26-4-2024 | 18:40
صلاح السعدنى واحد من أعمدة الدراما المصرية طوال تاريخها صنع لنفسه مشوارا كبيرا من خلال أكثر من 200 عمل فنى ما بين التليفزيون ملعبه الأول والسينما والمسرح، له بصمة فنية مهمة، وقدم عشرات الأعمال التى تركت أثرا إيجابيا على المستويات الفنية والنقدية والجماهيرية، وهو ذاته يعتبر نفسه من الفنانين المحظوظين إذ أنه يضم فى رصيده ثلاثة أعمال يعتبرها درة التاج الفنى فى مشواره الفنى، وأيضا يعتبرها أعمالا لن تتكرر، وخص تلك الأعمال بأنها من أكثر الأعمال الدرامية نجاحا، وهى: «ليالى الحلمية» المتعدد الأجزاء إلى جانب مسلسلي «أرابيسك» و«حلم الجنوبى» لقد رحل السعدنى بجسده تاركا إرثا فنيا يخلد اسمه وذكراه من خلال أعمال أثرت الشاشة الصغيرة وستظل دائما محفورة فى ذاكرة جماهير الفن لسنوات طويلة، لأنه كان صادقا فيما قدم من فن ..فحصد إعجاب وحب الجماهير ، وثناء النقاد ونجومية كبيرة كان يستحقها، وحبا شديدا لما قدمه من فن راقٍ عزف أدواره بصدق من خلال مشاعره ليجعل الشخوص الدرامية التى قدمها وكأنها من لحم ودم تعيش بيننا فى المجتمع، وليست شخصيات صنعها مؤلف من واقع خياله .
لقد جمعتنى بعمدة الدراما صلاح السعدنى العديد من الحوارات ما بين منزله والاستديوهات التى شهدت تصوير أعماله ومن أبرز المعلومات التى لا يعرفها أحد عن السعدنى والتى صرح بها لى من خلال تلك اللقاءات أنه كان لا يخرج من بيته فى رمضان إلا نادرا ، ولا يفضل دعوات الإفطار أو السحور باستثناء دعوة صديقه إبراهيم المعلم، والتى كان يلتقى من خلالها الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل ، وكان السعدني يسير فى حياته وفق عادات وتقاليد توارثها عن آبائه وأجداده وشقيقه الكاتب الكبير الراحل محمود السعدنى، فكان يجمع أفراد العائلة دوما من خلال لقاءات العائلة التى أصبحت تقام فى فيللته فى السنوات الأخيرة حتى قبل رحيل شقيقه الكاتب الساخر محمود السعدنى بسبب الوعكة الصحية التى عانى منها فى سنوات عمره الأخيرة.
والسعدني كان أيضا يشعر وكأنه يصلى فى «الكعبة» خاصة خلال شهر رمضان ، لأنه كان يصلى معظم الوقت فى بيته، كما أنه كان يتابع الصلوات بشكل مباشر من الحرم المكى، فقد كان حريصا بشكل خاص على متابعة صلاة الفجر بالبث المباشر من الحرم المكى يوميا، وينتابه إحساس داخلى وكأنه يصلى معهم فى الأجواء المكية.
والسعدني كان عاشقا لسماع القرآن بأصوات المقرئين المصريين، وكان يرى أن الأصوات المصرية لها عبق تاريخى، مثل الشيخ محمد رفعت وعبد العظيم زاهر وعلى محمود والسنديونى ، ويعتبرهم كوكبة عظيمة وعبقرية فريدة وشيئا فوق الخيال وأن أصواتهم تميزت فى ترتيل القرآن .
كما كان يعيش حالة وجدانية مع كتاب الله فى رمضان تحديدا وطوال العام ترتيلا وقراءة، وكان متمسكا بجذوره الريفية وبداياته فى الأحياء الشعبية بالجيزة، ووصف القرآن بالسياج الجميل والممتع ، وهو الكتاب الرئيسى على مائدة كتبه ومكتبته التى كانت لا تقل أهمية عن مكتبة شقيقه أحد مثقفى عصره.
وكان السعدنى لا ينسى شراء الفوانيس لأحفاده عبد الله وأدهم ويوسف وغيرهم لدرجة أنه أصبح يلعب معهم بالفوانيس، متندرا على الفانوس الصفيح أبو شمعة الذى عاصره فى حياته الأولى وكان يصنعه بيده.
