الجمعة 27 سبتمبر 2024

فى ذكرى وفاته.. «الكواكب» فى منزل فنان الشعب سيد درويش

الكواكب في منزل سيد درويش

27-9-2024 | 14:45

خالد فؤاد
حرصت “الكواكب” فى الذكرى 101 لرحيل فنان الشعب سيد درويش “ 1892 - 1923” على القيام بزيارة لحى كوم الدكة الذى وُلد وعاش فيه طفولته ومراهقته وسنوات شبابه الأولى قبل الانتقال للقاهرة . ولم نكن نتوقع بأى حال أن نشاهد كل هذا الجمال من بيوت أثرية جميلة ومميزة يتكون معظمها من دور واحد فقط مضى على إنشاء معظمها أكثر من مائتى عام من الزمان وفوجئنا بأن معظم البيوت بالحى مزينة برسومات جميلة عن سيد درويش والزمن الجميل مما يضفى على الحى طابعا خاصا ومختلفًا ليس عن كل أحياء عروس البحر الأبيض المتوسط فحسب، بينما عن كل أحياء مصر دون مبالغة. وقد اصطحبنا فى هذه الجولة الفنان عمر محمود أحد أهم مطربى الإسكندرية فى السنوات الأخيرة بشهادة كل أبناء المحافظة، حيث يعد أحد الحريصين على أحياء تراث فنان الشعب. وبداخل الحى قمنا بإجراء العديد من اللقاءات مع مجموعة من أبناء الحى وفنانيه المميزين مثل الأستاذ سامى بشير الذى يحمل كنوزًا من الحكايات الرائعة عن حى كوم الدكة وتاريخه وحياة الموسيقار سيد درويش . وكذلك الأستاذ جمال عبدالستار رئيس جمعية كوم الدكة التى تحرص على إقامة حفلات سنوية مميزة عن فنان الشعب. واصطحبنا المطرب الكبير عمر محمود للمنزل الذى وُلد وعاش فيه فنان الشعب والتقينا بمالكه الحالى الاستاذ على الشتيوى وفاجأنا بأن البيت كما هو منذ ترك سيد درويش له فلم يسكنه أحد، وأكد أنه توارثه عن والده وبدوره هو لم يقم بإجراء أى تعديلات عليه ليظل كما هو بنفس الجدران القديمة ليظل بمثابة البيت الأثرى الجميل فيتكون من دور واحد ولم يتغير فيه ثمة شئ سوى تهدم الغرف الداخلية بفعل عوامل الزمن والأمطار. فهو يتكون من نحو ثلاث غرف وبداخله أبدع سيد درويش أجمل وأروع ألحانه وموسيقاه . ومع الفنان عمر محمود توجهنا للمقهى الشهير بالحى والذى كان سيد درويش يقيم حفلاته فيه. لقد كانت بحق زيارة ممتعة من كل جوانبها تحتاج منا صفحات وصفحات للحديث عنها. ويبقى السؤال عن السر الذى جعل هذا الفنان العظيم الذى ودع عالمنا وهو فى ريعان الشباب فلم يكن عمره تجاوز ال 31 حينما رحل عن دنيانا للبقاء فى قلوب وعقول الأجيال أكثر من قرن من الزمان . فقد عاشت موسيقاه وسيرته فى وجدان جماهيره أكثر من ثلاثة أضعاف عمره ومؤكد ستبقى لعقود كثيرة قادمة . عبقرية موسيقية خالدة نعم لقد عاش سيد درويش فى قلوب وعشاق الموسيقى أكثر من قرن الزمان لكونه وباتفاق كل الاساتذة والمؤرخين أحد أعظم الموسيقيين فى العالم العربى، حيث ترك بصمة قوية على المشهد الموسيقى المصرى والعربى وساهم بشكل كبير فى تطوير الموسيقى العربية الكلاسيكية والشعبية، حيث أحدث ثورة موسيقية وثقافية لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم وستظل لعقود وربما لقرون قادمة بلا شك . النشأة والتأثيرات الأولى ولد سيد درويش فى حى كوم الدكة بالإسكندرية، وسط بيئة متواضعة.. بدأ شغفه بالموسيقى منذ طفولته، وتأثر كثيرا بالتراث الشعبى المصرى، تلقى تعليمه الأولى فى المدارس الدينية، حيث أتقن التجويد وحفظ القرآن، ما أثر بشكل كبير على إحساسه بالألحان والنغمات. تأثرت موسيقاه فى البداية بالطرب التقليدى المصرى، إلا أن انفتاحه على الموسيقى الغربية من خلال عمله فى الفرق المسرحية الأوروبية التى كانت تزور مصر أسهم فى توسيع مداركه الموسيقية، ما