الجمعة 3 مايو 2024

«تاج».. قدرات غير عادية ومعانٍ فلسفية

2-9-2023 | 13:23

هل فكرت يوماً أو تمنيت أن تمتلك قوة خارقة، قدرة غير طبيعية ليست عند البشر العاديين؟ وما عساها أن تكون هذه القدرة التى تتمنى أنت وغيرك وأنا وآخرون أن نمتلكها؟ وماذا سنفعل بها؟ وهل ستكون أفعالنا هذه للخير أم للشر؟

 

 

 

أسئلة عديدة تبدو خيالية ربما، أو فلسفية فى حين آخر، ولكنها فيما يبدو هى نفس الأسئلة التى لعبت بأفكار الفنان تامر حسنى ودفعته لأن يكتب قصة وسيناريو وحوار فيلم «تاج»، الذى نتحدث عنه اليوم، فيما أطرح عليك عزيزى القارئ سؤالاً آخر: هل تتذكر معى أفلاماً مثل «سر طاقية الإخفاء» أو «الفانوس السحرى» وغيرهما من الأفلام التى اعتمدت على شىء خارج الإطار الواقعى سواء كان خيالاً علمياً أو استخداماً لآلة الزمن أو الاعتماد على الظواهر غير الطبيعية، وربما عوالم خارقة غير موجودة فى حياتنا اليومية المعتادة، وقد نذكر أيضاً أمثلة مثل أفلام «طير أنت»، «بنات العم»، «سمير وشهير وبهير»، «الحرب العالمية الثالثة»، «الحاسة السابعة» وغيرها، ونحن نعلم أن هذه الأفلام تصنف كـ«أفلام فانتازيا»، حيث تعتمد على الكوميديا بشكل كبير أو هكذا تبدو فى إطارها الخارجى، لكنها تحمل فكرة ربما تكون فلسفية إلى أبعد حد كما قدمها فى أحسن حالاتها مخرجنا الكبير رأفت الميهى، الذى اشتهر بتقديم هذه النوعية من الأعمال، فقدم لنا على سبيل المثال لا الحصر «سمك لبن تمر هندى»، «تفاحة»، «ميت فل»، «علشان ربنا يحبك»، «يا مهلبية يا»، «السادة الرجال»، «سيداتى آنساتى».

أما فيلم «تاج»، وهو عنوان الفيلم الذى يحمل اسم بطله ودوره فى العمل، حيث يؤدى تامر حسنى دور الشاب تاج الذى يبدو فى أولى لقطات الفيلم وهو يفطر مع والدته هالة فاخر، التى تظهر من خلال الحوار أنها ليست أمه، ولكنهما يعيشان معاً، حيث كانا جيراناً، ثم ولأنه يفتقد الأهل والأسرة، وهى تفتقد ابنها المسافر، فتقول له: «إنك عوضتنى عنه»، وذلك على خلفية أن تامر حسنى هو طفل تربى فى دار للأيتام وخرج منها كبيراً ليعيش حياته ومستقبله، وحيث كان مدير هذه الدار، الذى يلقبه بـ«بابا»، وهو الفنان الكبير محمد أبو داود يحبه ويرعاه ويهتم بأمره فيوصى عليه أن يعمل فى مدرسة كمشرف اجتماعى، يذهب إلى هذه المدرسة ليتعرف على دينا الشربينى مدرسة الموسيقى «ميس تمارا» المحبوبة من أطفال المدرسة، أما هو فيذهب ويجتمع مع المدرسين ومدير المدرسة، فيبدأ «تاج» فى طرح أفكاره فيغار منه أحد الأساتذة بالمدرسة وهو كبير، ولكن لا عقل له، ويصل الأمر لحد معايرته بأنه خريج ملجأ، ومن هنا يقرر «تاج» أن يتحدى كل الصعاب ويذهب إلى دار الأيتام ليشكو حاله إلى أبيه الروحى محمد أبو داود ليعلمه بخبر مهم، وأن الرجل الذى كان دائماً ما يأتى ليسأل عنه، جاء وطلب مقابلته لأمر ضرورى، لنعرف بعد ذلك أن هذا الرجل هو النجم الكبير أحمد بدير.. يذهب إليه تامر حسنى لملاقاته، فيحكى له أنه جده وهو الذى وضعه فى دار للأيتام، معترفاً بأنه ظلمه، ولكنه اليوم يريد أن يبرئ ضميره، فحكى له: «أبوك وأمك ماتوا بعد ولادتك بفترة قصيرة، وأنا اللى وديتك الملجأ.. أنا ظلمتك.. ادينى فرصة أكفر عن ظلمى ليك.. هقول لك على حاجات مهمة وخطيرة مش عايزك تتخض منها» ويكمل: «نحن من أبناء سلالة تمتلك قوة عظيمة، جبارة، يتوارثها الأحفاد»، ويشير بدير إلى كتاب فيه تاريخ العيلة، قد جمعه بنفسه، يحكى عن تاريخهم فى الجبروت والشر والأذى قائلاً: «كلنا كنا أشرار، وأنا حاولت أن أصل إليك حتى تغير تاريخ هذا العيلة، وتستخدم هذه القدرات الخارقة فى مساعدة المحتاج، ونصرة الخير والحق، والوقوف بجوار المظلوم، ستصبح أول بطل خارق لا يؤثر فيك رصاص ولا نار ولا هجوم حيوان»، ويحذره: «بس اوعى تستعمل قوتك فى الشر، ويضحك عليك الشيطان كما فعل معنا».

