25-10-2024 | 14:34
ولاء جمال
بالطبع كان الفن دائماً ولا يزال ترجمة وانعكاساً لواقع المجتمع ومشكلاته منذ زمن بعيد وحتى الآن، لذلك نجد العديد من الأعمال الفنية التى اهتمت بالمشكلة السكانية، فقد دقت أعمال فنية عديدة ناقوس الخطر من تلك المشكلة منذ حقبة الستينيات، متطرقة إلى مخاطرها والآثار السلبية المترتبة عليها، لتشهد السينما والتليفزيون العديد من تلك الأعمال، التي نرصد عدداً منها في التقرير التالى.
حسين رياض.. وزكى رستم
أبدع الفنان حسين رياض حين قدم شخصية الأب الموظف المطحون المسؤول عن 7 بنات فى الفيلم الذى حمل نفس الاسم «السبع بنات»، والذى تم إنتاجه عام 1961، حيث يظهر خلال الأحداث حجم الضغوط التى يعانيها الأب للإنفاق على بناته وتعليمهن، وكيف يقع تحت ضغط الابتزاز بين وظيفته وسعادة إحدى بناته فى الارتباط بالشخص الذى تحبه، وذلك حين ضغط عليه مديره كى يرفض زواج ابنته من هذا الشخص وإلا يفقد الأب وظيفته.
نفس المعاناة والضغط الذى جسده الفنان الكبير زكى رستم فى فيلم «أنا وبناتى» عام 1961، من معاناة الأب البسيط الذى لا يستطيع تجهيز بناته الأربع ويمرض بعد أن يستولى أحد النصابين على مكافأة معاشه، ويتدهور حال الأسرة حتى تنتحر إحدى بناته.
لم يكن مفهوم تنظيم الأسرة أو الوعى بمخاطر الزيادة السكانية قد ظهر أو تبلور فى هذا الوقت الذى جسدت خلاله الأعمال الفنية معاناة الأسر الكبيرة، ولكن تلك الأعمال كانت تنقل بعض الصور من الواقع، حيث كان من الطبيعى أن تعرض الأعمال الفنية مشكلات الواقع حتى قبل أن تظهر مصطلحات «تنظيم الأسرة» و«مواجهة الزيادة السكانية».
وهكذا استمرت الأعمال الفنية فى تقديم الواقع الاجتماعى للأسر المصرية ذات العدد الكبير كجزء من المجتمع بأشكال مختلفة، وكلها يؤكد حقيقة تلك المعاناة الناتجة عن الفجوة الناتجة عن زيادة احتياجات الأسر على مواردها ودخلها فى حالة زيادة عدد أفرادها وما ينتج عن ذلك من ضغوط ومعاناة.
كانت هذه نفس التيمة التى اعتمدت عليها أفلام حققت نجاحاً كبيراً فى نقل صورة الواقع وحياة المصريين، ومنها فيلم «أم العروسة» عام 1963 بطولة عماد حمدى وتحية كاريوكا، الذى رأت فيه الطبقة المتوسطة وأغلب الموظفين صورة بيوتهم ومعاناتهم على الشاشة فى شكل اجتماعى كوميدى تتصاعد خلاله الأحداث، حتى يضطر الأب الموظف البسيط إلى سحب مبلغ من عهدته لاستكمال جهاز ابنته، فيصبح مهدداً بالسجن تزامناً مع فرح ابنته، لولا تدخل صديقه الموظف معه بالشركة وتسديده المبلغ قبل اكتشاف هذا الاختلاس.
واستمر تقديم هذه الصورة فى الجزء الثانى من القصة التى جسدها فيلم «الحفيد» عام 1974 بطولة كريمة مختار وعبدالمنعم مدبولى.
«الأرانب»
ومع بداية الثمانينيات بدأت حملات إعلامية وفنية منظمة لتنظيم الأسرة.