دفعه إلى تقديم موسيقى تجمع بين التراث والحداثة. البدايات الفنية بدأ سيد درويش مشواره الفنى بعزف الألحان الدينية فى حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية، ولكنه سرعان ما شق طريقه إلى الفرق المسرحية، حيث قدم أغنيات جديدة تحمل طابعا ساخرا واجتماعيا. تميزت ألحانه بالبساطة والعمق، حيث كانت قادرة على التعبير عن مشاعر الجمهور المصرى بكل تفاصيلها. فى عام 1917، بدأ فى كتابة ألحان للفرق المسرحية الشعبية، وكان أول نجاح كبير له فى مسرحية “ولو” لفرقة نجيب الريحانى. منذ ذلك الحين، أصبح سيد درويش اسما يتردد فى كل أرجاء مصر. ثورة سيد درويش الموسيقية قدم ألحانا جديدة تعبر عن هموم وآمال الشعب المصرى، فى وقت كانت فيه الأغنيات تقتصر على الموضوعات التقليدية. تميز درويش بقدرته على صياغة ألحان بسيطة تصل لقلوب الناس وتعبر عن قضاياهم الوطنية . فقد قام بتأليف أغنيات وطنية تحاكى وجدان الشعب المصرى. ومن أشهر أغنياته فى هذا السياق النشيد الوطنى الخالد “بلادى بلادى”. ولم يقتصر درويش على الموسيقى التقليدية، بل مزج بين أنماط موسيقية مختلفة مثل الموسيقى الشعبية والغربية، وهو ما جعله ملهما لجيل جديد من الفنانين والموسيقيين. أشهر أغنياته وأجمل ألحانه كان لسيد درويش العديد من الأعمال التي تركت أثرا لا يمحى فى وجدان الجمهور المصرى والعربى.. بعض هذه الأعمال لا تزال محفوظة فى ذاكرة الناس حتى يومنا هذا، ومنها: أغنية “زورونى كل سنة مرة”: تعتبر من أشهر أغنيات سيد درويش التى تغنى حتى اليوم فقد عكست الجانب العاطفى فى ألحانه، وأظهرت قدرته على التعبير عن الحب بأسلوب فنى مؤثر. أغنية “أهو ده إللى صار”: حملت هذه الأغنية طابعا مختلفا، حيث عبرت عن أحلام الشعب المصرى وتطلعاته نحو الحرية والاستقلال. أغنية “يا بلح زغلول”: أغنية سياسية غناها درويش تعبيرا عن رفضه للاحتلال البريطانى لمصر، وقد استخدمت هذه الأغنية كأداة مقاومة وشعار للنضال. والكثير والكثير من الأغنيات الوطنية والعاطفية والتى تحمل الطابع الساخر وانتقاد الأوضاع التى كانت تعيشها البلاد فى هذا الوقت . التأثير على المسرح سيد درويش لم يكتف فقط بالغناء والتلحين، بل أسهم بشكل كبير فى تطوير المسرح الغنائى فى مصر. كان له دور بارز فى صياغة ألحان المسرحيات، حيث تعامل مع كبار الكتاب المسرحيين فى عصره مثل نجيب الريحانى وبديع خيرى، وقدم خلال هذه الفترة العديد من الألحان التى ما زالت تقدم على خشبات المسارح حتى اليوم. الوفاة والإسهامات العظيمة رحل سيد درويش فى عام 1923 عن عمر يناهز 31 عاما فقط، إلا أن مسيرته القصيرة كانت مليئة بالإبداع والإسهامات الكبيرة فى عالم الموسيقى. ورغم وفاته المبكرة، إلا أن إرثه الموسيقى ما زال حيا حتى اليوم.. فتعتبر ألحانه من الركائز الأساسية فى الموسيقى العربية الحديثة، وقد ألهمت أجيالا كثيرة من الموسيقيين والمطربين. الأسطورة لا تموت وهكذا حتى بعد مرور أكثر من 100 عام على وفاته، لا يزال سيد درويش يعتبر واحدا من أعظم الموسيقيين فى العالم العربى. وقد أطلق عليه النقاد لقب “فنان الشعب”، لأنه استطاع أن يجمع بين الأصالة والتجديد فى موسيقاه، وأن يكون صوتا للمصريين فى عصره. ومن هنا أصبح سيد درويش أحد أعمدة الموسيقى العربية. لم تكن موسيقاه مجرد ألحان جميلة، بل كانت رسالة وطنية وثقافية تعبر عن روح الشعب المصرى وتطلعاته. ومؤكد وكما ذكرنا ستبقى ألحانه وإرثه الموسيقى خالدين فى ذاكرة الأجيال القادمة.