4-11-2023 | 14:06
شيماء محمود
يقولون إن الصورة تساوى ألف كلمة، لكن قليلين يدركون أن الرسم يمكن أن يساوى مليون كلمة لم تقل، وأنه يمكن أن يؤدى إلى التغيير المرغوب فيه، ولذلك فبعض رسوم الجرافيتى أصبحت محفورة فى أذهان عامة الناس.
من هذه الرسومات نجد أعمال بانكسى على الجدران فى فلسطين حيث تسلط أعماله أحياناً على نضال الشعب الفلسطيني وصموده وتطلعاته، وتلقى الضوء على تأثير الصراع على حياتهم اليومية من خلال كتاباته على الجدران فى فلسطين .
بانكسى هو مجرد اسم مستعار للفنان البالغ من العمر 49 عامًا، والذى يعتقد أنه ولد فى بريستول بالمملكة المتحدة، على الرغم من أن اسمه الحقيقى لا يزال مجهولاً. ويشتهر “بانكسى” بالجرافيتى الذى يتم تنفيذها على استخدام الإستنسل، وهى طريقة سريعة وسهلة لرسم صورة على الحائط، ويعتبر أحد أفضل فنانى الجرافيتى وأكثرهم تأثيرًا فى العالم من قبل المقيمين الفنيين والأكاديميين وجامعى الأعمال الفنية.
وقد جاء قرار بانكسى بإنشاء أعمال فنية فى فلسطين نابعا من تفانيه فى تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية من خلال فنه، حيث يسعى بانكسى إلى لفت الانتباه إلى النضالات التي يواجهها الفلسطينيون وكان يهدف من خلال كتاباته إلى تحدى المفاهيم وإثارة التفكير حول واقع الحياة فى المنطقة، مما أدى فى النهاية إلى لفت انتباه العالم إلى الوضع الفلسطينى.
وقد حظى العديد من الأعمال الفنية البارزة باهتمام كبير وتم توثيقها جيدًا فى مصادر مختلفة عبر عدة رحلات لفلسطين بداية من 2005 وحتى2017.ولذلك حققت الأعمال الفنية التى نفذها فى الضفة الغربية انتشارا هائلا عبر الإنترنت مما قد لفت انتباهًا أكبر إلى الشعب الفلسطينى.
ومن بين تلك الأعمال ما رسمه فى أغسطس 2005، حيث أدرج بانكسى عدة اشكال مختلفة من سلسلة من الجداريات على حاجز الضفة الغربية منها شكل حمل عنوان “مناظرة البالون” للفتاة التى تطفو فوق الجدار وهى متمسكة بمجموعة من البالونات ، ونجد أيضا لوحة “فتاة مع بالون” على جدار الضفة الغربية صور خلالها بانكسى فتاة صغيرة تمتد للحصول على بالون على شكل قلب وهو يطفو بعيدًا، وتعتبر هذه اللوحة رمزًا للأمل والصمود فى ظل الصعوبات التى يواجهها الفلسطينيون، وأصبحت تمثيلًا معروفًا على نطاق واسع.
كما تناولت أحد الأعمال طفلين مبتهجين يحملان دلوًا ويقفان أسفل فتحة فى الجدار تفتح على منظر من الطبيعة الاستوائية، وفى صورة أخرى، قام بتحويل الجدار إلى غرفة جلوس مريحة مكتملة بكرسيين ضخمين بذراعين ونافذة تحيط بمناظر طبيعية لجبال الألب. وتظهر صور أخرى طفلاً صغيراً راكعاً عند سفح سلم حبلى يلتف إلى أعلى الجدار، ومن الأعمال التى أثارت ردود أفعال وصدى دولى جدارية”قاذف الزهور” The Flower Thrower بجدار الضفة الغربية، وتصور محتجًا فلسطينيًا يستعد لرمى باقة من الزهور بدلاً من سلاح، رمزًا لصمود ومقاومة الشعب الفلسطينى السلمية فى مواجهة الصعاب.
أما فى زيارته خلال عام 2007 أنتج سلسلة أخرى من الأعمال فى مناطق متفرقة حملت عنوان “ توقف وابحث” stop and search” حيث صور واحدة بالقدس لفتاة وجندى، ويصور العمل فتاة صغيرة تفتش جنديًا مسلحًا يرتدى الزى الرسمى ويضع يديه على الحائط، ومن خلال تبديل دور الفتاة والجندى،.
ومن الأعمال المثيرة للاهتمام أيضا لوحة “الحمامة المدرعة للسلام” armored dove of peace 2007، بجدار الضفة الغربية ، ويصور هذا العمل حمامة ترتدى سترة واقية من الرصاص، حاملة غصنا من الزيتون رمزًا لطبيعة السلام المتعثر فى وتسلط الضوء على تعقيدات تحقيق المصالحة المستدامة فى فلسطين.
