10-3-2024 | 16:19
رشا صموئيل
منذ أيام قليلة سعدنا جدا بتكريم المركز الكاثوليكى بقيادة أبونا بطرس دانيال للفنان الكبير جميل برسوم الذى اعتلى المسرح ليتسلم الجائزة بسعادة وفخر وامتنان ،التكريم الذى انتظره برسوم كثيرا تتويجا لمشواره الفنى الكبير الذى وصل لأكثر من 50 عاما اجتاز خلالها معارك ضارية ليثبت وجوده ، إلا أن يشاء القدر بعد تكريمه بأيام قليلة نفاجأ بالأب بطرس دانيال يعلن خبر وفاته على صفحته الخاصة بمواقع التواصل ،كانت صدمة كبيرة للوسط الفنى ولمحبيه، ولكن فى النهاية إنها حكمة الله التى جعلت فرق التوقيت أياما قليلة ما بين تسلم الجائزة ووفاته لتحقيق أمنية كان ينتظرها.
وفى الحقيقة جميل برسوم كان يستحق أن تمتلئ خزائنه بالكثير من التكريمات والجوائز لأنه ممثل من العيار الثقيل له حضور مميز وبصمة واضحة مع كل عمل يشترك فيه، ورغم ذلك لم يساعده الحظ أن يكون نجم صف أول ولكنه هو المعنى المتجسد لمقولة ( كن البطل الحقيقى لقصتك الخاصة)، وهذا يرجع لثقته وإيمانه بنفسه ،هو صاحب مشوار طويل من الكفاح الذى بدأ حبه للتمثيل منذ نعومة أظفاره ودعمه بدراسته فى المعهد العالي للفنون المسرحية، وبمجرد تخرجه فى عام 1973 شاهده المخرج المسرحى الكبير سمير العصفورى مدير مسرح الطليعة وقتها الذى تنبأ بأنه مشروع ممثل جيد ولذلك اختاره لينضم إلى مسرح الطليعة وأَسند له بطولة مسرحيتى (هنرى الرابع و زنزانة المجانين )..وغيرهما من الأعمال المسرحية الكثيرة ، حيث قدم مسرحية «الناس فى طيبة»، وكانت من أبرز أدواره على خشبة المسرح دوره فى مسرحية «هاملت» مع الفنان محمد صبحى. أيضا تاريخه الفنى ثرى بالأعمال السينمائية والتليفزيونية المشرفة وعمل خلال مسيرته مع الكثير من المخرجين الذين يعدون من العلامات البارزة فى السينما.
والجدير بالذكر أن برسوم تعامل مع ثلاثة أجيال مختلفة من المخرجين والذى قال عنهم متأثرا بخيبة الأمل (بعض المخرجين الكبار ظلمونى كانوا يقولون إننى ممثل عبقرى وفى نفس الوقت لايعرضون علىّ أدوارا منهم إسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل ويحيى العلمى) ولحسن الحظ لحق برسوم بقطار المخرج العبقرى شريف عرفة صاحب مؤسسة فنية مختلفة تعلم برسوم من خلالها الكثير أهمها الهدوء وذلك من خلال عدة أعمال سينمائية مهمة منها (ولاد العم والجزيرة 2 والكنز )وقدم الفنان جميل برسوم على مدار مسيرته الفنية العديد من الأعمال الدرامية ومن أبرز الأعمال التى شارك فيها الراحل، مسلسلات: "تحت الوصاية، و ستهم، والطاووس ، وفلانتينو، وحكايتى ، ونصيبى وقسمتك الجزء الثالث، وهوجان، و الكبير أوى 5، وأوان الورد ، وأهل كايرو، والنمر وقوت القلوب ،.. وغيرها من الأعمال.
