4-10-2024 | 14:27
محمود الرفاعي
كان هناك ومازال العديد من الأغانى الوطنية التى شدا بها كبار المطربين والمطربات العظماء، الذين عبروا بأصواتهم عن مشاعرهم الكبيرة وحبهم النبيل الذى لا يوجد مثله فى أى مكان سوى مصر، فهؤلاء المطربون هم من نسجوا حب الوطن فى قلوب الجماهير من الصغير إلى الكبير، وزرعوا فى وجدان الملايين أرضاً خضراء لا تيبس أبداً، وكانوا صادقين فى هذا الحب، لذلك ظلت أغانيهم خالدة، وظل وإحساسهم الصادق باقياً إلى الآن.
جاءت ثورة يوليو المجيدة لتظهر والتحولات الكبرى فى مصر لتنفجر الأغانى الوطنية التى انهمرت فور نجاح هذه الثورة، ولتهدى أم كلثوم محبيها أغنيتها الخالدة «مصر التى فى خاطرى وفى فمي أحبها من كل روحى ودمى» بعد أسابيع قليلة فقط من قيام الثورة، ثم يتألق عبد الحليم ليشدوا بأول أغنية وطنية له وهى «العهد الجديد» فى نفس عام الثورة، لتكون «إحنا الشعب» أول أغنية يغنيها، ليتربع بعدها على عرش الأغانى الوطنية ومنها «صورة»، «بالأحضان»، «أهلاً بالمعارك»، «المسؤولية»، «حكاية شعب».
شادية.. حالة خاصة
من بين أجمل من قدموا الأغانى الوطنية الفنانة العظيمة شادية، وشادية لها أغان كثيرة عاطفية، وأخرى وطنية، وتعتبر شادية أن الأغنية الوطنية هى أقوى الأغانى العاطفية، لأنها فى حب الوطن الذى هو أغلى من الجميع، وقدمت شادية عدداً كبيراً من الأغانى الوطنية والتقت قمماً لحنية وقامات موسيقية كبييرة إلا أن تعاونها مع الموسيقار بليغ حمدى كان له طعم آخر ليبحر صوتها مع موسيقاه كما لم يبحر مع غيره، ذهب صوتها إلى موسيقاه فأظهرت ألحانه بعداً آخر فى صوتها، وقد بلغ الثنائى قمة المجد الفنى، كما أنه لم ينسَ أن يضع البصمة الأهم فى لقائهما معاً من خلال عدد كبير من الأغانى الوطنية مثل «عبرنا الهزيمة»، «غالية يا بلادى»، «يا أم الصابرين»، «ادخلوها سالمين»، «عدينا يا معداوى»، ليضع على قمة هذا التاج درته من خلال أغنية «ياحبيبتى يا مصر»، التى يرددها الجماهير بشكل مستمر.
عبدالحليم.. مطرب الثورة
كما كان عبدالحليم حافظ من أشهر مطربى الأغانى الوطنية أو الحماسية، والذى لقبوه بـ«مطرب ثورة يوليو»، ولمَ لا؟.. فقد ساهمت أغانيه بقدر كبير فى التعبير عن الثورة، فكان حليم سباقاً للغناء فى كل مناسبة وطنية، وساعده فى هذا الشاعر صلاح جاهين، والملحن كمال الطويل وغيرهم الكثيرون.
فالأغنية الوطنية فى مصر تحديداً بدأت قبل ثورة يوليو، ولكنها انتشرت بعد الثورة انتشاراً كبيراً، وتبارى جميع المطربين فى أدائها، خاصة أنها كانت تحقق نسبة استماع مرتفعة جداً، وقد تألق جميع المطربين تقريباً فى غناء تلك الأغانى، ولكن لا أحد يبارى عبد الحليم على الساحة منذ ثورة يوليو 1952 وحتى انتصار السادس من أكتوبر، فقد قدم نحو 15 أغنية وطنية من بينها «عدى النهار»، «ابنك يقول لك يا بطل»، «صباح الخير يا سينا»، «أحلف بسماها وبترابها»، «خلى السلاح صاحى».
