لسنوات طويلة، مثلت فرق الفنون الشعبية فى فلسطين نموذجاً حياً لدعم الهوية الوطنية، وتعبيراً عن الآصالة والعراقة، ففى فلسطين يوجد أكثر من 20 فرقة للفنون الشعبية، متنوعة الأساليب، ومتوحدة الأهداف، مختلفة فى رقصاتها، عابرة للحدود، إلا أنها فى النهاية تتحرك جميعها بروح واحدة، وتغنى معاً بنفس درجة الصوت...
«الكواكب» تستعرض تاريخ فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، وأبرز أنشطتها ورقصاتها، والجوائز التى حصلت عليها من خلال السطور التالية...
تاريخ النشأة
بدأ تأسيس أول فرقة للفنون الشعبية فى فلسطين فى عام 1977، عندما اقترح عبدالله الحورانى المدير العام للدائرة الإعلامية الثقافية الفلسطينية على الشاعر أحمد دحبور، والملحن حسين نازك تشكيل فرقة فنية، وبالفعل انتقوا شباباً وفتيات مؤهلين ليكونوا نواة للفرقة الغنائية، كما تم اختيار أشعار لمحمود درويش، وسميح القاسم لتقدمها الفرقة التى أُضيفت إليها فرقة دبكة لتكمل التعبير البصرى إلى جانب الغناء.
وبعد هذه المرحلة بعامين تأسست فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية عام 1979 بجهود نخبة من الفنانين والفنانات، وقد استلهمت الفرقة عروضها من التراث الفنى الإنسانى بشكل عام، والتراث الشعبى الفلسطينى بشكل خاص، كجسم فنى مستقل، غير ربحى، يعتمد بالأساس على جهود متطوعيه ومتطوعاته، فقدمت أكثر من 1000 عرض محلياً ودولياً، وأنتجت 12 عملاً فنياً راقصاً، بالإضافة لعشرات اللوحات، وحصدت فى مسيرتها العديد من الجوائز الأولى وشهادات التقدير المميزة من مهرجانات محلية ودولية لتقدم الفرقة التراث الشعبى الفلسطينى، الغنائى والراقص، برؤية خاصة بها يجمع بين الأصالة والحداثة، فتعمل من خلاله على تطوير الفنون الأدائية فى فلسطين، للإسهام بالحفاظ وتطوير الهوية الثقافية الفلسطينية، وتعزيز روح الانتماء والتعبير والإبداع والعمل الجماعى.
البدايات
منذ البداية، عملت هذه المجموعة على تقديم أشكال الفن الشعبى الفلسطينى من موسيقى ورقص، بأسلوب مميز، فكان أول ظهور للمجموعة فى مهرجان للدبكة فى جامعة بيرزيت عام 1979، والذى تم بعده إطلاق اسم «فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية». وتطور عمل الفرقة فى أوائل الثمانينيات فى نفس الاتجاه، وانضم إليها المزيد من الأعضاء الواعين لأهمية الصراع ضد الاحتلال من خلال الثقافة والفنون، فجاءت عروضها المتتالية «لوحات فلكلورية»، «وادى التفاح» عام 1984، و«مشعل» عام 1986 و«أفراح فلسطينية» عام 1987 لتحمل رسائل جمالية وسياسية فى آن واحد لجمهور فلسطينى واسع لم يسبق له أن التف حول أى من الفرق التى برزت وانتهت فى فترة السبعينيات والثمانينات. ولعبت فرقة الفنون الشعبية خلالها دوراً مميزاً فى إحياء التراث الموسيقى والراقص، وتكمن أهمية هذا الدورفى الاحتفال السنوى بيوم التراث الفلسطينى، والذى بادرت لإطلاقه الفرقة فى عام 1986، كما لعبت فرقة الفنون الدور المحورى فى تأسيس مركز الفن الشعبى سنة 1987، وهو مؤسسة تهدف لرفع الوعى الثقافى والفنى فى المجتمع ولإتاحة الفرص للمشاركة فى النشاطات الفنية وفى أشكال التعبير الفنى المبدع. وحققت فرقة الفنون شعبية لم يسبق لها مثيل بين الفلسطينيين فى الوطن كما فى الشتات، وباتت أغانيها ورقصاتها يشدوها الفلسطينيون أو يرقصونها فى بيوتهم ومدارسهم ومناسباتهم الاجتماعية، واستمرت الفرقة فى عطائها ليمر عليها مئات الأعضاء فى كافة التخصصات ومن كافة الخلفيات الاجتماعية، فأضحت الفرقة مثل منزلهم الثانى ومجتمعهم المصغر يلتقى به اليوم أجيال مختلفة من راقصين وإداريين ومتطوعين، تجمعهم روح الانتماء إلى الوطن والإيمان بالفرقة ورؤيتها الإبداعية، وهو أحد أهم أسرار استمرار فرقة الفنون منذ أكثر من 40عاماً.