بالمناسبة أريد أن أذكر أيضا من أدواره المميزة والتى لاقت صدى كبيرا مسلسل (أسوار الوهم) عندما قدم دور ضابط مباحث بطولة الفنانين جميل راتب وأبوبكر عزت و صلاح السعدنى فقد حقق نجاحا كبيرا وقتها وصلت لدرجة أن برسوم لم يكن يعرف يسير فى الشارع من المعجبين ، أدواره كانت تتميّز بالواقعية. نجح فى تقديم الكثير من الأدوار ذات الأبعاد الإنسانية المختلفة التى تحمل الخير والشر فكانت محور الشخصيات التى يقدمها جميل، فجاء مشواره محملا بأدوار شديدة التنوع والاختلاف؛ فهو دكتور فيكتور بفيلم" ولاد العم " ودور سيد الترزى بفيلم" الفيل الأزرق" و عم عبدالتواب الطيب فى" 30 سنة" وجسد دور صلاح فى "اشتباك" والملك تحتمس الأول بفيلم "الكنز"، أيضا كان له النصيب الأكبر من الأدوار التليفزيونية المميزة مع كبار النجوم منها دور سنجة بمسلسل "فلانتينو" مع النجم عادل إمام وأيضا جسد دور عزيز العدلى بمسلسل "نصيبى وقسمتك الجزء الثالث" ودور سلطان بختم النمر وعندما نشاهد لقطات من رحلته الفنية نجد أنه كان يهوى تجسيد الشخصيات الدينية بمختلف تنوعاتها، إذ زخر تاريخه الدرامى والسينمائى بتجسيد العديد منها ومن أشهر تلك الأعمال مسلسل (محمد رسول الله)، إذ قدم أكثر من 4 شخصيات فى هذا العمل من ضمنها "فرعون مصر" فى عهد نبى الله يوسف، وحكى برسوم أن مسلسل "محمد رسول الله" من أحب أعماله إلى قلبه، وهو أيضا أحد الأعمال التى أشاد الجمهور بدوره فيها، ورغم أنه مسيحى فإنه نجح فى تجسيد دور مسلم بجدارة بفضل ثقافته الكبيرة وموهبته الفطرية ، والجانب الفنى الآخر الذى لايعلمه البعض هو أن الفنان جميل برسوم يعد نجما من نجوم الدراما الدينية داخل الكنيسة أى قدم الكثير من الأفلام الدينية وأبدع بها أبرزهم عبد المسيح الحبشى والأنبا مقار وعشرات الأدوار الأخرى المختلفة ،فكان أداؤه يحلق بالمشاهد فى حالة روحانية عالية والتى ساعدته على ذلك شخصيته الهادئة المسالمة وملامح وجه تتسم بالراحة وبالتأكيد أن السير الذاتية الدينية أضفت حالة من الثراء الإنسانى على شخصيته الفنية ، وساعدته فى تخزين الكثير من المشاعر المتنوعة التى مكنته من تجسيد الشخصيات المختلفة بالبراعة نفسها وهذه الأفلام بالتحديد كانت بداية لمعرفتى وارتباطى به منذ نعومة أظفارى لأكون واحدة من جمهوره، برسوم فنان صاحب حضور متفرد ليس له شبيه ،وبمرور السنوات أخذت أتابعه عن كثب بحكم عملى الصحفى إلى أن شاهدت دور صقر البارون فى مسلسل حكايتى بطولة ياسمين صبرى الشخصية التى قدمها بشكل مبهر و بتميز شديد ،كمشاهدة وجدت نفسى أمام ممثل مخضرم جمع كل طاقته وخبرته فى هذا الدور حيث أتقن برسوم استخدام جميع أدواته من (أداء حركى وصوتى حتى نظرة العين ) كأنه كان على أهبة الاستعداد لمعركة ضارية فاستخدم جميع أسلحته ليخرج منتصرا وبالفعل كان برسوم من العوامل الأساسية لنجاح مسلسل حكايتى وهذا دليل قاطع على أن النجاح يأتى فى أية لحظة من العمر وأن الموهبة والصبر والعمل المتقن لابد أن يجنى ثمارها ،فى الواقع جميل برسوم أبدع فى الأداء وأبهرنا وهذا العمل بالتحديد جذبنى لإجراء حوار مع الممثل القدير فكان حديثًا يتسم بالجرأة الشديدة و الصدق مع الذات فى نفس الوقت حيث بدأنا نتحدث عن النجاح المضوى الذى حققه بمسلسل حكايتى فقد جسد الفنان برسوم دور الجد (صقر البارون ) الرجل الثرى ذى الهيبة والمكانة الاجتماعية والذى يتمتع بشخصية حكيمة جذبت الأنظار وخصوصا المشاهد التى كانت تجمعه بحفيده بالمسلسل أحمد صلاح حسنى ،مشاهد كانت تتسم بالحب والود والدفء والتفاهم والنصح مما لفت إليهما الأنظار ونجحا معا نجاحًا كبيرًا وهذا الدور بالتحديد قال عنه برسوم (ردود الأفعال تجاه دور صقر البارون خضتنى ) لم أكن أتوقعها، و الحقيقة بالفعل الناس حبتنا جدا أنا وحفيدى فقد كان بيننا كاريزما خاصة ثم استكمل حديثه بفخر أيضا ابنتى مقيمة فى دبى و أخبرتنى بإشادة الجمهور في دبى بالدور ،لا أستطيع أن أصف لك مدى سعادتى بهذا الكلام لأنه أعاد لى إحساسى بالنجومية والتواجد وأن إدراك الجمهور مازال عاليا وعلى درجة كبيرة من الوعى ومازاد من سعادتى أننى أصبح لدىّ جمهور من الأطفال ، أريد أن أفصح هنا عن سر وهو على الرغم أن هذا الدور كبير ومميز إلا أن برسوم رفضه فى البداية