8-6-2024 | 15:13
خالد فؤاد
منذ 75 عاما من الآن تحديدا فى يوم 8 يونيه عام 1949 ودع عالمنا أحد أهم رواد السينما الأوائل الفنان الكبير الضاحك الباكى نجيب الريحانى بعد أن ترك بصمة هامة وكبيرة ومؤثرة فى عالم الفن ليس المصرى فحسب بينما الفن العربى بوجه عام .
فرغم رصيده السينمائى القليل جدا والذى لم يتجاوز حاجز أصابع اليدين " كممثل " ورصيده المسرحى سواء كممثل أو مؤلف ولم نشاهده فى أى عرض منها وهو يقف على خشبة المسرح ، وتعرفنا عليه سواء من خلال القراءة عن مسيرته الحافلة أو عند إعادة تقديمها بممثلين آخرين تمت الاستعانة بهم من قبل رفيق رحلة كفاحه بديع خيرى ليقوموا بإعادة تقديم مسرحياته القديمة التى لم يتم تصويرها فى عصره .
نقول رغم قلة هذا الرصيد إذا ما تم مقارنته بما قدمه كل الفنانين الآخرين سواء من أبناء جيله أو الأجيال الكثيرة المتعاقبة التى ظهرت بعده إلا أنه نجح فى حفر اسمه بحروف من ذهب بدليل أنه لايزال باقيا بيننا حتى اليوم رغم مرور 75 عاما على رحيله فنترقب جميعا ودون أن نعاصره أونعيش فى الزمن الذى عاش فيه عرض أعماله فنضحك ونبكى معه وكأنه لايزال يعيش بيننا ، ولا نشعر بالملل أبدا من أعماله مهما شاهدناها مرات ومرات .
وبعيدا عن أعماله الفنية الجميلة والخالدة التى يصعب نسيانها ودائما وأبدا نستمتع بها ، فهناك مواقف كثيرة فى حياة هذا الفنان الكبير تشبه إلي حد بعيد المواقف والغرائب التى كان يقدمها فى أعماله الفنية .
فنجده وكما كان يسخر من نفسه ومن الحياة بكل مافيها على الشاشة وفوق خشبة المسرح ، كان الأمر كذلك بالنسبة له فى مواقف حقيقية مر بها .
ومن هنا لم يكن اللقب الذى تم إطلاقه عليه " الضاحك الباكى" جاء من فراغ ،بينما واقع حقيقى ونجح بفضل مامر به من مواقف فى حياته فى إضحاك وإبكاء الملايين عبر كل العقود .
توقع موته ونعى نفسه
فقبل رحيله بأيام قليلة فاجأ نجيب الريحانى الجميع بكتابة هذه الكلمات : وكتب: "مات نجيب.. مات الرجل الذى اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء، إذا كان للسماء طوب.. مات نجيب الذى لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب.. مات الرجل الذى لا يعرف إلا الصراحة فى زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة فى زمن البخل والشح.. مات الريحانى فى 60 ألف سلامة".
هكذا كتب وهكذا فاجأ الجميع بتوقعه لموته وأصاب بكلماته الغريبة هذه صانع آخر أفلامه أنور وجدى بحالة من القلق الشديد وامتدت حالة القلق للفنانة الراحلة ليلى مراد وبالفعل رحل قبل أن يستكمل تصوير آخر مشاهده فى فيلم "غزل البنات" ووقع أنور وجدى فى حيرة وأزمة حيث كان لايزال بعض المشاهد لم يتم تصويرها أهمها عودته أى نجيب الريحانى وبصحبته ليلى وحبيبها أنور للباشا والدها سليمان نجيب لإتمام الخطوبة والزواج وبسبب وفاته اضطر أنور وجدى لإنهاء الفيلم بمشهد السيارة الشهير بعد خروجهما من قصر يوسف بك وهبى وتأثره وبكائه على أغنية " عاشق الروح" لمحمد عبدالوهاب وكأنه كان يبكى على نفسه ويعلم أن العمر نفد ولم يعد هناك رصيد باقٍ .
محدش واخد منها حاجة
وقد تناولت بعض الصحف والمجلات عقب وفاته المشهد الشهير الذى قام بكتابته وتمثيله ببراعة فى مسرحية "محدش واخد منها حاجة" فقد قام فى المسرحية بنشر خبر غير حقيقى عن موته وبعد متابعته لردود الأفعال بعد انتشار الخبر الكاذب وقام فى هذا المشهد وهو يرى بعينيه دموع التماسيح من حوله فعلق قائلا : لو كان الميت يعرف إيه إللى بيحصل فى جنازته مكانش مات إعملوا حسابكم للموت الكبير .
العرافة الفرنسية
وفى مذكراته التى كتبها بخط يده وتم نشرها بعد وفاته تحدث نجيب الريحانى عن مواقف كثيرة ومختلفة مر بها فى حياته .. فكما تحدث وكتب بنفسه كان يؤمن بشدة بما يقوله العرافون وشديد الاقتناع بأعمال السحر وبرر قناعته الكاملة هذه بأنه قابل إحدى العرافات فى فرنسا وقالت له أشياء كثيرة فى حياته تحققت بالفعل كان من بينها أشياء فى الماضى لايعرفها أحد سواه .