أبرز الجولات
وعملت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية على توسيع رقعة انتشارها فى العالم من خلال جولات فنية تم تنظيمها من قبل الجاليات الفلسطينية أو المؤسسة الفلسطينية الرسمية أو من خلال أصدقاء الفنون حول العالم،
وكانت الجولات الأبرز كالتالى: جولة الولايات المتحدة الأولى (15 مدينة)، فى عام 1986، وجولة الولايات المتحدة الثانية (20 مدينة)، عام 1991، وجولة بريطانيا وفرنسا (جوقة الغناء)، عام 1992، جولة مهرجان جرش الدولى - الأردن، عام 1994، مهرجان «من أجلك يا قدس» - الإمارات العربية المتحدة، عام 1995، مهرجان «ريتفيك الدولى للفلكلور» - السويد، عام 1996، ومهرجان «بابل الدولى» - العراق، عام 1996، مهرجان «إكسبو 98» - البرتغال، عام 1998، وجولة الولايات المتحدة الثالثة (5 مدن)، عام 1998، وجولة فرنسا (خمسة مهرجانات فلكلورية)، عام 1999، جولة دار الأوبرا - القاهرة، عام 1999، جولة لبنان - (خمسة عروض)، عام 2000، جولة «إكسبو 2000»، فى هانوفر - ألمانيا، وجولة الإمارات العربية المتحدة (3 مدن)، عام 2001، جولة دار الأوبرا- مسرح الجمهورية - فى القاهرة، عام، 2003، وجولة مهرجان الرباط، مسرح محمد الخامس - المغرب، عام 2004، جولة فاليتا - مالطا، عام 2004، جولة أودبنة، بولونيا - إيطاليا، عام 2005، جولة مهرجان بصرى الدولى - سوريا، عام 2005، جولة مهرجان الموسيقى العربية - البحرين، عام 2005، وجولة الولايات المتحدة، (3 مدن)، عام 2005، وجولة الولايات المتحدة، (4 مدن)، عام 2006، وجولة لندن - بريطانيا، عام 2007، وجولة سانت بولتن، فينا - النمسا، عام 2007، وجولة برلين - ألمانيا، عام 2008، وجولة فلاردينجن - هولندا، عام 2008، جولة دمشق - سوريا، عام 2008 ومهرجان «القرين» الخامس عشر - الكويت، عام 2008، جولة «ربيع الثقافة» - البحرين، عام 2009، وجولة افتتاح مهرجان حكايا - عمان عام 2009، جولة القاهرة والإسكندرية - مصر، عام 2009، جولة الرباط، الدار البيضاء - المغرب، عام 2009، جولة «إكسبو» شنغهاى - الصين، عام 2010، جولة الدوحة - قطر، عام 2010، جولة موسكو، سانت بطرسبرغ - روسيا، عام 2011، جولة ميلانو، فلورنسا - إيطاليا، عام 2012، جولة مهرجان حكايا - الأردن، عام2014، جولة أوتو، مونتريال، تورونتو - كندا، عام 2014. الجوائز
حصلت الفرقة منذ نشأتها على مجموعة كبيرة من الجوائز، أبرزها تكريم خاص من وزارة الثقافة الفلسطينية بيوم الثقافة الوطنى تقديراً لجهودها واعتزازاً بدورها الريادى فى الثقافة الوطنية فى عام 2015، وشهادة ودرع تقدير منحت لفرقة الفنون تقديراً لجهودها فى خدمة الفن والتراث الفلسطينى فى مؤتمر التراث الخامس لعام 2013 الذى نظمته جامعة النجاح الوطنية. كما حازت فرقة الفنون على «جائزة ياسر عرفات للإنجاز» للعام 2011 تقديراً لدورها البارز فى الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية واستلهام التراث الشعبى فى بناء أعمال فنية معاصرة، وحصلت على جائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع لعام 2010 لتميزها فى الأداء الفنى والفلكلورى المقدمة من شركة الاتصالات الفلسطينية للتنمية المجتمعية. كما حاز فيلم «إنقاذ عاطفى للفنون» مع المخرجة الألمانية هيلينا ولدمان على جائزة خاصة من «مهرجان الجزيرة الدولى» للإنتاج التليفزيونى الثانى لتفرده بالشكل الفنى المتميز فى تعبيره عن معاناة الشعب الفلسطينى فى قطر 2006، وحصلت على جائزة فلسطين للتراث الشعبى لعام 97 عن عملها «زغاريد»، المقدمة من وزارة الثقافة الفلسطينية.
