لم تكن واقعة التنمر التى تعرضت لها الإعلامية والفنانة نجوى إبراهيم، خلال الآونة الأخيرة سوى حلقة من سلسلة طويلة من الوقائع التى تعرض لها بعض الفنانون على مواقع التواصل الاجتماعى، فمجرد بث صورة شخصية أو تعليق لأى فنان أو فنانة، يكفى أحياناً لأن يقع صاحبها تحت وابل من السخرية، لتشتعل معارك كلامية، لتبرز ظاهرة سلبية علي مواقع التواصل الاجتماعي.. «الكواكب» طرحت تساؤلات حول التنمر من قبل البعض على بعض الفنانين عبر منصات السوشيال ميديا؟ وأسبابها؟ وهل يمكن الحد منها؟ وذلك من خلال السطور القادمة.
«آخر الضحايا»
ففى البداية أثارت تصريحات الإعلامية نجوى إبراهيم حول مرضها تعاطفاً كبيراً، حيث تصدرت محركات البحث، بعدما كشفت عن إصابتها بمرض السرطان وإجرائها عمليات جراحية عدّة، بعد تعرضها لتعليقات اعتبرت «سلبية» من بعض المتابعين على مواقع التواصل.
وعبر عدد من الفنانين والجمهور عن تعاطفهم معها، وهى التى اشتهرت سابقاً بلقب «ماما نجوى»، وعُرفت ببرامجها الناجحة للأطفال على شاشة التليفزيون المصرى خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات، وكانت المذيعة اللامعة قد طالعت ما عدّته «آراء سلبية صادمة عنها» من متابعين، ما جعلها تظهر فى فيديو بثته الإذاعة الشهيرة التى تعمل بها قالت فيه: إنها «لأول مرة تقرأ تعليقات بهذا الشكل»، ووجهت سؤالاً لأصحاب هذه التعليقات: «هل تريدون منى أن أعتزل؟» وأضافت «عمرى 80 سنة ومريضة بالسرطان وأجريت جراحات عديدة وسأعتزل وأموت قريباً»، وتابعت أنها قد تعتزل بالفعل لأنها “زهقت”. وأوضحت إبراهيم موقفها قائلة: «لا أعمل لأجل تربية أولادى، بل لأننى فرحانة بكم وسعيدة وأتشرف بكلامى معكم»، واختتمت بقولها: «حبوا بعض».
وبعد حملات الدعم لها، من قبل الفنانين، والإعلاميين نشرت نجوى إبراهيم، صورة لها، عبر حسابها الشخصى بـأحد مواقع التواصل وظهرت فى الصورة وهى تبتسم، ووضعت قلبًا أحمر، فى إشارة منها لحالة الحب التى وجدتها من زملائها وأيضا الجمهور.
«إلقاء الأحكام»
ورصدت «الكواكب» آراء مجموعة من الفنانين، حول تنامى تلك الظاهرة، حيث قالت الفنانة لقاء سويدان، إن مواقع التواصل الاجتماعى تكون صعبة للغاية أحياناً، ويقوم الجمهور أحياناً بإلقاء الأحكام، والبعض يتخفى وراء حسابات وهمية، والفنان فى النهاية بشر، وإنسان حساس يتأثر بالكلمة.
وأضافت سويدان قائلة: الجمهور بالكامل لن يتفق على فنان واحد، وله الحق فى النقد بشرط عدم التجريح، لافتة إلى أن الفنان لن يرضى كل الجمهور، وفى النهاية هو يعمل بجد وإخلاص من أجل إسعاد الناس، وفجأة عند تصفح صفحات السوشيال ميديا قد تجد بعض الأذى، متسائلة لماذا يتم تعمد الأذى أحياناً تجاه الفنان؟.
وختمت سويدان حديثها قائلة: الجمهور الذى نقابله فى الحياة العادية والشارع لطيف، ويعامل الفنان بحب وود، ولكن على السوشيال ميديا فالأمر مختلف أحياناً ولا نعلم من هؤلاء، وما هى هويتهم أواتجاهاتهم.
