الأربعاء 4 ديسمبر 2024

دور مميز في عمل ضخم .. " أهل الكهف " أخر أعمال الراحل مصطفى فهمي

3-11-2024 | 11:38

عندما عرض قبل عدة أشهر وتحديدا في شهر يونيو ٢٠٢٤ ، و لأني كنت في انتظاره منذ زمن .. شاهدته ، انبهرت ، استمتعت و هممت لأكتب ولكني صدمت ، فأثرت الصمت ، عن فيلم "أهل الكهف" أتحدث .. ففي رأيي هو تحفة فنية و فكرية شديدة التمييز ، فهو فيلم ذو إنتاج ضخم و عمل تاريخي ذو أبعاد فلسفية عميقة ، يكفينا أنه مقتبس من الرواية الفلسفية" أهل الكهف" للأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم . و أما عما صدمني فكان فيما يتعلق بكون الفيلم لم يحقق إيرادات كبيرة وقت عرضه في دور العرض السينمائي لا سيما في موسم عيد الأضحى ، فقد نزل للمنافسة أمام أفلام مثل ( أولاد رزق٣ واللعب مع العيال وعصابة الماكس) ، فاندهشت حيث أدركت أنه فيلم خاص لجمهور خاص وهي عبارة كان عقلي يرفضها ولكنها تحققت على أرض الواقع .. بل و أدركت كم هي سطوة الأفلام الكوميدية أو الأكشن ، خاصة في مواسم الأعياد ، مما جعل الحظ لا يحالف الفيلم ، بداية من توقيت عرضه ، إضافة إلى ثقله الفكري والفني والفلسفي وهي نوعية غير مطلوبة في هذه الأوقات من الإجازات . فأبطال العمل الرئيسين هم مجموعة يفرون إلى كهف لينجوا بأرواحهم من تتبع الملك لهم ، وبعد مئات السنوات التى يقضونها هؤلاء الفتية نائمين داخل الكهف ، يستيقظون ويذهب أحدهم ليبتاع طعاما له و للأخرين ، فيفاجئ بأن ملامح المدينة قد تغيرت وأن الناس تستغرب شكله وشكل العملة المعدنية التي معه ، فيدرك أن الزمن قد تغير وأنه في زمن آخر و يشاع الأمر في المدينة . أما عن البعد الفلسفي فقد ظهر جليا في رواية مسرحية من أربع فصول للكاتب توفيق الحكيم وتدور أحداث الرواية حين يستيقظ ثلاث أشخاص داخل كهف بعد 300 عام من النوم وكانوا قد أووا إليه هربا من بطش الملك و يعود الثلاثة إلى المملكة و يصطدموا بتغيير شكل الحياة ويدخلوا في صراع مع الشعور بالوحدة بسبب عدم وجود ايا مما كان يربطهم بحياتهم السابقة وعدم تقبلهم للحياة بشكلها الجديد ، ليكون قرارهم العودة مرة أخرى إلى الكهف انتظارا للموت . و هو طرح يدعونا للتأمل في الإجابة عن سؤال ، ماذا لو استيقظ احدا منا في عالم غير عالمه على المستوى الزمني والمكاني، فماذا سيفعل.. هل يتأقلم مع الحياة الجديدة أم يتمنى العودة لحياته التي يألفها ؟ ومن هنا ومن كل هذه الأطروحات نجد أن تحويل العمل المسرحي لأول مرة إلى عمل سينمائي وقد جاءت الفكرة للمخرج عمرو عرفة ، مخرج فيلم "أهل الكهف" بمعالجة سينمائية للقصة الأصلية وإعداد السيناريو والحوار للكاتب أيمن بهجت قمر ، هي مغامرة جريئة بل شديدة الجرأة بكل المقاييس و المعايير ، فقد وضعوا أنفسهم أمام تجربة شديدة الصعوبة، حيث أن تناول التاريخ في حد ذاته هو أمر صعب ، وكذلك تحويل عمل مسرحي إلى سينمائي هو أيضا أمر له عقباته وعواقبه التي تزيد الأمر صعوبة بلا شك . وعلى ذلك فنحن أمام أكثر من طرح وعدد من آليات التناول والذي أراه قدم بإسلوب فني قوي من خلال الفيلم ،بلغة بصرية ممتعة ، ولغة سردية جذابة من خلال مجموعة من الأبطال والممثلين الأقوياء الذين أجادوا في تقديم أدوارهم ذات الصعوبة ، حيث خصوصية الأعمال التاريخية وما تتطلبه من ديكورات ضخمة فى القصور الملكية أو حتى فى التصوير الخارجي لاسيما للمعارك الحربية و التى تحتاج زوايا تصوير واسعة و إستخدام لمجاميع كبيرة ، كذلك الملابس فى عصر غير العصر و زمان غير الزمان و المكياج و التسريحات شديدة الخصوصية ، أما عن الأبطال فكانوا نخبة من ألمع نجومنا وعلى رأسهم بحكم السن و المقام ، كان النجم الراحل الفنان الكبير مصطفى فهمي والذي برحيله فتح شهيتنا للحديث عن الفيلم حيث انه أخر أعماله التي