وكان فيلم «أفواه وأرانب» عام 1976 لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من أهم وأبرز الأفلام التى سبقت هذه الحملات وعرضت مشكلة الزيادة السكانية ومعاناة الأسر الكبيرة بشكل مباشر وواضح، وما يسببه تواكل الأسر وزيادة أعدادها من مشكلات تعانى منها كل الأطراف، وترجمت أغنية الفيلم الشهيرة هذه المعاناة وتلك المشكلات، حيث تحدث الفيلم عن «نعمة» التى تعيش مع أختها، وزوجها وأبنائهما التسعة فى منطقة ريفية، ويعانى الجميع خلال الأحداث من وطأة الفقر والظروف الصعبة نتيجة لزيادة عدد أفراد الأسرة وتواكل الزوج والزوجة الذى أدى إلى تزويج «نعمة» دون علمها وإرادتها من المعلم «بطاوى» المتزوج من عدة زوجات مقابل المال، وهو ما دفع بأحد الأبناء إلى محاولة قتله لتخليص خالته من سطوة هذا الرجل ومن الزيجة المزورة.
وبالرغم من أن أفلاماً مثل «إمبراطورية ميم» لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والذى تم عرضه عام 1972، و«عالم عيال عيال» عام 1976 للفنانة الكبيرة سميرة أحمد والراحل رشدى أباظة لم تكن مشكلة الأسر الكبيرة فيها مشكلة مادية، حيث كانت الأم فى «إمبراطورية ميم» ذات منصب كبير ولم تتطرق الأحداث فى فيلم «عالم عيال عيال» إلى المشكلات المادية، حيث كان الأب والأم من ذوى المناصب والوظائف الكبيرة، فإن الأحداث عرضت العديد من المشكلات التى تواجهها الأسر الكبيرة فى متابعة الأبناء وتربيتهم واستيعاب مشكلاتهم، كما تناولت بعض الأفلام قضية كثرة الإنجاب ومشكلاته بشكل كوميدى، ومنها فيلم «البعض يذهب للمأذون مرتين»، حيث جسد الزعيم عادل إمام مشكلة الزوج الذى لا تجد زوجته وسيلة لاستمرار حياتهم سوى كثرة الإنجاب.
بيع الأبناء وزواج القاصرات
وأظهرت الأعمال الفنية فى العديد من الموضوعات معاناة الأبناء أيضاً الذين يصبحون ضحايا بسبب كثرة الإنجاب، خاصة مع قلة الدخل، وارتباط قضايا زيادة الإنجاب بالعديد من المشكلات والقضايا الأخرى، حيث يصل الأمر أحياناً إلى أن تبيع الأسرة أحد أو بعض أبنائها لتستطيع الإنفاق على باقى الأبناء، سواء من خلال التبنى أو بزواج القاصرات، وهو ما جسدته أفلام مثل «لا تسألنى من أنا» للفنانة الكبيرة شادية عام 1984، حيث اضطرت الأم إلى بيع إحدى بناتها للسيدة التى تعمل لديها كى تستطيع الإنفاق على باقى الأبناء.
كما ظهرت مشكلات الأسر الفقيرة كبيرة العدد فى أفلام مثل «الصبر فى الملاحات» عام 1986، و«الجراج» عام 1995، وفيلم «الغابة» عام 2008، وفيلم «حين ميسرة» عام 2007 وغيرها من أفلام ومسلسلات.
وقدمت الدراما التليفزيونية العديد من الأعمال التى تناولت الآثار الضارة للزيادة السكانية، ومنها مسلسلات «عادات وتقاليد» عام 1972، و«أهلاً بالسكان» عام 1984، و«وما زال النيل يجرى» عام 1992، و«القاصرات» عام 2013، و«أريد رجلاً» عام 2015، والذى تحدث عن قضية إنجاب البنات ومسؤولية الرجل عن تحديد جنس المولود بعكس المعلومات الخاطئة المتداولة التى يتخذها الرجال ذريعة لتعدد الزوجات بهدف إنجاب الذكور وبالتالى زياددة عدد أفراد الأسرة، وشارك كبار الكتاب والفنانين والمخرجين فى صناعة هذه الأعمال، ومنهم الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة والشاعر الكبير سيد حجاب والمخرج الكبير محمد فاضل وغيرهم.