«سباب ممنهج»
وقالت الفنانة هيدى كرم إن الفنانين والمشاهير يتعرضون أحياناً لبعض الإهانات على وسائل التواصل الاجتماعى بغض النظر عن طبيعة ما يقدمونه من محتوى، مشيرة إلى أنها أجرت تجربة أنواع مختلفة من المحتوى ورصدت ردود فعل الناس عليها على وسائل التواصل الاجتماعى، ووجدت أن الاستجابة أحياناً هى مهاجمة الفنان.
وأضافت كرم قائلة: أحياناً نتعرض لبعض الهجوم فى الوقت الذى نحاول فيه تقديم محتوى ممتع وفيديوهات مسلية، ونحاول صنع طاقة إيجابية.
«كسر الخواطر»
وأكد الفنان أحمد عيد أن علاقته بالسوشيال ميديا ضعيفة، بسبب ما يحدث فيها بما وصفه بكسر خواطر الناس، قائلا: لا أحب قراءة التعليقات عنى، وتساءل عيد لماذا يدخل أى شخص ليهاجم فنانًا أو يقول رأيًا سلبيًا وبه تجريح؟، والسوشيال ميديا أثرت علىّ فى أنها جعلتنى ابتعد عنها.
«عالم مزيف»
ويرى الفنان علاء مرسى أن السوشيال ميديا ليست حقيقية، والكل يصنع من وراء الهاتف الخاص به ناقدًا، فى أى شيء وكل شيء فى المجتمع، مشيرا بقوله: أنا مرة لقيت واحد كاتب لفنان (إيه ده هو أنت لسه عايش؟!)، ولا أحد يعلم تأثير الكلمات والتعليقات السلبية التى يكتبها للفنانين أحياناً وأنها وتؤثر فيهم وتؤلمهم إلى حد كبير.
وأضاف مرسى قائلا: أنا فى لحظة لقيت نجم أنا كنت بمثل معاه فى أحد الأعمال فى رمضان منزل بوست أنا الحمد لله انتهيت من تصوير العمل فحد كتب له كومنت يهاجمه، فأنا انفعلت وقمت بالرد عليه.
«جمل مسيئة»
ووجهت الفنانة وفاء عامر رسالة لمن يهاجمون الفنانين أحياناً على السوشيال ميديا قائلة: هناك حملة توجه أحياناً بمنهجية على السوشيال ميديا ضد بعض الشخصيات العامة فهذه حرب إلكترونية ضد هذه الشخصيات، وهو أمرلا يصح على الإطلاق.
ضوابط ومعايير
وطالبت الفنانة إلهام شاهين بضرورة وضع ضوابط ومعايير لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعى كما هو الحال فى قوانين معاقبة من يستخدمونها بشكل سيئ من قبل الجهات المعنية، مشيرة إلى أن هناك أشخاصا ليسوا على قدر المسئولية ويحتاجون إلى وقفة، مضيفة..«السوشيال ميديا غيرت الناس».
وأضافت إلهام شاهين قائلة، عبر تصريحات تليفزيونية لها: السوشيال ميديا مضيعة للوقت وأنا لا أتابع مواقع التواصل عندى صفحات ناس بتديرها.
أسباب متنوعة
وقالت الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسى فى جامعة عين شمس، إن هناك شخصيات تندرج تحت مسمى المضادة للمجتمع، أى شخص لا يعتبر نفسه جزءًا من النظام المجتمعى، ولا يملك بعض المعايير الأخلاقية يتحرك على أساسها، فهو يفعل ما يريد دون النظر إلى مشاعر من حوله، فهو لا يأبه بهم من الأساس، مشيرة إلى أن من يتنمروا على الفنانين، يمارسون تلك السلوكيات عامة فى حياتهم، بشكل مستمر.
وأضافت عيسوى قائلة: المتنمّر فى الأغلب يبحث عن الاستقواء على الآخرين، ليخفى ما بداخله من ضعف، فيحاول إيذاء من حوله بطرق لا تسمح لهم برد، مثل أن يهاجم فنانًا عبر مواقع التواصل الاجتماعى بحساب مزيف، وهنا يشعر بالنصر على الفنان نفسيا، فى عدم استطاعته الرد، وتتعدد أسباب التنمر، فمنها قد يرجع إلى الغيرة من نجاح الآخرين، أو تفريغ الطاقة السلبية، أو التقليل من نجاح الآخرين، بل ووجود قناعة شخصية بأنه لايوجد من يستحق النجاح سوى المتنمر فقط.
