمح حمدى الميرغنى الفتاة الشابة مى الغيطى، ابنة صاحب الفندق الذى يقيمون فيه، فيبدأ بالإعجاب بها.. ويصر بيومى فؤاد على الزواج من الراقصة، ولو بعقد عرفى، أما هى فتقول له إن عقد عملها سارٍ ويجب أن تكمل الشهر ثم يسافر إلى روسيا ليطلب يدها من أهلها ويخبرها أن أسرته وموجودة فى القرية السياحية، وهى تستشعر أنهم بالطبع غير موافقين على هذه الزيجة، أما هو فيصر بأن يقول لابنيه: «أنا حر.. سيبونى أعيش حياتى»، و فى أجواء عائلية يستمر اللقاء وهم جالسون على الشاطئ، يخرج من البحر الفنان الشاب تامر هجرس ببنيته الجسدية القوية التى تجذب أنظار جميع الفتيات والسيدات الجالسات على الشاطئ، ويذهب بدوره للتعرف على الراقصة وتمر أحداث الفيلم هنا بمجموعة من المفارقات والأجواء المرحة على خلفية من الرقص والغناء والموسيقى المبهجة وألعاب الشاطئ، فيتعرف عليهم تامر هجرس ويكونان فريقين يلعبان الكرة والأفلام، وما إلى ذلك، فيما تميز هنا الإخراج بالإيقاع السريع والمونتاج المتلاحق للقطات السريعة المبهجة التى شعرنا من خلال جودة التصوير والمشاهد فيها بأننا انتقلنا إلى هذه القرية ونعيش معهم أجواء اللعب والمسابقات، فيما لم ننسَ القضية الأساسية التى اجتمعت عليها هذه الأسرة، ولنكمل ونرى ماذا سيفعل هذا الأب ومن فى الفريقين سينتصر.. هل الأب.. أم الأم وابنيها؟
يبدأ بيومى فؤاد بملاحظة أن تامر هجرس يقترب من الراقصة، ويبدأ يغار من شبابه القريب إليها فى السن، فيحاول أن يحاكيه فى أسلوب شكله وملابسه.
على جانب آخر نجد زوجة طبيب النساء  تصبح حامل: «وسط أجواء من الفرحة الأسرية، وفى إشارة إلى أن بيومى سيصبح جداً، فيناديه تامر هجرس: «مبروك يا جدو:» فى محاولة لكى يستفيق ويعود عن عزمه بالزواج من الراقصة.
ينسحب بيومى فؤاد من جوار زوجته ليلى علوى ويذهب إلى غرفة الراقصة ليتفقا على الزواج بالرغم من حبه لليلى علوى وغيرته عليها أثناء الرقص عندما حاول أحد أن يراقصها فتهجم عليه بطبيعة الرجل الشرقى الذى يرفض أن يقترب أحد من زوجته، بينما يمارس هو ما يستهويه، وعندما يذهب بيومى فؤاد إلى غرفة الراقصة يجد عندها تامر هجرس فيتهمها بأنها تخونه، فيقول له هجرس: «أنت فى نزوة ويجب أن تفوق منها.. فهى أزمة تحدث لناس ورجال كثيرين فى عمرك.. عايزين يشعروا إنهم ما زالوا قادرين على أن يحبوا ويتحبوا، ولكنك ستفوق»، يغضب بيومى من هذا الكلام ويقول له: «مش أنت اللى هتعرفنى الصح من الغلط».
بينما نجد ليلى علوى تشك فى زوجها عندما لا تجده بجوارها، فتذهب إلى غرفة الراقصة، وهناك يكون بيومى فؤاد وابناه أيضاً الذين يختبئون فى حمام الغرفة.
تدخل ليلى علوى بظن أن زوجها بالداخل لكنها تجد تامر هجرس الذى يسألها لماذا أتيتِ إلى هنا؟ فتخبره بأنها شكت فى زوجها أنه موجود هنا، وتقول: «هو زوجى وأنا بحبه، هو كل حياتى، وماأقدرش استغنى عنه، هو حب عمرى كله، ولدينا رصيد كبير وحب كبير يخلينى أقدر أسامحه مهما غلط».. هنا تركز الكاميرا على بيومى وهو فى الحمام ويسمع زوجته تقول هذا الكلام.. تذهب ليلى علوى إلى غرفتها ويخرج بيومى وأولاده من الحمام ليشكر تامر هجرس.. الذى بدوره يقول: «أنا مش هشوف علاقة جميلة زى دى.. بتدمر قدامى عشان نزوة».
يعتذر بيومى للراقصة أنه لن يتزوجها ويعود إلى حجرته، ولكنه يجد ليلى علوى قد قررت السفر، بل وتطلب منة الطلاق وتصرح له بأنها متفهمة لماذا يمكنه أن يتغير وهذا أمر عادى بعد طيلة سنوات الزواج، ممكن أن يحدث الملل والزهق، وتطلب الطلاق.
بمجرد الوصول إلى القاهرة، ينهار هو واضعاً يده على كتفه مصاباً بأعراض جلطة، يأتى ولداه ومعهما الطبيب الذى يأمر بنقله إلى المستشفى لكنه يرفض، ويقول: «أنا مش عايز أعيش أصلاً.. أمكم عايزة تطلق وأنا مش هعيش من غيرها.. فالحياة مش فارقة معايا». تتعاطف معه الزوجة الرقيقة، التى لا تبيع عشرة العمر فيقول لها: «سامحينى»، ويحتضنها، وهنا يتراهن الجمهور فى صالة العرض هل تدخل تامر هجرس كان مجرد صدفة يعدل بها أحداث حياتهم ويخرج لهم من البحر ويصل بالسيناريو الذى صنعه بأن يلغى من عقل الزوج فكرة زواجه من الراقصة.. أم كانت بتدبير مسبق وأن ليلى علوى كانت تعلم بكل شىء وكانت على اتفاق مع تامر هجرس ليظهر ويحل لها المشكلة؟
أما الفريق الذى فاز بالرهان فهو الذى توقع بالفعل أن الأحداث لم تأتى صدفة، حيث انتهى الفيلم بجلسة جمعت قبل أيام من السفر ليلى علوى بالطبيب النفسى تامر هجرس، وهى تحدثه هل شعر زوجها بالملل نظراً لانشغالها فى العمل؟
فيشرح لها أنها حالة يمر بها الكثير من الرجال فى هذا العمر، تطلب منه أن يساعدها وأن تحتفظ بعائلتها الجميلة وحبهم الذى كانت الناس تحسدهم عليه، فيقول لها: «اسمعى كلامى بالحرف وأنا هرجع لك جوزك أحسن من الأول»، وهو بالفعل ما حدث وعاد بيومى فؤاد إلى حضن زوجته وأسرته وبيته فى حالة من السعادة والبهجة، التى انتقلت بدورها للجمهور الذى خرج من قاعة الغرض مبتسماً وسعيداً.