لارتباطه فى ذات الوقت بمسلسل "فلانتينو" بطولة النجم عادل إمام حيث مواعيد التصوير كانت تتعارض معا، ولكن المخرج أحمد سمير مخرج (مسلسل حكايتى) اتصل به ونجح فى إقناعه ، هذا المخرج المميز الذى يقول عنه برسوم إنه شخصية مهذبة وألح كثيرا لإقناعى ثم استرسل حديثه قائلا (إن من يتمسك بى أترك كل شىء من أجله) بالإضافة أننى أشعر دائما بارتياح كبير معه فى العمل لأنه يترك لى مساحة من الحرية فى التمثيل لدرجة الارتجال وهذا إن دل فيدل على الثقة و على الرغم من كم المخرجين من أجيال مختلفة من الذين تعامل معهم برسوم فى مشواره ، كان المخرج أحمد سمير فرج من القلائل الذين أدركوا موهبته وقدراته ولذلك أطلق لها العنان فقد منحه مساحة كبيرة من الحرية التمثيلية فى مسلسل حكايتى وبالفعل برسوم أجاد استغلال هذه الحرية بحرفية عالية لصالحه بالإضافة لإتقانه للهجة الصعيدية بشكل جيد وهذا يرجع إلى أنه كان يميل للاستماع إلى شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى وأسلوبه فى الإلقاء التى جعلت اللهجة حاضرة عنده ومن العوامل التى ساعدته أيضا على نطق هذه اللهجة بسلاسة قيامه بالعديد من الأدوار الصعيدية بالدراما الكنسية ، بالمناسبة مسلسل حكايتى يعد العمل الثالث الذى جمع برسوم مع المخرج أحمد سمير فرج بعد مسلسلى "الخطيئة وظل الرئيس"، والحقيقة فى تقديرى الشخصى أن دور صقر البارون أزاح الغبار عن موهبة جميل برسوم المدفونة أو بمعنى أدق المهملة من قِبل الصناع و لو أن الفنان لم يقم بهذا الدور كان خسر كثيرا ، وفى الواقع كنت آمل أن هذا الدور بالتحديد يكون بداية حياة فنية جديدة تتوج بسلسلة من الأدوار البارزة الهامة، ولكن للأسف الواقع ضرب بآمالى عرض الحائط ومن المفارقات أن الحظ قاده فى التعامل من قبل مع والده المخرج الكبير سمير فرج فى كثير من الأعمال التى كانت آخرها مسلسل (أوان الورد) والجزيرة 2 والكنز ) ولكن فى ذات الوقت لا أستطيع أن أنكر أنه أبدع أيضا فى دور عم جرجس الرجل المسيحى الذى ظهر ببطولة من خلال (نصيبى وقسمتك) وكتب بحرفية عالية من قبل الكاتب الكبير عمرو محمود ياسين ، وعلى الرغم من مشوار جميل برسوم الكبير إلا أنه ظلم كثيرا فى نوعية الأدوار التى كان يقدمها لأنها تعد نقطة فى بحر موهبته الاستثنائية ولكن برسوم أثبت أن الموهبة وحدها لاتكفى للتميز والإبداع وهذا يرجع لتحجيم موهبته فى أدوار لاتتناسب مع قدراته واعترف لى أن قبوله لمعظم الأدوار كان لهدفين إما مجاملة المخرجين أو لمجرد التواجد على الساحة، وللأسف على الرغم من ظهوره فى أعمال كان شبه مجبرًا عليها للأسباب التى ذكرتها إلا أن أجره لايقارن بسنوات احترافه التمثيل ، كل هذا وبرسوم لم يستسلم للقدر بل كان مع كل دور يكتشف نفسه بشكل أفضل ويتعرف على مزاياه ونقاط قوته وينميها بما يدعم شخصيته ويجعله قادرا على التكيف مع مختلف أنواع الأدوار والشخصيات فلديه القدرة على الدخول فى أدوار متنوعة والتأقلم مع متطلبات كل دور وعلى الرغم من رحيله المفاجئ، فإنه الحاضر الغائب ، استطاع برسوم أن يترك بصمة خلال مشوار فنى ولم ينته برحيله ولكن جميل برسوم ظل لآخر لحظة يشارك فى أعمال فنية حيث يطل علينا الفنان بشكل قوى ضمن مسلسلات رمضان 2024، ويظهر بشخصيات تختلف ملامح كل منها عن الأخرى،حيث يطل الفنان جميل برسوم فى مسلسل فراولة، بجانب الفنانة نيللى كريم، والذى تدور أحداثه فى إطار كوميدى، حيث يجسد شخصية صنايعى ألبايك مطعمة بالأحجار الكريمة و يساند فراولة فى مشكلاتها، ويشارك أيضا فى مسلسل المداح الجزء الرابع، ويجسد (جميل) شخصية دكتور فى الرهبنة، قارئ جيد فى أمور العالم السفلى، ويساعد «المداح» فى رحلته المثيرة،أما عن العمل الثالث الذى يتواجد فيه برسوم، هو مسلسل (عائلة ب 100 راجل) للفنانة سمية الخشاب، ويظهر بدور كبير الحى و يحل مشكلات الأهالى.. وأخيرا أريد أن أخبركم عن جزء هام فى شخصية الفنان جميل برسوم الإنسان المحب لتراب وطنه ،هو والد لاثنين فتاة تدعى كرستين التى تعمل بدبى و ابن يدعى مينا ويعمل مضيفا جويا بلندن ورغم ان زوجته تعيش فى دبى برفقة ابنتهما لكنه لم يفكر لحظة فى السفر والاستقرار مع عائلته لأنه عاشق للفن ولمصر لأنهما بالنسبة له وجهان لعملة واحدة لايستطيع الابتعاد عنهما.