والسعدنى نجم من نجوم شهر رمضان لأنه كان من أفضل الممثلين الذين تُسند إليهم بطولات الأعمال الدرامية خلال هذا الشهر الكريم ،وكان قلما يأتى الشهر الكريم بدون عمل للنجم الكبير صلاح السعدنى نظرا لجماهيريته الكبيرة وصدقه الفنى وأدائه البارع والمتميز والذى قلما يصل لمستواه إلا الموهوبون فقط، فقد كان السعدنى يقرأ سنويا 30 مسلسلا لاختيار واحد منهم فقط، وقد يخطئ أحيانا فى هذا الاختيار رغم دقة اختياراته الشديدة لكل عناصر العمل من مؤلف ومخرج وفريق عمل حتى الجهة الإنتاجية التى يعمل معها كانت لابد أن تكون محل ثقة، فقد كان لا يترك أى شيء للصدف أو للظروف، وكان كثيرا ما يعمل تحت الضغط إلى الدرجة التى كانت تجعله أحيانا يقيم فى الاستديو لأن الحلقات كانت تصور وترسل بالطائرة فى نفس اليوم إلى المحطات الخليجية التى كانت تتعاقد عليها لأهمية أعماله، فقد كانت لديه الثقة فى بعض الأسماء التى كثيرا ما عمل معها مثل المخرج إسماعيل عبد الحافظ وجمال عبدالحميد ومجدى أبو عميرة وكذلك من المؤلفين وعلى رأسهم أسامة أنور عكاشة ومصطفى محرم ومحمد صفاء عامر .
وكان السعدنى يراعى فى أعماله أخلاقيات كثيرة ، بحيث يكون العمل لا يخدش حياء الأسرة العربية ، لأنه كان لا ينتظر من يأتى ليوجه لهم النصيحة بذلك .
إن من أهم المسلسلات السعدنى الكثيرة فى رمضان: «عمارة يعقوبيان، نقطة نظام، سنوات الخطر، حارة الزعفرانى، أرض الرجال، الباطنية ، كفر عسكر، الأخوة أعداء»، أما «أرابيسك ،وحلم الجنوبى، وليالى الحلمية».. فالأعمال الثلاثة الأخيرة يعتبرهم السعدنى درة مشواره الفنى ، والذى لا يجود الفن بمثلهم والتى دائما ما يقف عندها وقفة فخر واعتزاز، والذى بسبب الحلمية لقب بعمدة الدراما المصرية عن جدارة واستحقاق ، وكان يرى أن أى ممثل يكفى أن يكون فى رصيده عمل واحد من هذه النوعية فى مشواره الفنى، وحدد أن الفنان القدير الكبير محمود المليجى قدم فى مشواره الفنى 400 فيلم، إلا أنه يأتى على درة تلك الأفلام الفيلم المهم فى تاريخ السينما المصرية ، وهو فيلم «الأرض»، والذى شارك فيه السعدنى أيضا وهو فى بدايات مشواره الفنى.
ولأن الأعمال الفنية رزق وتذهب لمن يستحقها والفنان المناسب لها لتكون نقطة تحول فى مشواره الفنى، فإن من أبرز أعماله لم يكن السعدنى المرشح الأول لها مثل دور العمدة سليمان غانم فى «ليالى الحلمية» الذى رُشح له الفنان سعيد صالح واعتذر عنه لانشغاله فى ذلك الوقت بفيلم «سلام ياصاحبى» مع عادل إمام، وعمل مسرحى آخر فى الوقت ذاته، كما رشح له ثانيا النجم الكبير يحيى الفخرانى إلا أنه اعتذر عنه لتمسكه بأداء دور سليم البدرى فى نفس المسلسل والذى رأى نفسه أكثر من خلاله فذهب الدور النادر للسعدنى، والذى قدمه بعبقرية شديدة وشاعرية وصدق شديدين فى تنافس أداء مع الفخرانى وصفية العمرى وبقية نجوم المسلسل بطريقة لا تصدق خاصة عندما تقدم به العمر فى المسلسل الذى امتد لـ«6 أجزاء»، فصنع عملا نادرا ما يتكرر عندما كانت الشوارع تخلو من المارة وقت عرضه فى رمضان مع «رأفت الهجان» عندما كان التليفزيون قناتين فقط إحداهما للحلمية والأخرى للهجان.
