28-11-2024 | 14:58
عنتر السيد
رحلت الفنانة الكبيرة شادية يوم الثلاثاء 28 نوفمبر عام 2017، عن عمر ناهز 86 عاما بعد صراع مع المرض، وكانت شادية قد ولدت يوم 8 فبراير 1931، ومع ذكرى رحيلها نعيش رحلتها الفنية الطويلة والتى أمتعتنا خلالها بالعديد من الأعمال الغنائية والفنية التى مازالت تحتل مكانة كبيرة فى قلوبنا جميعاً.
اسمها الحقيقى فاطمة محمد شاكر، كما كانت تسمى باسم “فتوش“، وكان والدها مهندسا زراعيا من إنشاص بالشرقية، ووالدتها سبق لها الزواج وإنجاب ابنتها الكبرى سعاد، ولدت شادية فى الحلمية الجديدة بحى عابدين، ولكن عاشت معظم سنوات عمرها فى شارع الجيزة بالقرب من حديقة الحيوانات، وكانت طفولتها تتسم بالمرح والضحك والشقاوة الزائدة، حيث نشأت وسط المزارع وأشجار تفتيش الخاصة الملكية حينما كان والدها يعمل أخصائيا بيطريا ومسئولا عن الدواجن الملكية فى تفتيش إنشاص، شجعتها أبلة سنية بالمدرسة على الغناء،واعتبرتها مطربتها المفضلة ومكتشفتها أيضا، وعادت الأسرة من إنشاص إلى العقار رقم 100 من شارع شيكولانى بحى شبرا، وكانت شادية تعشق صوت ليلى مراد، وتحرص على مشاهدة كل أفلامها، وفى عام 1944 وفى مناسبة شم النسيم كانت أسرة شادية قد خرجت للتنزه وتصادف وجود المطرب منير نور الدين معهم، وعندما سمع صوتها أعجب بها وطلب من والدها أن تتعلم الموسيقى والغناء وعمل الأب بنصيحته واستدعى معلما موسيقيا لها يدعى محمد ناصر الذى تدربت موسيقيا وغنائيا على يديه، لكن كامل مدكور هو مكتشفها الحقيقى فى عام 1948 وقدمها للمخرج أحمد بدرخان فوقع معها عقدا لفيلم من إنتاجه، ولكن توقف إنتاجه فظهرت فى أولى أفلامها مع حلمى رفلة وظهرت لأول مرة كممثلة أمام المطرب محمد فوزى فى فيلم “العقل فى إجازة “، بعد فيلمين غنت فقط بصوتها من خلالهما، ومن هنا انطلقت الفنانة الكبيرة شادية نحو النجومية والشهرة فى عالم السينما والغناء، وتربعت على عرش النجومية منذ أن عرفها الجمهور فى أدوار الفتاة الدلوعة الشقية، والتى اشتهرت بها خصيصا فى العديد من أدوارها على عكس دورى فاتن حمامة ومريم فخر الدين اللتين تنافستا معها فى اقتسام الأدوار المهمة كل وفق الأدوار التى تم حصارها من خلالها .
لعبت شادية على مدى عمرها الفنى الذى يقترب من 40 عاما قبل اعتزالها بطولة 120 فيلما تقريبا، كان آخرها “لا تسألنى من أنا “عام 1984، أمام يسرا والمأخوذ عن قصة إحسان عبد القدوس وإخراج أشرف فهمى، فيما قدمت رصيدا غنائيا يتجاوز 600 أغنية كان آخرها “خد بإيدى “عندما تعرضت لوعكة صحية، والتى حصلت على أفضل أغنية عام 1986، ووزع ألبومها مليون نسخة فى ذلك الوقت، ولقبت بصوت مصر حيث صدحت بالعديد من الأغنيات الوطنية التى حملت اسم مصر إلى جانب أغنياتها الدينية، وحققت شهرتها من خلال الأغنيات العاطفية والدويتو الغنائى خاصة مع عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وكمال الشناوى، وأغنياتها الكثيرة التى حققت صدى طيبا لدى عشاق فنها، إلا أن رصيدها المسرحى يتوقف عن تجربة وحيدة قد يكون أثرها أكثر من عشرات المسرحيات فى حياة الآخرين، حيث لعبت بطولة مسرحية “ريا وسكينة “مع سهير البابلى، وكانت نداً لفنانة مسرحية مخضرمة ومتمرسة وعاشقة لخشبة المسرح، و”ريا وسكينة “تعد من أهم مسرحيات المسرح المصرى على مدى تاريخه لما حققته من نجاحات منقطعة النظير على المستويين النقدى والجماهيرى، وقد استحقت شادية حب واحترام وتقدير الجماهير .