كما حصدت الفرقة جائزة الشهيد نوح إبراهيم المقدمة من «اللجنة الأردنية - الفلسطينية لرعاية التراث الشعبى الفلسطينى» عام 89، بالإضافة إلى 10 جوائز للمراتب الأولى فى الأعوام 79 حتى 86 على التوالى فى مسابقات الدبكة الشعبية. أشهر الإنتاجات وقدمت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية ومنذ تأسيسها 11 عملاً فنياً متكاملاً فى العناصر الفنية والأدائية وعملت الفنون على أن تكون تجربة كل عمل فنى وليدة فى ذات العمل لحمل التجربة للعمل القادم، مما أدى إلى تميز كل عمل فنى بصبغة خاصة دون حمل الصفات الفنية من العمل السابق ولكن فى نفس الوقت اشتركت كافة العروض فى التجديد والإبداع وتنوع الرسائل، وكان أبرزها كالتالى: «صور وذاكرة» عام 2009، «رسالة إلى» عام 2007، «رقصة شمس» عام 2006، «حيفا، بيروت وما بعد» عام 2003، «زغاريد» عام 1997، «طلة ورا طلة» عام 1994، «مرج ابن عامر» عام 1989، «أفراح فلسطينية» عام 1987، «مشعل» عام 1986، «وادى التفاح» عام 1984، «لوحات فلكلورية» عام 1982.
كما قدمت مجموعة من العروض الحديثة وأبرزها «للحرية نرقص»، وهو عرض رقصات مختارة من أعمال فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية تتجدد كل عام بما ينتج خارج إطار الأعمال الفنية الكاملة، تجمع بين الفلكلورى والمعاصر مدتها 70 دقيقة، ويشتمل البرنامج على رقصات مستوحاة من العرس العربى الفلسطينى ورقصات تعبرعن الاضطهاد والمقاومة، وأخرى تعبر عن الحلم والكرامة.
كما قدمت عرض «حزرية»، وهو عبارة كلماتٌ على حد السخرية، وموسيقى على حد المفارقة؛ معاً فى مشروع غنائى موسيقى يضم 10 أغنيات، من إنتاج فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، يقوم على استضافة خاصة لمجموعة من المغنين والمغنيات والموسيقيين والموسيقيات فى عمل يقوم على نصوص الشاعر وسيم الكردى وتوزيع موسيقى للفنان يعقوب حمودة. وعرض «طلت» وهو عمل فنى راقص لبراعم الفنون الشعبية، مبنى على الأسطوانة الفلكلورية «زاجل» القادمة زمانياً من محطات فى التاريخ الفلسطينى وتاريخ فرقة الفنون، بحضور الأنثى فى مجموعة من الأغانى كصدى للأرض والثورة إلى الأم والحبيبة، بمجموعة من اللوحات الراقصة التى لا تحكى قصة واحدة، بل قصص براعم الفنون أنفسهم مجتمعة.
وأخيراً عرض «أشيرا».. هذا العمل الفنى الجديد، جاء كتتويج أكثر من 4 عقود من تاريخ فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، والتى تهدف من خلاله إلى إبراز جمالية الرقص والغناء والموسيقى الفلسطينية بما يعزز تعميق الانتماء للجذور والتواصل الثقافى مع العالم، فبعد سنين من التجريب والحوار والبناء الفكرى، وبعد التعامل مع أجناس وعناصر جديدة فى الموسيقى والرقص والأزياء، يأتى عمل «أشيرا» الجديد ليؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الفرقة، والذى ساهم بتطوير الفنون الأدائية فى فلسطين ويحمل هوية الرقص الفلسطينى المعاصر إلى أبعاد جغرافية عالمية تسعى الفرقة من خلالها لوضع اسم فلسطين على خارطة الرقص العالمى.