السبت 22 فبراير 2025

6 أيام.. هل تكفى لصنع حياة؟.. سؤال فلسفي فى فيلم متميز

أحمد مالك وآية سماحة

22-2-2025 | 13:13

هبة عادل
هل من الممكن لصدفة عابرة أن تغير مصير إنسان وأن يوقع القدر على عهد جديد لهذا الإنسان بعد هذه الصدفة ؟ أتصور أنه من الممكن وأتصور أكثر أنك عزيزى القارئ إذا كنت باحثا مثلى عن إجابة لهذا السؤال، فإنك مدعو لمشاهدة فيلم “ 6 أيام”، لعلك تحصل من خلال أحداثه على إجابة لهذا السؤال الذى قد يبدو فلسفيا كما يبدو الفيلم فى حد ذاته، و إن بدا من الخارج فى أول تصنيفاته كفيلم رومانسى حالم دافئ هادئ، حتى على مستوى تمثيل أبطاله ، إلا أنه فى الغالب ذو مرامٍ فلسفية يجوز رؤيتها من خلال أحداثه التى قد تبدو غريبة وربما غامضة رغم نعومتها وذلك فى واحد من مستويات القراءة ودرجات التلقى التى تختلف بين مشاهد وآخر، وعلى أية حال هو ببساطة فيلم من أفلام “ الحالة” إذا جاز التعبير ، و التى يعيشها بطلان هما محور الأحداث فى الفيلم بشكل يبدو وكأن لا ثالث لهما سوى الحوار الدائر بينهما طوال الوقت ، ففى 90% أو أكثر من مساحة الأحداث لا نرى غير البطلين (أحمد مالك وآية سماحة) أو (يوسف وعالية) اللذين يعيشان قصة حب منذ مراهقتهما، وقليل من الأحداث هى التى نرى فيها بشكل أو بآخر ظلال لثالث معهما يأتى فقط لربط مشهدين أو إلقاء الضوء على حدث بعينه وبشكل سريع جدا. فى عودة لقصة “يوسف وعالية“ تبدأ الأحداث حيث كانا طالبين زميلين عام 2006 وتبدأ مشاعرهما فى مرحلة الصبا والمراهقة فى النمو من خلال مواقف تجمعهما حيث يعشقان الحديث بعضهما لبعض والوقوف بجوار بعضهما البعض والحكى والفضفضة عن ظروفهما الأسرية، حيث تعانى الفتاة من سوء معاملة والدها لوالدتها ما يجعل الوالدة بدورها تعنف الابنة إلى حد صفعها بالقلم وإجبار الأسرة كلها على مغادرة المنزل والانتقال لمنطقة أخرى تفصلها عن حبيب صباها الذى يعانى هو الآخر من قهر والده والتحكم فى مصيره إلى حد اختيار الكلية التى يدرس فيها” طب الأسنان” على غير رغبته، وبمجرد أن تبعد الابنة عن المنطقة وهى هنا منطقة “ المنيل” التى جمعتهما فى مراهقتهما ، تباعد بينهما السنوات ليلتقيا صدفة عام 2013 وبعد مرور سبع سنوات وقد تغيرت ملامحهما يتعرفان على البعض بالكاد فى كافيه تعمل به الفتاة الشابة كجرسونة، أما هو فقد أصبح طالبا فى كلية طب الأسنان ويذهب لشرب مشروب فى هذا الكافيه فيتعرفان على بعضهما البعض مجددا ، وهنا نجد النقلة الأولى فى حياة الشابة “عالية” التى تمت خطبتها لابن خالها بشكل تقليدى لأنه “طيب ويحبها“ و بتجاذبهما أطراف الحديث يكتشفان أنهما وكأنهما كانا للأمس مع بعضهما البعض، حتى أنه يقول لها :” حاسس فعلا إن ما فيش حاجة اتغيرت مع إن كل حاجة اتغيرت“، وربما كانت هذه هى تيمة العمل الأساسية وكيف تؤثر السنوات بمرورها علينا وتغير ليس فقط فى أحوالنا الخارجية ولكن فى مشاعرنا الداخلية ولكن إذا التقينا بمن نحبهم ونرتاح لهم بالفعل، نشعر أنه وكأن لا شيء قد تغير على الأقل من الداخل .. ولأن” يوسف وعالية” تقابلا صدفة يوم 19 ديسمبر، فقد اتفقا على أن يكون هذا الميعاد هو موعد للقائهما بشكل سنوى وبالفعل يتفقان على ذلك، ولكن بدا الأمر غريبا بالنسبة لى، لماذا وهما على كل هذا الود يكتفيان بلقاء سنوى لمجرد يوم ولماذا يقرران الانفصال رغم كل هذه الراحة بينهما، لا سيما وأنها مخطوبة لشخص لا تحبه وهو ما زال غير مرتبط ؟! تحاول “عالية” تطوير نفسها وتحصل على كورسات فى اللغة الإنجليزية، بينما فى لقائهما الجديد تعلو هى فى مستواها المهنى وتبحث عن وظيفة مرموقة أما هو فقد تدهورت حاله وترك كليته وذهب إلى “كندا” ليكتشف نفسه فيها وأنه قد عاش عمره يحقق فقط أحلام أبيه دون أحلامه هو الشخصية، هى بدورها تعاتبه أن يضيع مستقبله لمجرد العناد مع والده، لينتقل المشهد من خلال مكالمة هاتفية تأتى إليها بخبر أن والدتها مريضة بالعناية المركزة ، فيذهبان إليها ويذهبان بعد ذلك ليأكلان معا ، لتخبره بأنها تركت خطيبها لأنها اكتشفت أنها لا يمكن أن تكمل حياتها معه دون مشاعر ، ولكن أيضا فى هذه المرة .. يترك بعضهما البعض ليلتقيان عام 2017، بعد أن رحلت والدته وانكسر جبروت والده، أما هى فقد تزوجت من شخص آخر يدعى” زياد” الذى تحكى له عنه وأنه يضربها ويعاملها بشكل سيئ رغم أنه يدعى أنه يحبها ، ما يجعل أحمد مالك يشعر أنها مريضة لقبولها هذا الوضع والاستمرار فيه وكيف أنها تعذره فى كل مرة وتسامحه وتعود إليه، ويترك بعضهما البعض كعادة كل مرة وبعد سنوات أخرى يلتقيان فى ”ماستر سين” الفيلم، فتعاتبه أنه “عامل لها بلوك من سنتين” وتسأله لماذا هما فى هذا الوضع؟ ولماذا هما بعيدان؟ ولماذا يتركان نفسهما لمجرد اللقاءات العابرة والصدف تجمعهما، فيفاجئها هو بالرد بأنه يراها فى وضع مريض وصابرة عليه، فماذا كان بيده أن يفعل ولماذا تعاتبه وكأنه ملزم تجاهها بأشياء هو لم يعدها بها؟ فتصارحه هى بمشاعرها وأنهما ليسا مجرد الطفلين العابرين فى حياة بعضهما البعض وأن كل مرة يتجدد فيها لقاؤهما تزيد مشاعرها وتتضح أكثر فأكثر نحوه ، وكأن شيئا لم يتغير من تفاصيل العلاقة بينهما على مر السنوات، لدرجة التصريح بأن قلبها كان” بينط من الفرحة” عندما رأته فى الكافيه وأنها حسنت من مستواها لتصل إليه عندما وجدته طالبا فى كلية الطب، و عندما حكت له عن زوجها الذى يضربها كانت تتمنى أن يطلب منها الانفصال عنه وأن يكملا مشوارهما معا ، من ناحيته و أمام هذه المشاعر يحتضنها ولكن تأتيه مكالمة لتقطع هذه الحالة من الدفء والمصارحة والمصالحة، ليكشف لها أنه تليفون من زوجته، فتتركه وتمضى لتقود سيارتها وتبكى فقد صار هو زوجا وأبا، و فى مواجهة أخرى بينهما ، يصرح لها بأنه لا يستطيع حتى أن يصف أو يسمىّ طبيعة العلاقة بينهما، وهو ما أشرت إليه بأنها بالفعل علاقة غامضة وغير تقليدية أو معتادة أو روتينية كالتى نعهدها فى مثل هذه الأحوال سواء على أرض الواقع أو حتى على شاشة السينما، ويستمر البطل فى مصارحتها أكثر فأكثر أنه يرى فيما بينهما شيئا انتهى وأن الله لا يريد له البقاء والاستمرار، ولكن هى تستمر فى الإعلان عن مشاعرها متسائلة:هل يمكن بعد أن تأكدنا من مشاعرنا تجاه بعضنا البعض.. أن نكمل كل فى طريقه وحده ؟!..، و نجد فى نهاية الأحداث أنها تذهب إلى السينما التى كانا يذهبان إليها فى مرحلة المراهقة وهو أيضا يقوم بنفس الفعل، فيلتقيان هناك ويجلسان بجوار بعضهما البعض ليشاهدا فيلم “الهوى سلطان” وربما كان فى ذلك إسقاط لمفهوم قوة وسلطان الحب و إيحاء بالنهاية السعيدة، ولكن مع ذلك يترك المؤلف والمخرج النهاية مفتوحة ، لا نعلم إذا كانا سيكملان طريقهما مجددا أم أنها قصة حب ستنتهى فى قاعة العرض التى جمعت مشاعرهما فى مرحلة المراهقة وحتى الآن.. والحقيقة يحسب وبشدة فى هذا العمل الأداء التمثيلى للنجمة “آية سماحة” التى أجادت فى دور الفتاة العاشقة الطموح الحالمة بحياة أفضل على مدار الوقت مما تعيشه ، و نبتة الحب الصادق داخلها تحركها طوال الوقت حتى دون أن تدرى ، أحمد مالك أيضا جاء أداؤه مهزوزا مشوشا كما تتطلبه كتابة كاركتر هذا الشاب الذى يعانى من قهر والده وعدم تحقيق ما يريد على الدوام، المكياج أيضا لعب دورا مهما فى نقلات العمر بينهما حيث التقيا على مدار الفيلم لعدة مرات تبعد بينهما السنوات التى تغير ليس فقط من ملامحهما ولكن من ظروفهما الحياتية التى تنعكس بدورها على هذه الملامح ، كما تجدر الإشارة إلى الأداء الواعد للموهبتين الصاعدتين (مالك عماد وملك ياسر) اللذين قاما بتقديم دور ”يوسف وعالية” وهما فى مرحلة المراهقة . بشكل عام خرجنا بحالة ناعمة وملهمة فى ذات الوقت، استطاع أن يصيغها بعناية المؤلف الموهوب” وائل حمدى “معبرا عن فكرته بدقة والتى وصلت إلينا عبر تصاعد الأحداث ملقية بظلالها كما ذكرت بأسئلة جديرة بأن تبقى فى الذهن ، وقد اختار بعناية المخرج” كريم شعبان” تفاصيل العمل، ما ألقى بظلاله على الصورة خاصة فى تصاعد الأحداث عبر السنوات، وهو ما يحتاج إلى مخرج يدقق فى التفاصيل وهو ما أجاده “ كريم شعبان “ عبر أحداث الفيلم المتميز “ 6 أيام “ .