بدأت شادية سينمائيا فى فيلم “العقل فى إجازة“ ثم توالت أعمالها السينمائية فى مرحلة النضج الفنى عندما قدمت أدوارًا لافتة، كان من بينها وأهمها فى مشوارها الثرى فؤادة فى فيلم “شيء من الخوف“ مع محمود مرسى، و زهرة فى فيلم “ميرامار“، وعصمت فى فيلم “مراتى مدير عام“ مع صلاح ذو الفقار، ونور فى فيلم “اللص والكلاب“، وحميدة فى فيلم “زقاق المدق”، فضلا عن دورها المتميز فى “المرأة المجهولة“ والذى اشترط مخرجه محمود ذو الفقار ألا تغنى شادية فى الفيلم أية أغنية وبعد نجاحها فى هذا الفيلم أرجع مخرجه نجاح شادية كممثلة إليه، مؤكدا أنه قدمها كممثلة متميزة، وشجعت تلك التجربة الفنانة شادية للمضى قدما فى هذا الطريق فقدمت ذاتها كممثلة فقط فى أفلام مثل “الطريق“ الذى كتبه الأديب الكبير نجيب محفوظ، وأكد النقاد وقتها أنها لعبت أفضل أدوارها وكررت ذات التجربة بدون غناء فى عدة أعمال فيما بعد.. ومن هنا أثبتت شادية أنها جمعت بين التمثيل والغناء بكفاءة عالية حيث إنها نجحت فى المجالين على القدر ذاته.
كما قدمت أفلاما مهمة مثل: «لحن الوفاء، شباب امرأة، ودعت حبك، وداع فى الفجر، دليلة، لواحظ، انت حبيبى، غلطة حبيبى، ارحم حبى، لوعة الحب، معا إلى الأبد، التلميذة، امرأة فى دوامة، المعجزة، أغلى من حياتى، معبودة الجماهير، عفريت مراتى، كرامة زوجتى، نحن لانزرع الشوك، أضواء المدينة، أمواج بلا شاطيء، وادى الذكريات».
وعند عودتها من خلال مسلسلها الإذاعى الشهير “جفت الدموع“ كتب من خلاله الشاعر عبد الوهاب محمد عددًا من الأغنيات و لحنها بليغ حمدى، وكانت شادية قد قدمت أغنية غنتها معها كل مصر، وهى أغنيتها الشهيرة “مصر اليوم فى عيد “احتفالا بعودة سيناء إلى حضن الوطن بعد تحريرها، وهكذا تحولت شادية إلى ممثلة كبيرة ومطربة أكبر إلى وقت اعتزالها وتفرغها التام للعبادات وأداء مناسك الحج والعمرة عدة مرات حيث كان حجابها دون تردد أو عودة، و اكتسبت شادية محبة الجماهير حتى رحيلها لأن ما قدمته من بصمات فى الشارع الفنى لا يعد ولا يحصى من خلال تجربة ثرية لم تتنكر يوما منها بعد الاعتزال .
تلقت شادية تكريما كبيرا فى العام 1994 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ووقتها أكدت أنها فخورة بما قدمته من أعمال فنية إلا أنها اعتذرت عن الحضور فى اللحظات الأخيرة بسبب خجلها الجم وخوفا من مواجهة عشرات الأسئلة من الصحفيين الذين كانوا ينتظرون حضورها خلال التكريم أو من خلال مؤتمر صحفى بهذه المناسبة، وأعلن خبر اعتذارها كل من السيناريست وحيد حامد ومدير أعمالها محمد حافظ بعد أن استعدت الكثيرات من نجمات مصر لحضور افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الثامنة عشرة للوقوف جنبا إلى جنب مع النجمة الكبيرة شادية، وقد تم إعداد كتاب عنها بقلم الزميل هشام لاشين إلا أنها لم تحضر رغم إعجابها بالكتاب وترحيبها بالحضور والتكريم بعد سنوات من الاعتزال رغم أن أعمالها السينمائية والغنائية ومسرحيتها الشهيرة “ريا وسكينة“ كانت تعرض وتذاع على كل الشاشات التليفزيونية المصرية والعربية.. لكن شادية كانت قد تلقت تكريما فى نوفمبر 1979 من مهرجان القاهرة السينمائى ذاته وقت رئاسة الناقد كمال الملاخ، وحصلت على تمثال حتحور وشهادة أحسن ممثلة، وكان قد سبق لشادية حصولها على عدة تكريمات وجوائز من جهات رسمية مصرية وعربية ودولية.