وختمت عيسوى حديثها قائلة : يجب أن يتحلى الفنان بالثبات الانفعالى عندما يتعرض للتنمر على منصات التواصل الاجتماعى كما يجب أن يتوقع أنه معرّض للتنمّر وحملات ضده فى أى وقت فلا يقلق من ذلك ولا يستفز فيقوم برد الفعل ويزيد من حجم المشكلة.
«عقاب صارم»
وترى الناقدة الفنية ماجدة موريس، أن هناك مجموعة من الأسباب لتنامى ظاهرة التنمّر على الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعى، أبرزها وهو أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت وسيلة يعبر فيها أى شخص عن نفسه فى أى وقت يريده، فهذه المنصات تسببت فى الانفتاح الكبير الذى نعيشه، وأصبحت وسيلة مغرية لأشخاص تكتب لتقود أشخاصًا آخرين ليعبروا عن آرائهم فى أى شيء، وكل شيء.
وأضافت موريس قائلة: وسائل التواصل فتحت الأبواب لأشخاص كثر غير مؤهلين لاستخدامها كى يكتبوا ويعبروا عن آرائهم، وكون الفنان شخصية عامة أو مشهورة يجعل الكثير يعتقد أن ذلك سبب كافٍ للتنمر عليهم وعلى ملابسهم وأفعالهم بسبب ودون سبب لأنه معروف فى كل مكان.
واستطردت حديثها قائلة: بعض الأزمات الحالية بين النجوم والجمهور أصبحت متكررة، فالبعض لا يمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع الأمر، وعلى الجانب الآخر الكثير من الأشخاص يقومون بالخطأ فى هؤلاء النجوم وهم فى النهاية أشخاص من لحم ودم، وهو أمر لايصح بأية حال من الأحوال، ولايوجد منطق فى الحياة يعطى الحق لأى شخص أن يخطأ فى شخص فنان أو نجم معين لمجرد أنه لم يعجبه عمل فنى معين، أو مظهر ما، فهو أمر مرفوض.
ضريبة الشهرة
وقال الناقد طارق الشناوى إن مواقع التواصل الاجتماعى، قللت المسافة بين الفنانين والجمهور، فبعدما كانت متابعة النجوم مقتصرة على مشاهدتهم فقط فى اللقاءات التليفزيونية والحوارات الصحفية، توفرت الآن القدرة لدى الجماهير لمعرفة تفاصيل حياة نجومهم المفضلين اليومية لحظة بلحظة، كما سهلت لمستخدميها التعبير عما داخل قلوبهم، ولا يستطيعون إظهارها على أرض الواقع، فيقوم البعض بعمل حسابات مزيفة، يمارس من خلالها التنمر على الشخصيات العامة.
وأضاف الشناوى قائلا: انسياق بعض الفنانين للرد على المتنمرين بنفس الطريقة، لا يحد من ظاهرة بل يزيد انتشارها، والفنان يجب أن يكون قدوة للجمهور، فكما يشكل وجدانهم بأعماله، يمكنه أن يرتقى بسلوكهم بأفعاله خارج الشاشات، وللأسف ما يتعرض له الفنانون من الجمهور، جزء منه يكون بمثابة ضريبة لكونهم شخصيات عامة، فكما يتلقون الإشادة، بالطبع سيتلقون الهجوم، لكن لا يمكن اعتبار ذلك مبررا للجمهور للتنمّر على نجوم الوسط الفنى، خاصة أن هناك فرقًا واضحًا بين الانتقاد والهجوم.
وواصل الشناوى حديثه قائلا:من أجل تحقيق التريند أصبح هناك متخصصون فى استخدام أقسى الكلمات التى تحمل كل التجاوزات، وهدفهم الاغتيال الأدبى، طالما أن الاغتيال المادى غير متاح، يتوجهون بقذائفهم التى تنال من الشخصية العامة، وبعد لحظات من جريمتهم تكاد ترى وتسمع ضحكاتهم، وهم يتابعون الضحية، وهو ما حدث مؤخرا مع الإعلامية والفنانة القديرة نجوى إبراهيم، وكم تمنيت فى الحقيقة ألا تعير لمثل هذه التعليقات أى اهتمام أمام فيضان الحب الجارف، الذى استقبلتها به الجماهير، عندما استشعروا أن هناك من يحاول المساس بها.