ومن هنا ولقناعته هذه رفض شراء سيارة وبرر رفضه هذا بما قالته له هذه العرافة بأنه سيتعرض لحادث سيارة ومن هنا وكما قال : هذه العرافة تسببت فى عدم قيادتى لسيارة طيلة حياتى ؛ وقد ظللت سنوات طويلة لا أركب سوى الحنطور.
وإذا دعيت للضرورة القصوى لركوب إحدى سيارات الغير أو حتى سيارة تاكسى، أظل أتوسل للسائق بكل عزيز لديه أن يرحم شباب العبد لله، وأن يسير على أقل من مهله، لأنى مش مستعجل أبدا .
دشرها الفريسة بديعة مصابنى
وتعرض فى المذكرات أيضا لحكاية الشخص الذى حاول قتله وهو يقف على خشبة المسرح فى عرض "ريا وسكينة" وكانت أول مسرحية تقدم عن السفاحتين الشهيرتين بعد القبض عليهما وشاركته بطولتها رفيقة مشواره وزوجته فى هذا الوقت بديعة مصابنى .
فقد كتب الريحانى بنفسه عما حدث ردا على كل الشائعات والقصص غير الحقيقية التى انتشرت عن محاولة قتله فقال إن الموضوع مختلف تماما عن كل ماقيل فحينما كنا نمثل هذه المسرحية فى يافا، وكان هناك مشهد عنيف بينى وبين بديعة وتقدمت منها لكى أخنقها وأطبقت بأصابع يدى حول عنقها فراحت تتلوى ، وفجأة سمعت صوتا عنيفا باللهجة العربية يدوى من أقصى الصالة صارخا : دشرها ولاك العمى بعينتينك.
وقام فجأة بإطلاق رصاصة مرت بجوارى كادت تردينى قتيلا على المسرح.
فهرولت للخارج تاركا الفريسة " بديعة مصابنى" تعرف شغلها مع صاحب هذا الاحتجاج العملى الغريب فى نوعه.
وبالطبع غضبت بديعة مصابنى منه بشدة بعدها لكونه تركها وهرب تاركا إياها للمصير المؤلم .
سجن وديون فى تونس
وتحدث الريحانى فى مذكراته أيضا عن المشكلة الكبيرة التى تعرض لها فى تونس بسبب أحد متعهدى الحفلات وأدت لدخوله السجن هو وبديعة مصابنى .
فكتب قائلا : قررت السفر إلى خارج مصر بعد إقناع أحد متعهدى الحفلات بأنه ممول كبير ويستطيع أن ينظم لى رحلة فنية لبعض البلاد العربية، فاقتنعت وأقنعت بديعة وبعد رحلة شاقة تبين أن الممول اتفق مع بعض الجمعيات الخيرية على أن تحيى الفرقة بعض الحفلات مجانا على سبيل الدعاية والمساعدة فى الوقت الذى كنا فيه أحوج الناس للمساعدة فقد تعرضت وقتها لخسائر كبيرة فى القاهرة وكدت أشهر إفلاسى ولهذا السبب وافقت على السفر للعمل وتعويض الخسائر .
فغضبت بشدة من المتعهد واقترحت على هذه الجمعيات أن تدفع النفقات الضرورية لحفلاتها فرفضت تماما بل وحرضت الصحف التى هاجمتنى بشدة ووصفتنى بقلة الذوق.
واتهمونى بأننى أتخذ الفن ستارا للتجارة ، بدعوى أننى قمت بخداع الفنانات اللاتى أجلبهن إلى تونس.
فألقت الحكومة التونسية القبض علينا جميعا أنا والفرقة وبديعة والمتعهد ودخلنا السجن حتى ظهرت الحقيقة من خلال التحقيقات التى تمت معنا وعدت من تونس أكثر فقرا مما سافرت وتضاعفت الديون علىّ بشكل كبير .
أم كلثوم والأرملة الطروب
وتحدث نجيب الريحانى فى مذكراته عن المسرحية التى كان من المقرر أن يقدمها مع كوكب الشرق أم كلثوم ولم تر النور فقال : اتفقت أنا وأم كلثوم على عمل مسرحى مشترك، ووقع اختيارنا بالفعل على نص "الأرملة الطروب" وللأسف لم نستطع تنفيذ الاتفاق بسبب كثرة حفلات أم كلثوم خارج مصر وقتها .
وتبين بعد سنوات طويلة أن أم كلثوم كانت تتحجج بكثرة الحفلات ولكنها فى الحقيقة كانت تتهرب لخوفها أو قلقها من موضوع المسرحية .
وكشفت هذا الأمر بنفسها حينما قام عبد الرحمن الخميسى بتقديم نفس المسرحية " الارملة الطروب" مع الفنانة رتيبة الحفنى على خشبة دار الأوبرا القديمة قبل احتراقها .
وحققت نجاحا فاق كل التوقعات مما دفع أم كلثوم للتوجه لمشاهدة العرض والتعرف على سر نجاحها.
وانصرفت وهى حزينة.
وقامت بالاتصال ببديع خيرى وقالت له : إنها غاضبة من نفسها لكونها لم تفهم وجهة نظر نجيب الريحانى رحمة الله عليه فأضاعت كما قالت فرصة كبيرة فى استخدام صوتها القوى فى عمل مسرحى غنائى هام وعظيم .