الجمعة 3 مايو 2024

"النقطة العميا


رشا صموئيل

3-1-2024 | 14:50

رشا صموئيل

"النقطة العميا" عرض مسرحى كوميدى ذو هدف عميق
افتتحت منذ أسابيع مسرحية "النقطة العميا" ، وسط حضور إعلامى كبير، والمسرحية من إخراج أحمد فؤاد، "النقطة العميا" مأخوذة عن رواية "العطل" التى تعد واحدة من أشهر القصص التى أبدعها الكاتب السويسرى فريدرش دورينمات (1921- 1990)، وقدمت على مسرح "الغد" تحت إشراف المخرج الكبير خالد جلال رئيس البيت الفنى للمسرح، القصة ترجمها إلى العربية سمير جريس، وسمى العمل بالنقطة العميا نسبة لمعنى ومغزى القصة التى تقول إن هناك نقطة  فى حياة كل إنسان لا ينظر إليها  سواء متعمدا أو لم يرها بالفعل ،أشياء يحاول أن يتغافل عنها ويجد لها مبررًا قويًا ويتناساها مع الوقت،  ولكن يكتشف من خلال المحاكمة  أنه مدان ويستحق العقوبة ، تدور أحداث المسرحية حول عطل يصيب سيارة آدم الذى يجسد دوره النجم نور محمود، أثناء عاصفة شديدة، فيظهر له ميكانيكى يقوم بتوجيهه لبيت يستريح فيه حتى يتم إصلاح السيارة ، مما يضطره إلى اللجوء لأقرب بيت ليجد بداخله ثلاثة أساتذة فى القانون يلعبون لعبة غريبة تدعى "المحكمة"، وتكتمل عناصر اللعبة بحضوره، ليجد نفسه متورطا فى قبضة المحكمة مستخدمين حيلة الضغط على نفسه البشرية كى يعترف بما اقترفه فى حياته من أخطاء حتى يضعوه أمام مرآته ويرى حقيقته ،آدم فعل أشياء كثيرة  بمسميات مسكنة لضميره مثل  شطارة وفهلوة وهى فى حقيقتها السرقة والغش والخيانة الزوجية، حيث كان على علاقة بزوجة رجل الأعمال الذى كان يعمل لديه ،ولكن من خلال محاكمته بطريقة الضغط يعترف وتنكشف الحقائق وضميره يحاكمه بكل الأشياء الخطأ التى ارتكبها ..
العرض المسرحى "النقطة العميا"  بطولة: نور محمود ويشاركه البطولة أحمد السلكاوى، وأحمد عثمان، وحسام فياض، وهايدى بركات، وعمر صلاح الدين، لو تحدثت عن أداء الممثلين نجدهم جميعا لعبوا أدوارهم  بحرفية وإتقان وسلاسة فى ذات الوقت بلا شك أنهم أقوياء وموهوبون، وهذا نابع من تجاربهم المسرحية السابقة ماعدا بطل العرض نور محمود التى تعد "النقطة العميا" أولى تجاربه المسرحية ، ولو تحدثنا عن كل منهم بداية من الفنان الكبير حسام فياض لعب دور القاضى يدعى الدكتور حكيم صاحب البيت ، كان هادئاً ووقوراً فى أدائه باعتباره يجسد شخصية رئيسية مهيمنة، لكنها تؤمن بأن القوانين التقليدية الجامدة لا يمكنها تحقيق العدالة.. أيضا الفنان كبير  (أحمد السلكاوى) الذى  جسد شخصية الدكتور كمال المحامى  فى حركته وانفعالاته وتوتراته أحياناً، عبر بوعى عن طبيعة الشخصية التى تسعى إلى تبرئة موكلها بكل الحيل والألاعيب، ولو بالكذب، السلكاوى ممثل متميز يتوحد مع الشخصية التى يقدمها ويخلص لها ليخرج أفضل ما لديه ،وظهر أحمد عثمان  فى دور عادل الدريدى وكيل النيابة  دكتور علم النفس الجنائى وهو رجل لديه خبرة نفسية جنائية ولعبته هى الضغط على المتهم بشكل علمى.. أهلته  تجسيد شخصية ممثل الادعاء، الذى ينتزع الاعترافات من المتهم باحترافية ودهاء وبلا شك أن الفنان أحمد عثمان ممثل من العيار الثقيل استطاع بخفته وتمكنه من الشخصية أن يخطف الأنظار، وكانت هايدى بركات (الخادمة والجلاد) واعية لتركيبة الشخصية فى هدوئها وغموضها المحسوبين بدقة، ومعهم عمر صلاح الدين الذى ظهر بدورين  دور الميكانيكى خفيف الظل أيضا دور السيوفى رجل الأعمال وهو الشخصية المحورية التى تدور حولها الأحداث فى الحقيقة من يرى العرض يجد أن  هناك علاقة تناغم وانسجام ما بين الشخصيات المحورية مما وضع المتفرج فى حالة اندماج واستمتاع فى آن واحد .  
