1-3-2025 | 12:24
نانيس جنيدي
على مدار سنوات طويلة، أصبحت الأعمال الدرامية الرمضانية أكثر من مجرد حلقات تُعرض على الشاشات؛ بل صارت تشكّل جزءاً من ذاكرة الجمهور والمشاهدين، ففى كل رمضان، يجتمع الجمهور حول قصص تجسد مشاهد الحياة الواقعية وتلامس قلوب الناس، فتظل هذه المسلسلات حاضرة فى الوجدان حتى بعد انقضاء مواسمها.
فمن خلال أعمالٍ تحمل مزيجاً من الدراما الاجتماعية والرومانسية والإنسانية، تحولت الدراما الرمضانية إلى جزء لا يتجزأ من تقاليد الأسرة، تحمل معها ذكريات عذبة وصوراً لا تنسى.
لتستطيع تلك الأعمال أن تؤكد أنها أكثر من مجرد مسلسل تليفزيوني؛ بل شهادة على قدرة الفن على تجاوز الزمن، وإحياء ذكريات فى قلوب المشاهدين، مما يجعلها أعمالاً خالدة فى تاريخ الدراما المصرية.
فى هذا الباب الرمضانى الأسبوعى، نتناول على صفحات «الكواكب» بعض تلك الأعمال، التى ارتبط بها الجمهور فى شهر رمضان، والتى ما زالت تحتفظ بمكانتها فى قلوب المشاهدين.
يعد مسلسل «ساكن قصادى»، من أيقونات الكوميديا الاجتماعية فى مصر، إذ انطلق عرضه لأول مرة فى التسعينيات ولا يزال يحتفظ بشعبيته وجاذبيته حتى يومنا هذا.
من الإذاعة إلى التليفزون
بدأت قصة «ساكن قصادي» فى عام 1995، حيث كان المشاهدون يترقبون أولى حلقاته خلال شهر رمضان الكريم، المثير فى هذه القصة أن العمل بدأ كبرنامج إذاعى ناجح تم عرضه على مدار عامين تحت عنوان «صباح الخير يا جارى»، حيث كان يضم نخبة من الفنانين منهم سناء جميل، خيرية أحمد، محمود مرسى وحسن مصطفى، هذا النجاح الإذاعى الفريد دفع صناع العمل إلى تحويله إلى شكل تليفزيونى، حيث شارك فريق العمل فى تقديم 4 حلقات على الشاشة، مع إدخال تغييرات على طاقم التمثيل؛ إذ حلّ محل الفنان الكبير محمود مرسى الفنان الكبير عمر الحريرى، بينما جاء محمد رضا ليحل محل حسن مصطفى.
نجاح الفكرة وتفاعل الجمهور مع النسخة التليفزيونية من «ساكن قصادي» فتح الباب أمام إنتاج الجزء الأول من المسلسل، الذى شهد مشاركة نجمات الفن مثل سناء جميل وخيرية أحمد إلى جانب عمر الحريرى، محمد رضا، أحمد الشقنقيرى وميرنا المهندس، ومع استمرار نجاح العمل، تم إنتاج جزء ثانٍ دون مشاركة الفنان محمد رضا بسبب وفاته؛ إذ لم يتم استبدال دوره بممثل آخر، كما شهدت النسخة اللاحقة تغييراً فى طاقم العمل بتبديل دور الفنانة ميرنا المهندس بممثلة جديدة.
شخصيات المسلسل
تدور أحداث المسلسل حول شخصيات تجسد الواقع الاجتماعى بأسلوب فكاهى راقٍ، حيث جسد عمر الحريرى دور مدير عام لإحدى شركات الكيماويات، وهو رجل مثقف ومطلع علىالشئون العامة، ويعيش حياة مميزة فى العمل.
تظهر أيضاً زوجته سلوى التى جسدتها سناء جميل، والتى تتسم بطابعها المتسلط وقدرتها على فرض شخصيتها، حيث كانت تحرص على ترديد الأمثال الفرنسية وتقديم نصائحها الحادة لجارتها المقربة أنيسة (خيرية أحمد)، كما تسلّط حلقات العمل الضوء على حياة الأسرة والعلاقات اليومية التى تجمع بين الجيران، مما يبرز أهمية الترابط الاجتماعى والأسرى فى المجتمع المصري.