 يرتبك «تاج» من هذا الكلام، ويمشى دون أن يكمل جده الحديث، ويذهب إلى أبيه الروحى ويحكى له ما جرى، ولكنه عندما يذهب إلى بيته يخشى أن يحكى لأمه، ثم تبدأ ظهور علامات خارقة فى تصرفاته، حيث تتلبس جسده قوات خارقة فيكسر الباب بمجرد عطسة من أنفه، وفى المدرسة يحتفل مع دينا الشربينى بعيد ميلادها وبمجرد إطفاء الشمع يطير الطلاب ويستطيع هو القفز لمسافة 20 متراً، ليأتى بكرة يلعبها الأطفال، ويبدأ بالفعل «تاج» من خلال لقاءاته فى الشارع ومصادفاته يساعد العجائز والأطفال لدرجة إنقاذ طفلة من حادث مرورى مروع باستخدام سرعته الفائقة فى الجرى، فيما ينقذ «أتوبيس» كان سيسقط من أعلى كوبرى الجامعة بحمله بيديه، فتبدأ السوشيال ميديا تتحدث عن هذا البطل الذى أطلقوا عليه «عفريت الغلابة»، وتظن دينا الشربينى والتى بدأت تنشأ بينهما قصة حب أنه شبيه له، وهو لا يصرح لها بالحقيقة، ولكن يصل الأمر إلى أن يفكر فيها لأن أحد عناصر قوته الخارقة أنه عندما يفكر فى أحد يذهب إليه فى التو واللحظة، فتجده دينا فى غرفة نومها، وعندما تناديها والدتها يخطفها لتصبح فى غرفته هو، ثم يعود بها لغرفتها، فتبدأ هى فى ملاحظة هذه القوى الخارقة عليه، وتعاتبه أنه أخفى الأمر عليها، فيقول لها: «أخفيت عليك عشان ما تخافيش منى، الناس بتتصور إنى جن أو عفريت أو ملبوس لأنه مش عادى إن دى حاجة بتحصل كل يوم لكل الناس فخفت تخافى منى وتسيبينى».

تطمئنه دينا: «أنا عمرى ما هبعد عنك وأنت بتعمل خير وبتساعد الناس، أنا فخورة بك يا تاج».

يبدأ فى التعرف على أسرتها ووالدتها ليلى عز العرب، وتبدأ دينا فى اختبار قوته الخارقة على مقاومة الرصاص، فيعطيها مسدساً لتضربه بالرصاص.. هى تخشى، ولكنه يجتاز هذه التجربة أيضاً ويصرح لها بأنه ما زال يخشى أن يصارح والدته، ولكنها تصر على أنها يجب أن تعرف، فيذهبان إلى هالة فاخر التى تتعرف على دينا العروسة ويبدأ هو يحكى لها أنه «عفريت الغلابة» فلا تصدق الأم، ولكنه يختفى ويعود أمامها فى لحظات، فيغمى عليها من «الخضة»، حتى تقتنع ودينا تقنع حماتها المستقبلية بأن هذه القوة لن يستخدمها «تاج» إلا فى الخير ومساعدة الناس، ويبدو «تاج» غير سعيداً قائلاً: «ليست هذه هى الحياة التى اخترت أن أعيشها، أنا كنت مكتفى بأن أعمل وأتزوج وأستقر»، فتدعو له الأم: «ربنا يحميك»

.

 على جانب آخر، وبعد سلسلة من المشاهد الكثيرة التى لعبت فيها الخدع السينمائية دوراً كبيراً لتصوير هذه الطاقات والقدرات والمهارات الخارقة فى الطيران والاختفاء وما إلى ذلك، يبدأ التصاعد الدرامى، حيث صراع الخير والشر، ولأن الجد كان قد نوى أن يحكى له بقية السر إلى أنه تسرَّع ومضى دون أن يستمع إلى جده، ليظهر أن باقى السر هذا أن له شقيقاً توأماً، حيث يظهر تامر حسنى فى دور هذا التوأم باستخدام عدسات زرقاء هى التى تفرقة عن «تاج»، ويسمى الشقيق التوأم «هارون»، ولكنه يمثل الشر المطلق، ويذهب له ويحكى له «أنه مثلما رماه جده أمام دار أيتام.. أيضاً رماه أمام باب جامع، ثم أخذته عيله وربته»، ويكمل: «التقيت أنا أيضاً بجدى الذى كشف لى سر قدراتنا الخارقة، وأنا لدى نفس قدراتك فيما عدا القدرة على الاختفاء، وقد أتيت إليك اليوم لأتفق معك أنك بهذه القدرة الخاصة تسرق البنك المركزى، ونقسم الفلوس بالنص».