قدمها على شاشة السينما في دور الإمبراطور " داكيوس" والذي تبدا به أحداث الفيلم ، كونه هذا الإمبراطور الروماني الذي يضطهد الاخرين و يخيرهم ويظهر في دور مميز جدا ، حيث جاء اختياره مناسبا لما كان يمتلكه الراحل من قامة طويلة وملامح أوروبية شقراء تناسب مواصفات هذا الملك الروماني القديم وهو يجلس في ساحة الإمبراطور وأمامه مصارعة الوحوش مع بعضها أو مصارعة الرومان مع الوحوش أو الرومان مع بعضهم البعض ، حتى يتقاتلوا وسط آلاف الحضور من الشعب الذين يشاهدون بإستمتاع هذه الدموية التي كانت سائدة آنذاك، و قد اجاد مصطفى فهمي فى تقديم دور الشر بملامح حادة قوية و تعبيرات بالصوت و الوجه جاءت شديدة البراعة ، بينما تجلس بجانبه ابنته" بريسكا" الفنانة الجميلة غادة عادل وهي يقشعر بدنها من مشاهدة هذه المشاهد ، فتشمئز وتترك الساحة ، كما أجاد الفنان خالد النبوي أيضا في دوره المسمى " سبيل " و هو أحد قواد جيش الإمبراطور و الذى يخفى عنه حقيقة إيمانه و فى نفس الوقت هو المحب العاشق لابنة الإمبراطور " بريسكا " و قد تميز النبوى فى أداء الشخصيتين سواء العاشق الحالم ، أو الجندى المحارب لما يمتلكه خالد من خبرة اكتسبها عبر العديد من أعمال أهلته للإمساك بالتباين فى شخصيته فى هذا العمل الضخم ، كذلك نجد النجم محمد ممدوح، و هو أيضا من قواد جيش الملك" داكيوس"، و يتظاهر أمامه بالولاء بينما هو أيضا مؤمن و له زوجة يحبها و أبناء يخاف عليهم من بطش الملك الظالم إذا علم بحقيقته، و لا شك ان التكوين الجسدى الضخم لمحمد ممدوح اهله بإمتياز لدور الجندى المقاتل ببراعة ، غير أنه أيضا عبر ببراعة فى لحظات الخوف أو الضعف أو الحزن التى صادفته عبر الأحداث ، حيث نجد القائدين يصبحان من هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف ومعهما محمد فراج الذي قام بدور أخوين توأم ومعهم أيضا الأب رشوان توفيق وابنته الفنانة هاجر أحمد التى تموت أثناء وضعها مولودها تاركة إياه لنجده مع المختبئين فى الكهف ، وكذلك راعي الغنم الذي قام بدوره الفنان أحمد عيد ، و بمجرد علم الإمبراطور" داكيوس" أو النجم مصطفى فهمي بحقيقة قواده، يواجههم بعنف و شراسة ، فيهربان منه حيث يقرر إعدامهما ولكن بشكل غير مباشر حيث يعود لإختلاق مصارعة بينهما وبين قواد له أخرين في أجساد أشبه بالوحوش، يتصارعون معهما حتى الموت ، ولكنهما يفوزان و يفران ، و في رحلة هروبهما يرسل وراءهما الإمبراطور جنوده للبحث عنهما ، لكن يصطحبهما أحمد عيد راعي الغنم إلى هذا الكهف الذين يختبئون فيه ، فينجيهم ولا يعثر عليهم الإمبراطور ، و ينامون في الكهف بينما تمضي مئات السنوات ويموت" داكيوس" ويستيقظ أهل الكهف بعد 309 عام ويخرجون ليفاجئوا بتغيير أحوال المدينة وأهلها بل وملكها أيضا وقد صار الإمبراطور الحاكم رجلا مختلفا، يدعوهم إلى قصره ولكن يعود كل منهم ليبحث عن حياته ، فمن يبحث عن حبيبته التي كان مرتبطا بها ومن يبحث عن زوجته وأولاده ، فلا يجدون شيئا من هذا القبيل ، وفي قصر الإمبراطور تواجههم ويتعارفون على العديد من المكائد التي تحاك داخل جدران القصر فيدركون أنهم وسط حفنة مختلفين عنهم ، فيفضلون العودة إلى كهفهم وإغلاق حياتهم على أنفسهم بإرادتهم . و اذا كنا عبر السطور السابقة قد اختصرنا قصة الفيلم التي طالت لمدة ساعتين على الشاشة ، بإنتاج ضخم وإخراج ممتاز ، فقد قصدنا و نحن فى مقام الكتابة عنه اليوم ، أن نكتب إذ نرثي الراحل الكبير" مصطفى فهمي" الذى قدم دوره فى العمل بإقتدار و تألق ، كل التحية لروحه ، على هذا الدور القوي في فيلم ضخم ، فقد ترك لنا من خلاله بصمة مميزة مختلفة وددنا أن نلقي الضوء عليها في إطار عمل كبير ، رحم الله نجمنا الكبير و أبقى أعماله خالدة في ذاكرتنا و وجداننا على الدوام .