وقد صور أيضا بانكسى عدة جداريات عام 2015 أبرزها جدارية لقطة تلهو لعبا على أنقاض منزل، قال شهود عيان إنه دمر فى بلدة بيت حانون فى شمال الضفة الغربية، وقد جاء العمل فى دلالة ترمز للحاجة إلى التعايش والتناغم فى منطقة مزقتها الاضطرابات السياسية والانقسام..
كما قام برسم شخصية يونانية باكية تشبه لوحة المفكر لرودان، تبدو فيها المرأة وكأنها تبكى مع وضع يدها على رأسها والتى حملت عنوان “أضرار القنبلة” bomb damge ، وذلك بمدينة غزة ، ونفذ أيضا لوحة جدارية أخرى فيها صور لأطفال يتأرجحون فى جولة ببرج مراقبة وهو ما أطلقه على اسم العمل، ويلاحظ أنه غالبًا ما يستخدم بانكسى الأطفال فى فنه كشخصيات مركزية لتوصيل الأفكار إلى المجتمع. كرمز لمستقبلنا.
أما فى 2017 فقد قرر بانكسى أن ينشئ فندقا فى بيت لحم أطلق عليه اسم “وولد أوف” Walled Off Hotel” لتشمل بعض أعماله البارزة ، والذى يضم العديد من الجداريات التى تسلط الضوء على النضال الفلسطينى، بالإضافة إلى أعمال الجرافيتى المختلفة على حاجز الضفة الغربية، المعروف باسم الجدار العازل، والتى نالت اعترافًا عالميًا، وأحد الأسباب وراء إنشاء فندق «وولد أوف» كان توفير منصة للحوار والتأمل حول واقع الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، بتقديم مساحة يمكن للزوار من خلالها التفاعل مع القضايا بطريقة تحفيزية وغامرة، من خلال فنه وتصميمه، يعتبر الفندق مكانًا للمشاركة النقدية مع القضية الفلسطينية.
وقد تم تصميم الفندق، الذى يقع مقابل الجدار الذى يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، بواسطة الفنان بانكسى، كمحاولة رائعة لفهم حياة الفلسطينيين المحكوم عليهم بالعيش خلف تلك الجدران ، وقد شارك الفنان فى تنفيذ الجداريات كل من الفنان الفلسطينى سامى موسى والفنانة الفرنسية الكندية دومنيك بيترين، و تعكس هذه الأعمال داخل فندق “وولد أوف” الخليط الفنى الخاص ببانكسى من التعبير الفنى والتعليق السياسى، مدعوة المشاهدين إلى التفكير فى الواقع القاسى للحياة فى فلسطين.
فعلى سبيل المثال نجد على بعد خطوات من الفندق أحد أعماله وهو تجسيد لمالكين يحاولان فتح جزء من الجدار، بينما لوبى الفندق الذى أطلق عليه “اللوبى مع إطلالة” – عبارة عن أعداد تقليدية للوبى الفندق مع لوحة مناظر طبيعية جميلة، ومع ذلك، يتم عرقلة المشهد الجميل بسبب وجود حاجز خرسانى مع أبراج مراقبة، مما يسلط الضوء على طبيعة العائق الثابت وتأثيره على حياة الفلسطينيين اليومية ويعتبر العمل انتقادًا للوجود المستمر للحاجز، مؤكدًا على القيود التى يفرضها على الحركة.
كما جسد عمل “جرح بيت لحم” - مشهد المهد مع الطفل يسوع فى المهد، محاطًا بهالة مقدسة تقليدية. ومع ذلك، يتم تناقض القطعة مع ثقب رصاص كبير يشبه النجمة، يمثل العنف والصراع الذى ألحق الضرر بالمنطقة.
بينما عمل من السهل الحصول على الصفحة مقابل الحصول على الإذن الذى يقع فى بار البيانو فى الفندق، يتميز برسم يبدو تقليديًا لامرأة من عصر الفيكتورى مع كلمات من السهل الحصول على الصفحة مقابل الحصول على الإذن، تعتبر القطعة انتقادًا دقيقًا للعقبات البيروقراطية التى يواجهها الفلسطينيون فى حياتهم اليومية، مسلطة الضوء على التحديات المتعلقة بالحصول على تصاريح بشكل عام .
تركت أعمال بانكسى الفنية على الجدران فى فلسطين علامة لا تمحى، ليس فقط على المجتمعات المحلية ولكن أيضًا على الوعى العالمى، ولا يزال فنه بمثابة شهادة على صمود ومثابرة الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل الحرية وتقرير المصير.