ويتحدث هارون بلغة حادة عنيفة، فيرفض «تاج» هذا الكلام، فيقول له: «أنت دائماً ما تتسرع.. وما زال لديّ سراً أخفيه عنك، فعليك أن تمتثل لأوامرى»، وعندما يرفض «تاج»، يضربه شقيقه هارون بعصا، فيغشى عليه، حيث هذه العصا التى منحها له جده بها أيضاً سر، لدرجة أنه إذا وضع هذه العصا على «تاج» لمدة دقيقتين فإنه سيموت، ومن هذه اللقطة وهذا اللقاء وتلك المواجهة تنقلب أحداث الفيلم رأساً على عقب.. ويتصاعد الصراع بين الشقيقين، ونبدأ ندخل فى عالم هارون الشرير الذى يذهب إلى ملهى ليلى، حيث يلتقى بصديقته «اللعوب»، وحيث يخفى لديها الكتاب الذى أعطاه جده له، الذى هو ما زال مليئاً بالأسرار العديدة عن قوتهم الخارقة وقوة عائلتهم، تقول له الفتاة: «أنا لدى فكرة تستطيع بها الضغط على تاج لإقناعه بإتمام عملية السرقة» ليفاجأ «تاج» فى اليوم التالى بأنه يدخل إلى المدرسة وسط فضيحة يعلن عنها المدرس الذى يكرهه، حيث رصدت كاميرات المراقبة عملية سرقة قام بها شقيقه ولكن المتهم فيها هو «تاج»؛ لأنه يظهر بوجهه وهو يسرق خزينة المدرسة وسط ذهول الطلاب والمدرسين الذين يثقون تماماً أن «تاج» لا يمكن أن يقوم بهذا الفعل، أما «تاج» فيتلقى اتصالاً تليفونياً من شقيقه ليضغط به عليه، ويكمل هارون حديثه مع صديقته بأن من خبايا هذا الكتاب وأسرار القوى الخارقة فيه أنه إذا وضع العصا على «تاج» لمدة دقيقتين فسيموت وأن مَن سيموت الأول يمنح قوته إلى شقيقه، ومن هنا يبدأ هارون فى التفكير فى التخلص من شقيقه ليكتسب قدرته فى التخفى.

 يظهر أيضاً أحد أبطال الفيلم، وهو النجم عمرو عبدالجليل وهو «رئيس مؤسسة لمكافحة الخوارق» ويأتى بـ«تاج» ليتعرف عليه ويرغب فى مساعدته فى إثبات براءته ويبدأ «تاج» فى التفكير فى إعداد خطة ويذهب متقمصاً شخصية شقيقه هارون مرتدياً العدسات الزرقاء ليخدع صديقته، ويدخل معها إلى غرفتها ويستحوذ على الكتاب ويذهب يحكى إلى عمرو عبدالجليل الذى يصر على أنه يجب التوصل لهذا الهارون والقبض عليه قبل أن يقتله ويعلن الإعلام كله عن ظهور التوأم، وأنه هو الذى سرق خزينة المدرسة ويفرح الجميع بإعلان براءة «تاج»، وتبدأ «قوات مكافحة الخوارق»، التابعة لهذه المؤسسة فى التصدى إلى هارون، ولكن ولأنه لا تؤثر فيه ضربات رصاص أو حتى نيران فلا يستطيعون القبض عليه أو حتى قتله، تقوم المؤسسة بتصميم بدلة خاصة لـ«تاج» وقناع يواجه به شقيقة دون أن تستطيع العصا إذا لمسته أن تؤثر فيه ولكن الخطة أن هو الذى يختطف أخاه ويذهب به إلى سجن خاص معد فى هذه المؤسسة بقوات كهربائية خاصة لا يستطيع هارون الإفلات منها.

تقام مباراة بين التوأمين على مرأى ومسمع الجميع يرتدى فيها «تاج» البدلة الخاصة، التى عندما يضربه بالفعل هارون بالعصا لا تؤثر فيه ويقوم ويكمل معه المعركة، ولأنه يملك القدرة على التنقل من مكان لآخر فيقبض «تاج» على هارون ويطير به إلى الغرفة الكهربائية، حيث يسجن فيها ويفوز البطل الخيِّر فى نهاية العمل.

 فيلم «تاج» قدم لنا وجبة دسمة تحمل «كوكتيل» من الأنماط السينمائية بين الأكشن والكوميديا والغناء والرومانسية، وإن غلب الطابع الفانتازى كما قلنا، الذى أجادت فيه المخرجة سارة وفيق، باستخدام المونتاج السريع، وبراعة لقطات التصوير الخارجى، كما اعتمدت بشكل كبير على الخدع السينمائية وجاء تمثيل الأبطال جميعاً موفقاً إلى أبعد حد كل فى دوره.. لا سيما تامر حسنى الذى استطاع التلون بين النقيضين «ملامح الخير والشر» بين «تاج» و«هارون».. ليفوز «تاج» دوراً واسماً.