لطالما استمعنا واستمتعنا بالعديد والعديد من الأغانى الوطنية التى شدا بها كبار المطربين والمطربات العظماء، الذين عبروا بأصواتهم عن مشاعرهم الكبيرة وحبهم النبيل الذى لا يوجد مثله فى أى مكان سوى مصر، فهؤلاء المطربون هم مَن نسجوا حب الوطن فى قلوب الجماهير من الصغير إلى الكبير، وزرعوا فى وجدان الملايين أرضاً خضراء لا تيبس أبداً فى حبنا لمصر، وكانوا صادقين فى هذا الحب، لذلك ظلت أغانيهم خالدة، وظل وإحساسهم الصادق باقياً إلى الآن.
ثورة 1919
تعد ثورة 1919 من أهم الأحداث المصرية التى أثرت فى مجال الأغنية الوطنية والحماسية، وقد عبرت الأغنية فيها عن الهوية المصرية، حينما جسد فنان الشعب، سيد درويش عبر ألحانه وصوته، مطالب الثورة بنشيد (بلادى بلادى... لك حبى وفؤادى)، إضافة إلى أغنية «قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك»، ليدغدغ بها مشاعر المصريين، ويحشدهم لمواجهة الاحتلال الإنجليزى، وقدم ايضاً أغنية «أنا المصرى كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرامين». حتى يأتى عام 1936 لينشد محمد عبد الوهاب أغنية «حب الوطن فرض علي... أفديه بروحى وعينيه» اعتزازاً بانتفاضة الطلبة واحتفالاً بمعاهدة 1936 التى أبرمها مصطفى النحاس زعيم حزب «الوفد» مع الإنجليز نظراً لاعتبار المصريين تلك المعاهدة انتصاراً كبيراً فى رحلة كفاحهم ضد الاستعمار.
ويستمر عبد الوهاب فى أداء الأغانى الوطنية، ولكن هذه المرة بمناسبة اندلاع حرب فلسطين عام 1948، فأججت الشعور الفنى والحس الوطني، الأمر الذى دفع مطرب عصره آنذاك إلى أن يشدو بقصيدة على محمود طه التى تندد باحتلال فلسطين «أخى جاوز الظالمون المدى... فحق الجهاد وحق الفدا» وغيرها. «يوليو» مفجرة الوطنيات ثم يأتى عصر ثورة يوليو المجيدة لتظهر والتحولات الكبرى فى مصر لتنفجر الأغانى الوطنية التى انهمرت فور نجاح هذه الثورة، ولتهدى أم كلثوم محبيها أغنيتها الخالدة «مصر التى فى خاطرى وفى فمي أحبها من كل روحى ودمى» بعد أسابيع قليلة فقط من قيام الثورة، ثم يتألق عبد الحليم ليشدوا بأول أغنية وطنية له وهى «العهد الجديد» فى نفس عام الثورة، لتكون «إحنا الشعب» أول أغنية يغنيها، ليتربع بعدها على عرش الأغانى الوطنية ومنها «صورة»، «بالأحضان»، «أهلاً بالمعارك»، «المسؤولية»، «حكاية شعب». ولم يكن المطرب الكبير محمد عبد الوهاب بعيداً عن الثورة أيضاً، فغنى «ناصر كلنا بنحبك»، «دقة ساعة العمل»، «والله وعرفنا الحب»، وشاركت أم كلثوم بقوة «مصر تتحدث عن نفسها»، «أنا الشعب»، «يا حبنا الكبير»، «ثوار ثوار»، «قوم بإيمان وبروح وضمير»، «طوف وشوف»،.
فى حين قدم عبد الوهاب بألحانه ملاحم غنائية وأوبريتات رائعة بمشاركة مجموعة من نجوم الطرب مثل «عاش الجيل الصاعد»، «صوت الجماهير»، «وطنى حبيبى».
شادية..
حالة خاصة من بين أجمل من قدموا الأغانى الوطنية الفنانة العظيمة شادية.. هذه الفنانة التى كانت تعشق تراب مصر، ولا تطيق عليها أى كلمة حتى على وجه الدعابة، التى كان أولاد أخواتها يقولونها عند مقارنة مصر بغيرها، فكانت تخاصمهم وتؤدبهم، وكانت لا تطيق البعد عن مصر، إلا بالكاد عدة أيام. شادية لها أغان كثيرة عاطفية، وأخرى وطنية، وتعتبر شادية أن الأغنية الوطنية هى أقوى الأغانى العاطفية، لأنها فى حب الوطن الذى هو أغلى من الجميع، وقدمت شادية عدداً كبيراًث من الأغانى الوطنية والتقت قمماً لحنية وقامات موسيقية كبييرة إلا أن تعاونها مع الموسيقار بليغ حمدى كان له طعم آخر ليبحر صوتها مع موسيقاه كما لم يبحر مع غيره، ذهب صوتها إلى موسيقاه فأظهرت ألحانه بعداً آخر فى صوتها، وقد بلغ الثنائى قمة المجد الفنى، كما أنه لم ينسَ أن يضع البصمة الأهم فى لقائهما معاً من خلال عدد كبير من الأغانى الوطنية مثل «عبرنا الهزيمة»، «غالية يا بلادى»، «يا أم الصابرين»، «ادخلوها سالمين»، «عدينا يا معداوى»، ليضع على قمة هذا التاج درته من خلال أغنية «ياحبيبتى يا مصر»، التى يرددها الجماهير بشكل مستمر.