أما العمل الثانى أيضا والذى وصل إليه بالصدفة بعد اعتذار النجم عادل إمام عن دور حسن أرابيسك في مسلسل «أرابيسك» الشهير، والذى وصل للسعدنى وقدم دورا لن يتكرر، لأن السعدنى كان يغوص فى التفاصيل الصغيرة والدقيقة لأدواره، وكان يدرسها بعناية شديدة بل كان يعيش الدور وكأنه لحم ودم من شخصيته الحقيقية التى كانت تذوب فى تلك الشخصيات من صدق الأقلام التى كتبت تلك الأعمال وكما لعبت الصدفة فى نجوميته المتوهجة بتلك الأعمال، فقد شهدت الصدفة أيضا بداية انطلاقته السينمائية بفيلم «شياطين الليل» الذى اعتذر عنه النجم حسن يوسف ليرشح السعدنى بدلا منه مع فريد شوقى وأمينة رزق.
والنجم الكبير حصل على العديد من الجوائز والتكريمات فى مشواره الفنى، من خلال المهرجانات والمنتديات المحلية والعربية، كما كان السعدنى الفنان لا يقل عن السعدنى الكاتب الساخر فى معجون الثقافة التى يتميز بها كل منهما، فقد كان فنانا نهما فى القراءة وملما بالأحداث السياسية والثقافية، وكان من أهم النجوم الذين يجيدون الحوار من واقع أسلوبه المتميز وثقافته المتفردة، وكان لا يضاهيه إلا عدد قليل من الفنانين الراحلين أيضا مثل: «كرم مطاوع ومحمود ياسين و نور الشريف وعزت العلايلى».
كما كان السعدنى صديقا لنجوم الرياضة وأساطيرها وصديقا لمعظم نجوم وإداريى أحد الأندية الرياضية الذى ظل يشجعه ويتابع مبارياته حتى آخر أيامه إنه كان يترك أحيانا تصوير بعض مشاهده أو يعيد جدولتها فى برنامج التصوير اليومى من أجل أن يكون حريصا على متابعة مبارياته المحلية والعربية والإفريقية والدولية المهمة، فلم نستغرب أن يكون الكابتن الخطيب على رأس مشيعيه إلى مثواه الأخير، وكذلك الوسط الرياضى الذى نافس الوسط الفنى فى حضور جنازته وواجب العزاء.
لقد بدأ السعدنى مشواره الفنى منذ بداية الإرسال التليفزيونى عام 1960 وانضم لمسرح التليفزيون فى بداياته خاصة مع صديقيه وزملاء الدراسة عادل إمام وسعيد صالح خريجا كلية الزراعة، والذى شهد المسرح الجامعى بداية علاقتهم بالفن.. بل كان من أقرب الأصدقاء إلى الزعيم عادل إمام حتى أنه كان لم يعملا معا خاصة فى السينما التى تميز بها عادل إمام وتعامل معها السعدنى فى حذر شديد، رغم ما قدمه من أعمال جيدة كان راضيا عنها مثل: «زمن حاتم زهران، وملف فى الآداب، وتحت الصفر، وليلى وخونة، وفوزية البرجوازية، واليوم السادس، والأرض، والمراكبى»، لأنه كان محسوبا على نجومية التليفزيون.
تزوج صلاح السعدنى من خارج الوسط الفنى وأنجب ابنه أحمد الذى أصبح أحد نجوم الفن المتميزين والمحترمين، والذى يسير على درب والده الراحل، كما أنجب بنتا، وكان السعدنى يعيش متعته الحقيقية فى سنواته الأخيرة مع أحفاده.
ولد صلاح الدين عثمان إبراهيم السعدنى فى إحدى قرى محافظة المنوفية فى 23 أكتوبر 1943 قبل أن ينزح إلى محافظة الجيزة التى درس فى مدارسها وعاش فيها فى حى المهندسين قبل أن ينتقل إلى الشيخ زايد ، وغَيبه الموت عن عمر يناهز 81 عاما .