الخميس 21 نوفمبر 2024

مهرجان الإسماعيلية..ذكريات وشجون ..وعود حميد

12-10-2024 | 13:21

قبل أكثر من 30 عاما طلبت  مني أستاذتي السيدة حسن شاه  رئيس تحرير الكواكب الأسبق أن أذهب بدلا منها لحضور فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية، واشترطت  أن أذهب للترفيه والفرجة وعدم الكتابة حيث كنت ضمن مجموعة من شباب الصحفيين الذين يعملون بجهد خارق في مجلة الكواكب في محاولة جادة للوجود إلى جانب الأساتذة الكبار غنيم عبده وعائشة صالح وحلمي سالم وعزت الأمير، وكانت أستاذتي الراحله تنشر لي كل أسبوع من موضوعين إلى ثلاثة موضوعات وأحيانا أربعه وكان في درج مكتبها موضوعات كثيره لي لم يتم نشرها بعد ، ولذلك رأت  أستاذتي أن تكافئني بهذه الرحلة إلى ذلك المهرجان الوليد الذي خرج من بنات أفكار محافظ الإسماعيلية آنذاك د.عبد المنعم عمارة في عام 1985، ولم ينتظم المهرجان في الانعقاد الدوري إلا مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وتم إسناد تنظيم المهرجان للهيئة العامة لقصور الثقافة وكان يقودها في ذلك الوقت رجل من أكفأ قيادات وزارة الثقافة الأستاذ حسين مهران رحمه الله، كما كان يدير المهرجان واحد من أهم رموز الرقص الشعبي في مصر الفنان محمد خليل وتساعده الفنانة مشيرة إسماعيل، وهما أبرز نجوم الفرقة القومية للفنون الشعبية ومعهما الفنان كمال نعيم والفنانة عايدة رياض، واستمرت علاقتي بهذا المهرجان المهم لعدة سنوات بعد ذلك حيث كان محافظ الإسماعيلية خلال هذه الفترة د. عبد المنعم عمارة يحرص على دعوة كبار الفنانين والإعلاميين والصحفيين والرياضيين لحضور فعاليات المهرجان الذي كان يستقطب عددا كبيرا من فرق الفنون الشعبية من كل قارات العالم، وكانت الإسماعيلية تلك المدينة الهادئة الجميلة تعج بالنشاط والحيوية والبهجة طوال أيام المهرجان، الذي يبدا دوما بعرض لكل الفرق المشاركة في المهرجان يجوب شوارع المدينة الساحرة ديفيليه، ثم بعد ذلك تقدم تلك الفرق عروضها في كل نوادي وحدائق الإسماعيلية والمدن التابعه لها مثل فايد والقنطرة وأبو صوير، وانقطعت علاقتي بهذه المهرجان بعد أن ترك د.عبد المنعم عمارة منصب المحافظ ليصبح وزيرا للشباب والرياضة وبعد أن وصل حسين مهران إلى سن التقاعد، ومنذ عدة أيام فوجئت بصديقي الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يدعوني لحضور فعاليات الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان الإسماعيلية، وقد فوجئت بأن حماس أهل الإسماعيلية لم يفتر حيث اقبلوا بالآلاف لمشاهدة عروض الفنون الشعبيه وقد حضرت وسط تلك الجماهير في العديد من مواقع المدينة.. وقد أحسنت اداره المهرجان عندما بدات فعاليات الدورة الجديدة في حفل افتتاح المهرجان بتكريم الدكتور عبد المنعم عمارة مؤسس المهرجان و أيقونة الرقص الشعبي الفنانة القديرة فريدة فهمي واسم الفنان محمد خليل أول مدير للمهرجان، وقد شارك في فعاليات المهرجان هذا العام 21 فرقه فقط وهو عدد جيد ولا بأس به منها ست فرق من خارج مصر هي الجزائر والاردن والصين والهند واندونيسيا ورومانيا و15 فرقه من مصر تمثل العديد من البيئات الشعبية التي تنتمي إلى مختلف اقاليم مصر ومنها" أسوان أسيوط المنيا الوادي الجديد العريش الإسماعيلية بورسعيد الإسكندرية" إلى آخره ..كما شاركت فرقتان من أصحاب الهمم، و تفاعل الجمهور كثيرا مع عروضهما ، كما تفاعل مع عروض كل الفرق الأخرى حيث يمثل الفن الشعبي مخزون التراث الإنساني للبيئة التي يعبر عنها ، ومن الرائع أن البيئة المصرية تقوم على التنوع والتعدد مما يمنحها الكثير من الثراء والحيوية ويصب كل هذا في مزيد من الامتاع والتثقيف لدى متلقي هذه الفنون الراقية ، ويعود هذا بالطبع للجهد الكبير للصديق محمد ناصف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، و معاونيه الذين تم استثمار ما لديهم من إبداع في إنجاح هذه الدورة من المهرجان حيث يقود الإداره المركزيه للشؤون الفنية بالهيئة الفنان القدير أحمد الشافعي ويقود الإداره المركزية للشؤون الثقافيه بالهيئة الشاعر الكبير دكتور مسعود شومان ، ويدير المهرجان الفنان القدير ماهر كمال صاحب التجربة الفنية والإدارية الكبيرة في الإسماعيلية وفرقة رضا، وقد استثمر دكتور مسعود شومان قدراته البحثية في إقامة عدة ندوات علمية متخصصة في مجال الفنون الشعبية ومراحل تطورها كنشاط علمي موازي لفعاليات المهرجان، وقد شارك في هذه الندوات مجموعة من الباحثين والفنانين المهمين في مجال التراث الشعبي مثل دكتور محمد شبانه، دكتور محمد أمين عبد الصمد، دكتور أشرف عوض الله، الشاعر محمد بغدادي ، الفنان فوزي الجمل، الشاعر مدحت منير، الى آخره وناقش كل هؤلاء عدة محاور أهمها توظيف فنون القول في فرق الفنون الشعبية، وتوظيف العادات والتقاليد والمعتقدات في فرق الفنون الشعبية، وعناصر التراث والماثور الشعبي في فرق الفنون الشعبية ، وقد كشفت هذه الندوات عن وجود حالة من الانفصام الشبكي بين بعض الفنانين والباحثين حيث تعاني بعض الفرق من وجود أخطاء في استلهام وتوظيف الموروث الشعبي.. وقد خرجت تلك الندوات العلمية بعدد من التوصيات المهمة يأتي في مقدمتها دعم فرق الفنون الشعبية بخبرات باحثي   الهيئة العامة لقصور الثقافة مع عمل دورات تثقيفية لتأهيل مصممي ومديري ومدربي تلك الفرق والعمل على نشر تعليم الآله الشعبية   التي يتميز بها كل اقليم مثل الربابة والسمسمية الى آخره،   إضافة الى إنشاء ذاكرة توثيقية لفرق الفنون الشعبية، وقد جاء حفل ختام المهرجان والذي اقيم على مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية ليمثل أفضل ختام لهذه الدورة الناجحة والتي تمثل انطلاقة للأمام لهذا المهرجان المهم كبؤرة جذب لأهم فرق الفنون الشعبية في كل دول العالم، وكان أجمل ما في حفل الختام أوبريت "مصر يا غالية" الذي شاركت فيه كل الفرق المصرية التي قدمت عروضها في المهرجان في تناسق حركي ونغمي مبهر حاز على إعجاب الجماهير الغفيرة التي امتلأ بها مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية.