السبت 10 مايو 2025

الفنون الفلسطينية...رسالة أمل وهوية لا تموت

الفنون الفلسطينية...رسالة أمل وهوية لا تموت

19-4-2025 | 14:59

عمرو والي
تظل الفنون الفلسطينية شاهدًا حيا على صمود الأشقاء الفلسطينيين، وسلاحا ثقافيا يجابه محاولات الطمس، حيث لعبت الفنون بكافة أشكالها، دورًا محوريا فى الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتعزيز الوعى بالتراث، وتحوّلت من أدوات تعبير جمالية إلى وسائل سلمية تحمل رسائل إنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا، فمن التطريز، للموسيقى، للكاريكاتير، وحتى الدبكة الشعبية، كانت الفنون وسيلة الشعب الفلسطينى للتعبير عن الحب، الوطن، والحنين.. «الكواكب» من خلال السطور القادمة تسلط الضوء على الفنون الفلسطينية بأشكالها، ودورها فى الحفاظ على التراث، مع تسليط الضوء على نماذج ملهمة منها. «الرسم والكاريكاتير» فى البداية كان فَنّ الكاريكاتير أحد أهم الفنون الداعمة للقضية الفلسطينية، فقد تحول رساموه ومبدعوه لجنود، يقاومون بالألوان ويسجلون القضية الفلسطينية من خلال لوحاتٍ تسافر فى كل الدنيا لتؤكد أن الشعب الفلسطينى شعب حياةٍ وإبداع. فلعب الكاريكاتير أدوارًا مختلفة فى دعم القضية الفلسطينية أبرزها توعية الرأى العام، بالإضافة إلى دعم الهوية الوطنية، وتوصيل رسائل قوية. وحفل السجل الفلسطينى بمجموعة كبيرة من رسامى الكاريكاتير، ويعد بهاء البخارى رمزًا من الرموز الوطنية الفلسطينية الخالدة، فقد قدم للقضية على صعيد الفَنّ التشكيلى وفَنّ الكاريكاتير الكثير، حيث استمر على مدار نصف قرن يناضل بلوحاته. وقدم البخارى رسوماته الكاريكاتيرية من خلال شخصية المهموم بكل القضايا الاجتماعية والسياسية فى داخل فلسطين. وهو نفس الأمر لرسام الكاريكاتير محمد سباعنة، المولود فى مدينة جنين، وهو واحد من فنانى الكاريكاتير المشهورين فى فلسطين. كما برزت مجموعة من الفلسطينيات فى هذا الفن، ومنهن «بهادير الجعبة» من الخليل، والتى تناولت فى رسوماتها قضايا مثل المرأة الفلسطينية، بالإضافة إلى «أمية جحا» من غزة، والتى اشتهرت محليا وعربيا برسوماتها المعبرة عن الواقع الفلسطينى. «نغمات تنبض بالوطن» ومثلت الأغنيات الفلسطينية جزءا من هوية الشعب الفلسطينى وتراثه، وقد لجأ عدد من صناع الأغنية فى فلسطين إلى الموسيقى والكلمات لدعم القضية الفلسطينية، واتخذوا مسارا مختلفا لغناء غير تقليدى يعبر عن الثقافة. وتنوعت بين الأغنيات التراثية، والأناشيد الوطنية، وصولًا إلى الأغنيات الحديثة، فمن خلال الموسيقى، حافظ الفلسطينيون على لهجتهم، مشاعرهم، وقضاياهم، فالغناء لم يكن مجرد فن، بل ذاكرة جماعية وصيحة وطنية. كرست المطربة الراحلة «ريم بنا» أغنياتها للقضية، فصنعت قالبا غنائيا مختلفا، سواء بكلمات أغنياتها التى كانت فى معظم الأحيان تكتبها بنفسها وحتى الألحان التى ميزت أغنياتها. كذلك شكلت أغنيات الفلسطينية «كاميليا جبران» جزءا أصيلا من الوعى الغنائى فى فلسطين، ففى بدايتها ظلت المؤدية الأولى لفرقة القدس مدة 20 عاما، وفى حوار لها رأت كاميليا أن الأمر أكبر من كونه فرقة بل كان رسالة. ومن خلال التراث الفلسطينى قدمت المطربة «سناء موسى» مشروعها الغنائى الذى أحيت به الأغنيات الفلكلورية التى تكونت من قصص فلسطينية، والأغنيات التى كانت ترددها النساء فى القرى. والتراث الفلسطينى كان كذلك الملهم للفنانة الفلسطينية «دلال أبو آمنة» التى قدمت مشروعها «يا ستى»، واهتمت من خلاله بإعادة عرض التراث الفلسطينى، على المسرح فى عام 2015، وأحيته أيضا من خلال ألبوم موسيقى بعد ذلك بعام، وقامت بجولات فى مدن فلسطين وقراها وفى بعض الدول من أجل تقديم مشروعها. كما برز اسم الفنان الشاب «محمد عساف» من مخيم خان يونس فى غزة، بعد فوزه بلقب «آراب أيدول» عام 2013 حيث غنى من قلبه لفلسطين، وصار رمزًا للشباب الفلسطينى، ومن أشهر أغنياته الوطنية:، «علّي الكوفية»، و«يا يما هالرجال»، و«يا طير الطاير».. ومن أبرز الأصوات شادى البورينى وقاسم النجار – ثنائى الأغاني الشبابية، وفرقة «صابرين». «رواية القضية على خشبة المسرح» طرح المسرح الفلسطينى مجموعة من القضايا أبرزها:” طبيعة الحياة داخل فلسطين، والهموم اليومية”. ومن أهم الفنانين المسرحيين نذكر فرقة المسرح الوطنى الفلسطينى «الحكواتى» والتى تأسست فى القدس عام 1977ـ وهى من أوائل الفرق المسرحية الفلسطينية، وعملت على المزج بين الحكاية الشعبية الفلسطينية، والفن المسرحى العصرى ويعد إدوارد معلم أحد مؤسسى فرقة «الحكواتى»، والذى كتب وأخرج العديد من الأعمال المسرحية الشهيرة. ومن الناصرة يبرز اسم المخرج والممثل الفلسطينى أمير نزار الزعبى، حيث اشتهر دوليا بعروضه التى تناولت الهوية الفلسطينية، حيث يمزج بين العبث والواقعية، والخيال العلمى. كما يعد علاء شحادة، من مؤسسى «مسرح عشتار» فى رام الله، حيث ركز على قضايا الشباب والأسرة، واستخدم المسرح التفاعلى لمشاركة الجمهور فى الحل. وقدمت الفنانة الفلسطينية ريم تلحمى، الغناء والمسرح كمزيج وشاركت فى العديد من الأعمال المسرحية الغنائية، وتعد من رموز الثقافة الفلسطينية الفنية النسائية. «سرد الواقع بلغة السينما» حقق السينمائيون الفلسطينيون إنجازات لافتة، عبر أفلام تناولت موضوعات هامة حولت القصة الفلسطينية إلى شاشات العالم، وجعلته يشاهد فلسطين بلقطاتها الحية، وصورها النابضة، فعملت على التوثيق، ونقل الواقع بشكل مؤثر، وحفظ الهوية الثقافية الفلسطينية، بالإضافة إلى صنع جيل جديد من المبدعين سلاحه الكاميرا. وبرزت فى سجل السينمائيين الفلسطينيين مجموعة كبيرة من الأسماء التى قدمت أشهر الأفلام السينمائية التى عبرت عن القضية ومنهم إيليا سليمان، الشهير بـ” شارلى شابلن الفلسطينى”، ومن أشهر أفلامه: «يد آلهية»، والذى فاز بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان “كان” السينمائى عام 2002، وفيلما «الزمن الباقى»، و«إن شئت كما فى السماء»، وتتميز أفلامه بأسلوب بصرى ينقل الحياة اليومية الفلسطينية. كما يعد الفنان هانى أبو أسعد صاحب الروح الإنسانية العالية فى أفلامه من أشهر السينمائيين الفلسطينيين ومن أشهر أفلامه: «الجنة الآن»، والذى ترشح لجائزة الأوسكار وفاز بجولدن جلوب عام 2006، وفيلم «عمر»، والذى ترشح للأوسكار فى عام 2014، وفيلم «الهدية» الفائز بجائزة الجمهور فى “كان”. ويعد رشيد مشهراوى من أوائل صانعى السينما الفلسطينية، ومن الفنانات الفلسطينيات يبرز اسم المخرجة مى المصرى، والتى قدمت للسينما مجموعة من الوثائقيات أبرزها، «3الآف ليلة»، والذى نال جوائز دولية عدة، وشارك فى أكثر من 80 مهرجانا سينمائيا عالميا. وهناك الكثير من المخرجات البارزات والفاعلات فيما يعرف بالسينما الفلسطينية الجديدة، إلى جوار مى المصرى، منهن جاكى سلوم، علا طبرى، عزة الحسن، لينا العبد، دانا أبو رحمة، هند شوفانى، ميسلون حمود، دارين سلام، نجوى نجار، ابتسام مراعنة، مها الحاج أبو عسل، وربما يمكن أن نضيف إليهن شيرين دعيبس وهيام عباس، وحتى رونيت القبص، وسهى عراف. «التطريز الفلسطينى» يعتبر فن التطريز الفلسطينى أحد أهم الفنون الشعبية التراثية المتوارثة عبر الأجيال ورمزا من رموز الهوية الفلسطينية، وهو فن لا يزال حاضرا بقوة بين الفلسطينيين رغم انتشار الملابس العصرية الجاهزة، وغالبا ما يكون على الملابس التقليدية مثل الثوب الفلسطينى، والحقائب والكوفيات، والديكورات المنزلية، وتمثل كل غرزة فيه حكاية قصة، وكل لون يعبر عن منطقة، وكل تصميم له رمزية تراثية. ولعب فن التطريز دورا هاما فى توثيق الجغرافيا الفلسطينية، فكل منطقة لها نقشاتها الخاصة بها مثل غزة والخليل ورام الله، ونابلس، وكذلك نقل التراث من جيل لآخر، فكان وسيلة هامة من الجدات للأمهات ثم الفتيات، بالإضافة إلى كونه واجهة فنية عالمية لفلسطين، حيث دخل فى خطوط الموضة العالمية، وبرز ذلك فى عروض الأزياء والمعارض الدولية لأشهر الماركات. وأدرجت اليونسكو فن التطريز الفلسطينى ضمن التراث الثقافى غير المادى عام 2021، فيما اهتمت مجموعة من المبادرات بشأن هذا الفن. «الفنون الشعبية» لسنوات طويلة، مثلت فرق الفنون الشعبية فى فلسطين نموذجاً حياً لدعم الهوية الوطنية، وتعبيراً عن الأصالة والعراقة، ففى فلسطين يوجد أكثر من 20 فرقة للفنون الشعبية، متنوعة الأساليب، ومتوحدة الأهداف، مختلفة فى رقصاتها، عابرة للحدود، إلا أنها فى النهاية تتحرك جميعها بروح واحدة، وتغنى معاً بنفس درجة الصوت. بدأ تأسيس أول فرقة للفنون الشعبية فى فلسطين فى عام 1977، عندما اقترح عبدالله الحورانى المدير العام للدائرة الإعلامية الثقافية الفلسطينية على الشاعر أحمد دحبور، والملحن حسين نازك تشكيل فرقة فنية، وبالفعل انتقوا شباباً وفتيات مؤهلين ليكونوا نواة للفرقة الغنائية، كما تم اختيار أشعار لمحمود درويش، وسميح القاسم لتقدمها الفرقة التى أُضيفت إليها فرقة دبكة لتكمل التعبير البصرى إلى جانب الغناء. بعد هذه المرحلة بعامين تأسست فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية عام 1979 بجهود نخبة من الفنانين والفنانات، وقد استلهمت الفرقة عروضها من التراث الفنى الإنسانى بشكل عام، والتراث الشعبى الفلسطينى بشكل خاص، كجسم فنى مستقل، غير ربحى، يعتمد بالأساس على جهود متطوعيه ومتطوعاته، فقدمت أكثر من 1000 عرض محلى ودولى، وأنتجت 12 عملاً فنياً راقصاً، بالإضافة لعشرات اللوحات، وحصدت فى مسيرتها العديد من الجوائز الأولى وشهادات التقدير المميزة من مهرجانات محلية ودولية لتقدم الفرقة التراث الشعبى الفلسطينى، الغنائى والراقص، برؤية خاصة بها يجمع بين الأصالة والحداثة، فتعمل من خلاله على تطوير الفنون الأدائية فى فلسطين، للإسهام بالحفاظ وتطوير الهوية الثقافية الفلسطينية، وتعزيز روح الانتماء والتعبير والإبداع والعمل الجماعى. ومنذ البداية، عملت هذه المجموعة على تقديم أشكال الفن الشعبى الفلسطينى من موسيقى ورقص، بأسلوب مميز، فكان أول ظهور للمجموعة فى مهرجان للدبكة فى جامعة “بيرزيت” عام 1979، والذى تم بعده إطلاق اسم «فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية»، وتطور عمل الفرقة فى أوائل الثمانينيات فى نفس الاتجاه، وانضم إليها المزيد من الأعضاء الواعين لأهمية القضية من خلال الثقافة والفنون، فجاءت عروضها المتتالية: «لوحات فلكلورية»، «وادى التفاح» عام 1984، و«مشعل» عام 1986 و«أفراح فلسطينية» عام 1987 لتحمل رسائل جمالية تعبر عن القضية الفلسطينية لجمهور فلسطينى واسع لم يسبق له أن التف حول أى من الفرق التى برزت وانتهت فى فترتى السبعينيات والثمانينيات.. ولعبت فرقة الفنون الشعبية خلالها دوراً مميزاً فى إحياء التراث الموسيقى والراقص، وتكمن أهمية هذا الدورفى الاحتفال السنوى بيوم التراث الفلسطينى، والذى بادرت لإطلاقه الفرقة فى عام 1986، كما لعبت فرقة الفنون الدور المحورى فى تأسيس مركز الفن الشعبى سنة 1987. وعملت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية على توسيع رقعة انتشارها فى العالم من خلال جولات فنية تم تنظيمها من قبل الجاليات الفلسطينية وغيرها، أو من خلال أصدقاء الفنون حول العالم.