أغانى ستظل خالدة
ومع انتصارات أكتوبر المجيدة تظهر أغنيات رائعة عبّرت بالفعل عن الحدث العظيم إلى حد بعيد، فبعد ساعات قليلة من بدء المعركة انطلق مبدعو مصر من مطربين وملحنين وشعراء ليبدعوا بمنتهى الصدق أغنيات خالدة ما زالت تسكن وجدان الملايين ومن أهمها «بسم الله... الله أكبر... باسم الله.. باسم الله» للمجموعة، و«أنا على الربابة بغنى» لوردة و«الباقى هو الشعب» لعفاف راضى و«لفى البلاد يا صبية»، «قومى إليك السلام يا أرض أجدادى»، «صباح الخير يا سينا» لعبد الحليم، ولا ننسى أغنية «أم البطل» لشريفة فاضل والتى غنتها بروحها بعدما ودعت ابنها الطيار المقاتل خلال الحرب، وكانت «رايات النصر» للمجموعة، و«مصر يا غالية» لنجاح سلام، و«ع البر التانى» لنجاة، و«سمينا وعدينا» لشهرزاد.. ليعيش المصريون والعرب حتى يومنا الراهن ذكرى أغلى انتصار.
الأوبرتيات
كان من أشهر الأوبريتات الوطنية على الإطلاق أوبريت “الوطن الأكبر” الذى شارك فيه العديد من الفنانين من شتى أنحاء الوطن العربى بمناسبة وضع حجر أساس السد العالى فى عام 1960.
وضع لحن الأوبريت الموسيقار محمد عبدالوهاب، ولكنه لم يشارك بالغناء فيه، وأصبح “وطنى حبيبى” كما يحلو للبعض تسميته “درة” الأوبريتات الوطنية.
بدأت الحكاية من موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، هو أول من انشغل بفكرة العمل، عقب الإعلان عن مشروع السد العالى، ومن شدة حماسه اتصل هاتفيا بالشاعر أحمد شفيق كامل.
كتب “شفيق” مذهب الأوبريت “وطنى حبيبى الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكتر.. وانتصاراته ماليا حياته وطنى بيكبر وبيتحرر”، وبعد أن أعرب له عبدالوهاب عن إعجابه بالمذهب، واصل كتابة باقى مقاطعها وإبلاغه بها تليفونيا، حتى عاد إلى القاهرة ومعه النص الكامل للأوبريت.
استمرت الجلسات بينهما حتى قاما بمشاركة الموزع الموسيقي على إسماعيل، باختيار مطربيه ومطرباته، واتفقوا أن تكون البداية والنهاية بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.
وقبل الظهور الأول للأوبريت يوم 9 يناير 1960، شهد أول مراحل تعديله بعد انسحاب المطربة فايزة أحمد من البروفات، ليقدمه عبدالحليم حافظ، بمشاركة كل من شادية، نجاة الصغيرة، صباح، هدى سلطان، بحفل وضع حجر أساس السد العالى.
ثلاثة أوبريتات
كما قدم الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الابنودى ثلاثة أوبريتات وطنية الأول جاء تحت عنوان “حراس الوطن” وهو أوبريت يؤرخ ويحكى عن المقاومة والدفاع الوطنى فى 25 يناير عام 1952 وبسالة قوات الشرطة بالإسماعيلية تقديرا لدور الشرطة فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى وهو نفس اليوم الذى اتخذ بعد ذلك عيدا للشرطة المصرية.
أما الأوبريت الثانى فقد جاء تحت عنوان “عيون الوطن” وهو أوبريت يؤرخ للكفاح ضد العدوان الثلاثى فى مدينة بورسعيد فى 23 ديسمبر 1956.
فيما كان الأوبريت الثالث والأخير تحت عنوان “يوم من عمر الوطن” واختص به عبد الرحمن الأبنودى مدينة السويس حيث قام بالتأريخ لشجاعة أبناء السويس ضد العدو فى 24 أكتوبر 1973.
المطربون العرب فى حب مصر
ونتذكر هنا أيضاً أن المطربين العرب ساهموا أيضاً بقدر كبير فى الأغانى الوطنية لمصر لتترك أغانيهم أثراً كبيراً فى وجدان الشعب المصري، ومن بين هذه الأغانى أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود» التى تعد من أعظم الأغانى الوطنية التى تغنت بها المطربة اللبنانية نجاح سلام.. ولم تكن مطربة لبنان الفنانة الكبيرة فيروز بعيدة عن المناسبات المصرية لتغنى «مصر عادت شمسك الذهب» وكانت المطربة التونسية عليا قريبة من المصريين فى أغنيتها الشهيرة «متقولش إيه إدتنا مصر»، وكذلك قدم المطرب اللبنانى وديع الصافى أغنيته الجميلة «عظيمة يا مصر يا أرض النعم».
ونختم بالمطرب الإماراتى حسين الجسمى الذى أصبحت أغنيته «بشرة خير» واحدة من أبرز الأغانى الوطنية المعبرة عن ثورة 30 يونيو.