من أشهر الدويتو السينمائى كان ارتباط شادية بكمال الشناوى فى ثنائى سينمائى مذهل إذ قدما معا ما يقرب من 25 فيلما كان بدايتها فيلم “حمامة السلام“ فى العام 1947 ثم أفلام مثل “المرأة المجهولة “ و“الهارب” و”اللص والكلاب” و”معا إلى الأبد” .
ولا أحد ينكر كم الأعمال الخيرية التى قدمتها شادية فى سنوات عمرها الأخيرة، وكانت فى سنوات عمرها الأخيرة تهتم برعاية أولاد أشقائها كذلك.
عند مراجعة قصص الحب والزواج فى حياتها نجد أنها فى حرب 1948 فقدت خطيبها بعد قصة حب عنيفة جدا إلا أنه استشهد فى الحرب حيث كان ضابطا بالجيش، أما قصة حبها وزواجها من النجم الكبير فى ذلك الوقت عماد حمدى اثناء اشتراكهما معا فى قطار الرحمة الذى كان ينقل فنانى مصر لمختلف المحافظات لجمع التبرعات المالية، وكان عماد حمدى يكبرها بعشرين عاما وكان يقول عنها إنها نقية، صافية، فيها براءة ووداعة، وذات قلب طيب ورقيق، ودائمة الابتسامة وتميل إلى الهدوء والمسالمة، وتم عقد قرانهما معا عندما عمل معا فى فيلم “أقوى من الحب“ أثناء تصويره فى الإسكندرية، وأعلنا زواجهما فى استديو جلال، إلا أنه فى العام 1955 بدأت أولى خطوات الطلاق لأن عماد حمدى كان مازال متزوجا من فتحية شريف التى رفعت هى الأخرى قضية طلاق ونفقة لها ولابنها من عماد حمدى .
كما ارتبطت بالمهندس المعمارى عزيز محمد فتحى الذى كان يعمل بالإذاعة وتزوجا فى العام 1957، ولكن تأكد انفصالهما فى أكتوبر 1958 بسبب وجوده الدائم معها فى مقر عملها وتدخله فى شئونها الفنية ورغبته فى أن يعمل فى السينما.
كانت شادية بعد طلاقها من عزيز فتحى لم يدق قلبها بحب جديد إلا مع صلاح ذو الفقار الذى التقته فى فيلم “أيام معدودة“ وهو فيلم يروى قصة حب ملتهبة بينهما والتى استمرت إلى العام 1964 حين تم الزواج، وظلت العلاقة الزوجية مستمرة بينهما لمدة أربع سنوات بعدها دبت الخلافات وتم الانفصال فى العام 1969.
يذكر أن شادية كانت محط احترام وتقدير زملائها من الوسط الفنى، فقالت عنها أم كلثوم: إنها من أحب الأصوات إلى قلبى وفى صوتها نعومة وصفاء، وأنها استطاعت أن تطربنى خاصة فى شعبيات بليغ حمدى والموجى، كما قالت عنها فايزة أحمد : إنها من الأصوات القليلة التى لايوجد حاجز بينى وبينها، وقال عنها عبد الحليم حافظ : إن شادية هى الصديقة التى أحترم فنها، وهى المفضلة عندى مطربة وممثلة، وقال عنها كمال الطويل : إن صوتها مثل الفاكهة النادرة، ولكنها متواجدة دائما وفى كل المواسم .
أما محمد الموجى فقد وصف أداءها بالمقنع فى كل مراحل عمرها الفنى، وذهب منير مراد بالقول : إن شادية من أجمل الأصوات التى استطاعت توصيل ألحانى للناس، وقال المخرج السينمائى أشرف فهمى الذى شاركت معه فى آخر أفلامها قبل الاعتزال: إن شادية أحد أهرامات الفن العربى فى الموهبة والأخلاق والسلوك الإنسانى، ومن جانبه وصفها كمال الشناوى أشهر ثنائى معا فى تاريخ السينما المصرية، قائلا : إنها أطيب ما التقيت من فنانات، وهى أقل الناس خوضا للمعارك الفنية مع زملائها، وأقلهم رغبة فى الكلام، وأغنياتها لم يقدم أحد مثلها فى اللون والمذاق والتأثير .