25-10-2024 | 14:31
خالد فؤاد
يعد الفنان الكبير الراحل يوسف وهبى الذى نحتفل بذكرى رحيله الـ 42 واحداً من أعمدة الفن المصرى والعربى باتفاق كل الفنانين والنقاد والمؤرخين.
فقد ساهم كأحد رواد الفن العظماء فى تطوير المسرح المصرى والعربى والانتقال به لمنطقة مختلفة غير التى كان عليها قبل ظهوره .
وكان له دور بارز وعظيم فى النهوض بالسينما فى النصف الأول من القرن العشرين، ويكفى أنه صاحب أول فيلم مصرى “أولاد الذوات” عام 1932 بعد مشاركاته الأولى منذ عام 1927 فى مجموعة من الأفلام التى قدمت مع ظهور السينما الصامتة.. فقد قدم أعمالًا كثيرة لا تنسى وأثرى الثقافة المصرية والعربية بفنه وإبداعه الجميل عبر سنوات طويلة، وتعالوا بنا نعيش فى ذكراه هذه الرحلة الفنية.
ابن الذوات نصير الفقراء
الغريب فى يوسف وهبى أننا وجدناه فى غالبية الأعمال التى قدمها إن لم يكن جميعها يحرص على مناقشة قضايا البسطاء ويبحث عن إرساء القيم والأخلاقيات والتمسك بالعادات المصرية الأصيلة، على الرغم من ولادته بداخل عائلة ثرية مرموقة كان لها مكانة رفيعة فى المجتمع.
فقد ولد يوسف وهبى فى 14 يوليو 1898 بمدينة الفيوم من عائلة أرستقراطية من كبار ملاك الأراضى الزراعية فوالده هو عبد الله باشا وهبى من وجهاء مصر..وقد رفض فى البداية فكرة دخوله عالم الفن حيث كان يتم النظر لأرباب هذه المهنة قديماً نظرة غريبة.
رحلة المسرح أبوالفنون
إلا أنه أى الابن يوسف وهبى أصر على تحقيق رغبته القوية خاصة بعد سفره لإيطاليا فى شبابه المبكر وانبهر بهذا العالم المثير وتلقى تعاليمه الأولى فى فنون المسرح هناك، وعاد وكله حماس فى تطبيق ما شاهده وتعلمه هناك بما يتوافق مع التقاليد والعادات المصرية الأصيلة، وقد كان حيث بدأ خطواته الأولى فى أبو الفنون وقام فى عام 1923 بتأسيس “فرقة رمسيس” والتى كانت باتفاق المؤرخين والنقاد نقطة تحول هامة فى تاريخ المسرح المصرى حيث شاهد الجمهور والنقاد شكلًا مختلفًا لم يكن متعارفا عليه من قبل فى سلسلة العروض التى قدمها ولعل من أبرزها: “روميو وجولييت، الطاغية ، والمجنون، أحدب نوتردام، كرسى الاعتراف، المائدة الخضراء ، والخطر، وراسبوتين، أولاد الفقراء، سفير جهنم، والصهيونى”..، وغيرها من العروض الأخرى الهامة والكثيرة والتى دفعت كافة الفرق الأخرى لإعادة حساباتها من جديد لمواكبة العصر ..كما كان كل أعماله فى المسرح وعبر سنوات طويلة خليطًا بين التراجيديا والكوميديا.
مشوار السينما
وعلى صعيد السينما فقد بدأ يوسف وهبى مشواره فيها منذ بداياتها الأولى وكانت أبرز أعماله فى هذا التوقيت فيلم “ زينب “ عام 1930، وفيه أعماله السينمائية بفيلم “زينب” وبعد ظهوره بأول فيلم مصرى ناطق “ أولاد الذوات“ كما قدم مجموعة كبيرة من الأفلام التى حقق معظمها نجاحًا كبيرا وصدى واسعا وردود أفعال قوية ومعارك لا تعد ولا تحصى حيث كانت جميعها تناقش قضايا مجتمعية هامة وخطيرة وتدق ناقوس الخطر فى هذه المرحلة، فكان يرى دائما أن الملاذ الأمن يكمن فى التمسك بالقيم والأخلاقيات والتقاليد الراسخة فدونها يصبح من السهل اختراقنا بالسموم التى تهدف لهدم كافة القيم التى تربينا عليها .
وفى هذا الصدد قدم مجموعة كبيرة من الأفلام الرائعة خلال حقبتى الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى لم يكن مجرد بطلا لها فقط بينما قام بإخراج وإنتاج وشارك فى كتابة السيناريوهات للعديد منها .
نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: “ سيف الجلاد، المجد الخالد، ساعة التنفيذ، يد الله ، فى ليلة ممطرة ، ليلى بنت مدارس ، ليلى بنت الريف ، بنت ذوات ، أولاد الفقراء، الطريق المستقيم ، ابن الحداد ، سفير جهنم، بنت الريف، يد الله، أولاد الشوارع ، المهرج الكبير ، بنت الهوى ، حياة أموت”.
وكان من أهم الأفلام التى قدمها فى هذه الفترة فيلم “ غرام وانتقام” عام 1942 وهو آخر أفلام الفنانة الراحلة أسمهان، التى لاقت حتفها فى حادث السيارة الشهير قبل أن تستكمل المشاهد الأخيرة للفيلم ، وتم منحه رتبة البكوية ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى بعد عرض هذا الفيلم مباشرة.
وخلال مسيرته الفنية الطويلة حظى يوسف وهبى بتقدير واسع من الجمهور والنقاد على حد سواء، وأطلقت عليه ألقاب مثل: “صاحب العزّة”: و“عميد الظهير العربى” و”فنان الشعب”، ودائما ماكنا نجد اسمه مقرونا بلقب البكوية “يوسف بك وهبى“، وحصل كذلك على وسام الفنون والآداب من فرنسا.. وتم تكريمه من قبل الدولة المصرية ومن قبل كل الرؤساء عدة مرات.
ومن هنا لم يكن يوسف وهبى مجرد فنان فحسب بينما مؤسسة فنية متكاملة ساهمت فى تطوير الفن المصرى بكافة أشكاله وملهم كبير كما قالوا لكل الفنانين الذين جاءوا بعده.
وقد تخرجت فى فرقته المسرحية أجيال وأجيال من النجوم الكبار الذين أثروا السينما والمسرح بالكثير من الأعمال الهامة فى السنوات التالية حيث فتح المجال أمامهم جميعا فساهم فى صناعة أجيال من الممثلين والمخرجين الذين ساروا على دربه وخطاه.
الكوميديا فى افلام نهاية العمر
ومع تقدمه فى العمر، ورغم تحطم حلمه الكبير فى إنشاء مدينة رمسيس للفنون بعد العثرات المادية القاتلة التى مر بها فهو من الفنانين الذين أضاعوا أملاكهم وثرواتهم على الفن دون أن يشعر بثمة ندم لقناعته بكل ما كان يقدمه .
فقد تعامل مع المرحلة السنية الجديدة فى حياته بشكل مختلف ودون الإساءة لاسمه وتاريخه، على الرغم من أنه لم يكن بطلا لهذه الأفلام وشاهدناه فى قالب كوميدى خفيف ومختلف فى العديد من الأفلام والتى بدأها بفيلم “إشاعة حب“ وجسد فيه شخصية عبدالقادر النشاشجى التى كان مرشحا لها من قبله عبدالفتاح القصرى وأبهر الجميع بالشخصية، ليكتشفه المخرجون فيه منطقة مختلفة فقدم العديد من الأفلام التى أخذت نفس الطابع فى حقبتى الستينيات والسبعينيات مثل: “اعترافات زوج ، وشنبو فى المصيدة ، وعشاق الحياة ، ميرامار ، وزمان ياحب”..، وغيرها حتى آخر أفلامه “ السلخانة” مع سمير صبرى عام 1982 ورحل فى يوم 17 أكتوبر من نفس العام .
إنتاج مذكراته فى عمل فنى
بقى أن نقول فى النهاية إنه صدر العديد والعديد من الكتب الهامة عن الفنان الكبير الراحل يوسف وهبى سواء فى حياته أو بعد رحيله جميعها تناولت مسيرته ورحلته ومشواره الفنى والإنسانى.
وقام هو بكتابة مذكراته فى كتاب شهير حمل عنوان “عشت ألف عام” حقق نجاحا كبيرا ونفدت منه عدة طبعات تناول فيه بكل مصداقية حياته الكاملة منذ الطفولة حتى الكبر والشيخوخة، وأذهل الجميع بصراحته المفرطة وتعرضه للأخطاء التى وقع فيها فى حياته كإنسان.
ولا نعرف كيف لم ينتبه المنتجون والمخرجون حتى اليوم لتقديمها فى عمل فنى كبير من المؤكد سيحقق نجاحًا وصدى واسعا بفضل المصداقية والوضوح.