تنوع الحلقات.. ومواقف كوميدية
يتميز الجزء الأول من «ساكن قصادي» بعدد من الحلقات التى حملت عناوين مميزة مثل «كيد النسا»، «ضيوف آخر الليل»، «ليلى والكحك»، «جمعية الرفق بالستات»، «حرم معالى الوزير»، «فى بيتنا جاموسة». بينما جاء الجزء الثانى ليقدم حلقات بعنوان «عريس أنيسة»، «دروس خصوصية»، «برج الحب»، «حضانة»، «الأسطى سلوى هانم»، «شقة مفروشة للإيجار»، «المشردون»، وقد استطاع المسلسل من خلال هذه الحلقات أن يجسد مجموعة من المواقف الطريفة والمفارقات اليومية التى تحاكى الحياة الواقعية فى مصر، مما أكسبه شهرة واسعة واستمرارية على مدار عقود من الزمن.
إرث درامى لا ينسى
ما زال مسلسل «ساكن قصادي» يحتفظ بمكانته كأحد أعمدة الدراما الكوميدية فى مصر، إذ يعاد عرضه على العديد من القنوات الفضائية حتى اليوم، مما يؤكد قيمته الفنية وأثره الكبير فى تاريخ الدراما المصرية، ونجاح العمل فى تقديم كوميديا راقية تتناول قضايا الأسرة.
تحديات خلقت ألفة
كان تصوير مسلسل «ساكن قصادي» يتم فى مواقع حقيقية داخل الشوارع والأزقة، مما تطلب من فريق العمل بذل جهود مضاعفة للتغلب على تحديات التصوير الخارجية، وقد أضفى هذا الطابع الواقعى على العمل جواً من الألفة بين الفريق، مما جعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من حياة الشخصيات.
كواليس الفنانين
ظهرت روح التعاون العالية بين نجوم المسلسل، حيث كانوا يحضرون مبكراً للاستعداد للتصوير، ويتبادلون الأفكار والارتجالات فى بعض المشاهد، مما أضاف إلى العمل لمسة كوميدية طبيعية. وفى لقاء تليفزيونى، كشف الفنان محمد الشقنقيرى عن تأثره الكبير بتلك الروح الجماعية، مشيراً إلى أن العمل مع طاقم «ساكن قصادي» كان تجربة تعليمية ثمينة، وأنه لا يزال يفتقد تلك الأيام المليئة بالحماس والتعاون.
مواقف طريفة.. ولقاءات عفوية
شهدت كواليس التصوير العديد من المواقف الطريفة التى كانت نتيجة أخطاء غير مقصودة أو ارتجالات فكاهية بين الفنانين، مما ساهم فى إضافة جو من المرح الحقيقى إلى العمل، هذه اللحظات جعلت من «ساكن قصادى» عملاً حقيقياً ينبض بالحياة والمواقف الكوميدية التى تعكس واقع الحياة اليومية.
كما كانت اللقاءات العفوية بين أفراد فريق العمل خارج أوقات التصوير سبباً رئيسياً فى تقوية العلاقات بينهم، وانعكس ذلك إيجابياً على أدائهم داخل العمل، حيث أظهروا روح الدعابة والود فى كل مشهد.
كوميديا راقية.. وقضايا اجتماعية
يتميز «ساكن قصادي» بتقديمه كوميديا راقية تعتمد على المواقف الطبيعية والمفارقات اليومية، وتناول المسلسل العديد من القضايا الاجتماعية المهمة التى كانت تهم المجتمع المصرى فى ذلك الوقت، مثل علاقات الجيران، وأهمية الترابط الأسرى، والتغيرات الاجتماعية التى يشهدها المجتمع، وبفضل الأداء المتميز للفنانين، استطاع العمل تجسيد شخصياته ببراعة، مما جعل الجمهور يتعاطف معهم ويضحك على مواقفهم، مؤكداً على قيمته الفنية والثقافية.
اللحظات المؤثرة
لا تخلو كواليس العمل من لحظات مؤثرة، أبرزها وفاة الفنان محمد رضا قبل إكمال تصوير جميع مشاهده، مما ترك أثراً عميقاً فى نفوس زملائه والجمهور، وفى أحد اللقاءات مع نجل الفنان الراحل، تحدث عن مدى تأثير هذه الخسارة، قائلاً: والدى توفى خلال تصوير مسلسل «ساكن قصادي» فى شهر رمضان، وكانت شقيقتى قد سبقته وتوفيت قبله، ولكنه أصر وقتها على الاستمرار فى تقديم عروضه المسرحية، وكان يقول: «المسرح فاتح بيوت ناس، وأكل عيش العمال مينفعش يقف».