وعن تلك الأغنية تحديداً وأغانيها الوطنية بشكل عام تحدثت شادية قائلة: «نعم قدمت أغانى عاطفية كثيرة، لكنى أعتبر أننى عندما أغنى لبلدي، فهذه أغنية عاطفية أكثر، بل صادقة أكثر لأن الأغنية الوطنية الواحد بيقولها لبلده ولأرضه، ومن إحساس أصدق، فلا يمكن أن تطلع من قلبنا، وكنت هعمل حفلة وبنحضرلأغنية اسمها (عالى)، وكان يأتينى الملحن بليغ حمدى والشاعر محمد حمزة.. ليحفظانى الأغنية، وكان بقالى4 سنين ما بغنيش فى المسرح، وأثناء ما كانا يحفظاني.. وإحنا قاعدين بنقول يا حبيبتى يامصر.. بنقول كده بعفوية، ومن القلب، قام حمزة ليكتب الكلام فى ساعتها وإحنا قاعدين، وبليغ كان جاهز بالعود معاه عشان اللحن الآخر، والله ليلتها كانت الأغنية خلصت، وتانى يوم ذهبنا إلى الإذاعة أخذنا تصريح لغناءها، وثالث يوم سجلناها قبل (عالى)، ثم إذيعت فى الحفلة وكنت أغنيها بعاطفة وبإحساس.. كل الناس أيضاً استقبلوها بحب. وتضيف شادية: «لا أستطيع أن أصف شعورى وأنا أغنيها لأن حب الوطن هذا حب آخر تماماً غير حب الأم أو الطفل أو الزوج خصوصاً الواحد لما بيسافر بيحس بهذا الحب بطريقة رهيبة» شجرة شادية وتكمل شادية: «من ضمن كلمات الأغنية، يقول حمزة (ولا شاف النيل فى أحضان الشجر)، فهذه الجملة لها تأثير كبير داخلى، فكلما أغنيها أتذكر أننى ساكنة أمام النيل وهناك شجرة أسميها الشجرة بتاعتى، لأن فروعها كلها نازلة على النيل، فحمزة كان لا يعرف هذه الحكاية إنما لما كتبها لا تتخيلوا فرحتى بها وبهذه الجملة، وكلما أغنيها ترى عيونى أننى أقف بجانب هذه الشجرة، وأراها وهى تحضن النيل والنيل يحضنها».
عبدالحليم..
مطرب الثورة كما كان عبدالحليم حافظ من أشهر مطربى الأغانى الوطنية أو الحماسية، والذى لقبوه بـ«مطرب ثورة يوليو»، ولمَ لا؟.. فقد ساهمت أغانيه بقدر كبير فى التعبير عن الثورة، فكان حليم سبّاقاً للغناء فى كل مناسبة وطنية، وساعده فى هذا الشاعر صلاح جاهين، والملحن كمال الطويل وغيرهم الكثيرون. فالأغنية الوطنية فى مصر تحديداً بدأت قبل ثورة يوليو، ولكنها انتشرت بعد الثورة انتشاراً كبيراً، وتبارى جميع المطربين فى أدائها، خاصة أنها كانت تحقق نسبة استماع مرتفعة جداً، وقد تألق جميع المطربين تقريباً فى غناء تلك الأغانى، ولكن لا أحد يبارى عبد الحليم على الساحة منذ ثورة يوليو 1952 وحتى انتصار السادس من أكتوبر، فقد قدم نحو 15 أغنية وطنية من بينها «عدى النهار»، «ابنك يقول لك يا بطل»، «صباح الخير يا سينا»، «أحلف بسماها وبترابها»، «خلى السلاح صاحى».
أغانى ستظل خالدة ومع انتصارات أكتوبر المجيدة
تظهر أغنيات رائعة عبّرت بالفعل عن الحدث العظيم إلى حد بعيد، فبعد ساعات قليلة من بدء المعركة انطلق مبدعو مصر من مطربين وملحنين وشعراء ليبدعوا بمنتهى الصدق أغنيات خالدة ما زالت تسكن وجدان الملايين ومن أهمها «بسم الله... الله أكبر... باسم الله.. باسم الله» للمجموعة، و«أنا على الربابة بغنى» لوردة و«الباقى هو الشعب» لعفاف راضى و«لفى البلاد يا صبية»، «قومى إليك السلام يا أرض أجدادى»، «صباح الخير يا سينا» لعبد الحليم، ولا ننسى أغنية «أم البطل» لشريفة فاضل والتى غنتها بروحها بعدما ودعت ابنها الطيار المقاتل خلال الحرب، وكانت «رايات النصر» للمجموعة، و«مصر يا غالية» لنجاح سلام، و«ع البر التانى» لنجاة، و«سمينا وعدينا» لشهرزاد.. ليعيش المصريون والعرب حتى يومنا الراهن ذكرى أغلى انتصار.
المطربون العرب فى حب مصر
ونتذكر هنا أن المطربين العرب ساهموا أيضاً بقدر كبير فى الأغانى الوطنية لمصر لتترك أغانيهم أثراً كبيراً فى وجدان الشعب المصري، ومن بين هذه الأغانى أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود» التى تعد من أعظم الأغانى الوطنية التى تغنت بها المطربة اللبنانية نجاح سلام.. ولم تكن مطربة لبنان الفنانة الكبيرة فيروز بعيدة عن المناسبات المصرية لتغنى «مصر عادت شمسك الذهب» وكانت المطربة التونسية عليا قريبة من المصريين فى أغنيتها الشهيرة «متقولش إيه إدتنا مصر»، وكذلك قدم المطرب اللبنانى وديع الصافى أغنيته الجميلة «عظيمة يا مصر يا أرض النعم». ونختم بالمطرب الإماراتى حسين الجسمى الذى أصبحت أغنيته «بشرة خير» واحدة من أبرز الأغانى الوطنية المعبرة عن ثورة 30 يونيو.