ولو تحدثنا عن بطل العرض نور محمود الذى جسد شخصية آدم  السمرى (كازانوفا)  تاجر الأقمشة النرجسى القاتل، الذى يصعد على جثث الآخرين، ويمكنه أن يفعل أى شيء يحقق مصالحه، من دون أن يفكر، ولو للحظة واحدة فى إدانة نفسه ،.. فى الحقيقة من النقاط الهامة التى جعلتنى متلهفة لمشاهدة مسرحية "النقطة العميا" هو حرصى الدائم  على متابعة خطوات   نور محمود الفنية  وخاصة أنها أولى تجاربه المسرحية بعد ما قدم عشرات من الأدوار التليفزيونية الناجحة أمام كبار النجوم وأثبت نفسه وأصبحت لديه قاعدة شعبية كبيرة فى السنوات الأخيرة ،بالفعل هو ممثل مجتهد ومتميز ولديه قبول وكاريزما تفرض نفسها ،ولكن فى الواقع التمثيل المسرحى له مواصفات وأدوات خاصة تختلف عن الدراما والسينما  أهمها من وجهة نظرى الحفظ الجيد والذهن الحاضر والذكاء لتدارك أى موقف وفن التواصل المباشر مع الجمهور الذى لايجامل  بالفعل، بقدر أن الوقوف على خشبة المسرح له هيبته وعظمته وحلم لكل ممثل إلا أنه مخيف ومرعب ولا يشعر برهبته إلا من خاض التجربة،   ولذلك وضعت فى مخيلتى  عددًا من الاعتبارات  تبرئ أداء نور محمود من النقد، يكفى أنها تجربته المسرحية الأولى، ولكن فى الواقع  أداؤه فاق كل التوقعات  أبهرنى  حيث  قدم شخصية آدم بخفة ظل شديدة  بالرغم أنها شخصية معقدة ومركبة، ولكنه قدمها بحرفية ومهارة عالية وشعرت لوهلة أننى أمام ممثل مسرحى مخضرم ومتمكن  صاحب تجارب مسرحية عديدة مكنته من الوقوف وسط زملائه فى العرض بقوة ورزانة، بالفعل نور  جند كافة جهوده  لتقديم الأمثل على خشبة المسرح أيضا أكثر ما لفت نظرى أنه متمكن و ملم بأدواته وأتقن استخدامها على أفضل وجه فلديه مهارة سرعة الحركة والتعامل مع مكونات المسرح الأخرى  من ديكور وإضاءة ومؤثرات صوتية مما جذب الجمهور الذى كان يتابع أحداث المسرحية عن كثب  على الرغم من أن الشخصية التى يقدمها صعبة ومركبة  ولكن نجح نور فى تقديم كل تفصيلة بشخصية آدم الثرية بالانفعالات والمشاعر المختلفة، والسبب أنه يعى تماما  إمكانياته وكيف يستخدمها، وهذا ذكاء الممثل ،بالفعل دور آدم كان بداية قوية  للفنان نور محمود  أثبت من خلالها مهارته فى التمثيل المسرحى وأنه يستطيع  أن يلعب كافة ألوان الفنون بل وأصعبها  ،أما بالنسبة  للمخرج المتميز أحمد فؤاد أو المخرج الفيلسوف كما يطلق عليه زملاؤه لأنه دائما خلفه فكرة فيما يقدمه ،  جمع فى ذكاء شديد ما بين المسرح الترفيهى والتعليمى وهو إسعاد الجمهور، وفى ذات الوقت  مسرح هادف أهتم بالتفاصيل بداية من أسماء الشخصيات التى لكل منها دلالة فاسم بطل العمل( آدم دلالة الإنسان) والدكتور عادل دلالة "العدل" والدكتور كمال  دلالة "الشخص"، الذى يسعى للكمال وحكيم دلالة "الحكمة" ورمانة الميزان،  أيضا المخرج تناول الموضوع بذكاء حيث جعل من مسرحية دوريمات الثقيلة المركبة مسرحية بسيطة ومخففة للمتفرج،  بما يتناسب مع إيقاع العصر، وأيضا هناك مراعاة لمدة عرض المسرحية بعيدا عن الرتابة والملل،  وعلى الرغم من إمكانيات الإنتاج المحدودة، لكنه أبدع فى استخدام كل تفصيلة، اعتمد فى الإبهار على أداء الممثلين والفكرة التى طرحها و اختيار الموسيقى،  واستخدم الإضاءة والديكور لعمل  فلاش باك فى بعض المشاهد من حياة آدم، أى أنه وفّر للمتفرج  مجموعة متع جمالية على مستويات مختلفة (سمعى- حركى- بصرى)،حيث استخدم تحولات الضوء وألوانه وفلسفته فى البناء الدرامى للشخصيات،  هذا غير أنه من الواضح أنه عمل جاهدا على أداء الفنانين الذى حرص على اختيارهم بعناية  ،وفى الواقع ليس بالغريب على المخرج أحمد فؤاد  النجاح الذى حققه فى "النقطة العميا"،  لأنه مخرج لديه العديد من التجارب المسرحية التى حققت نجاحًا كبيرًا أحدثها "خطة كيوبيد"..  
فى النهاية مسرحية "النقطة العميا"  عرض موفق بكل المقاييس وجبة خفيفة ممتعة وفى ذات الوقت مفيدة تجعل المتفرج بعد الانتهاء من مشاهدتها يقف مع نفسه ليغوص داخل أعماقه باحثا عن النقطة العمياء ليتعرف عليها محاولة منه لعلاجها،  و على الرغم أن الحملات الدعائية  ليست قوية ولكنها رافعة شعار كاملة العدد.