الأحد 29 يونيو 2025

كيف عبر المصريون عن ثورتهم فى «30 يونيو» بالأغانى؟

كيف عبر المصريون عن ثورتهم فى 30 يونيو بالأغانى؟

28-6-2025 | 13:17

محمود الرفاعي
لم تكن الأغنية الوطنية فى ثورة 30 يونيو مجرد لحن يواكب الحدث أو كلمات تنسج على وقع السياسة، بل ولدت من رحم مشاعر متوهجة، صادقة، ومشحونة بقلق الوطن وأمله، خرجت الكلمات من صدور أصحابها لا من دفاتر الشعراء فقط، وحملت الألحان توتر اللحظة وتطلع الجماهير للخلاص. كانت الأغانى فى تلك الأيام صوتاً شعبياً يوازى الهتاف فى الميادين، تنقل النبض العام، وتعكس حالة وجدانية متداخلة من الألم والحلم والانتصار. فى تلك الأيام، لم يكن الناس يستمعون إلى الأغنية، بل كانوا يسكبون فيها وجدانهم، يغنونها وكأنهم يكتبون تاريخاً جديداً، ولهذا، تحولت تلك الأعمال إلى ما هو أكبر من الفن.. صارت وثائق حية، تنطق بما عجزت عنه الخطب، وتخلد ما لم تروه البيانات ولا عدسات الأخبار. «تسلم الأيادى».. قلبت الميادين وغنى بها الشارع لم تكن «تسلم الأيادى» مجرد أغنية، بل كانت صوتاً يوازى صدى الشارع، وصرخة غنائية ولدت من رحم اللحظة السياسية الأكثر سخونة فى تاريخ مصر الحديث. مع إعلان 3 يوليو 2013 والذي يشكل نجاح لثورة 30 يوليو، ووسط مشهدٍ مشحون بالتوتر والتطلعات، خرجت الأغنية كأول إشارة غنائية مباشرة لدعم ثورة الشعب، لتصبح خلال أيام قليلة بمثابة «نشيد غير رسمى» للمرحلة الانتقالية. كتب كلماتها مصطفى كامل، وغناها بصوته إلى جانب نجوم كبار مثل حكيم وإيهاب توفيق وآخرين، ليشكلوا معاً عملاً جماعياً حمل قدراً كبيراً من الحماسة، وترك أثراً فورياً فى الوجدان الشعبى، كلماتها المباشرة التى حيت «جنود مصر الذين حموا البلاد» لم تترك مجالاً للتأويل، فيما كان لحنها الإيقاعى السريع أقرب إلى نبض الميدان منه إلى استوديو التسجيل. فى ذلك الوقت، كانت مصر تموج بالمظاهرات، والشوارع تغلى بالتوقعات، فكان من الطبيعى أن تتحول «تسلم الأيادي» إلى ما يشبه شعاراً شعبياً، لتتحول إلى واحدة من أبرز العلامات الفنية التى رافقت ثورة 30 يونيو، وواحدة من اللحظات التى التقت فيها الأغنية بالميدان، فخلدت إحساساً عاماً لا يمكن تجاهله. «بشرة خير» فى لحظة سياسية كانت مصر تبحث فيها عن بارقة أمل، وسط تعب وضبابية المشهد، خرج صوت الفنان الإماراتى حسين الجسمى بأغنيته الشهيرة «بشرة خير» ليقلب الموازين، ويمنح الأجواء الانتخابية التى تلت ثورة 30 يونيو طابعاً احتفالياً غير مسبوق، لم تكن الأغنية خطاباً سياسياً لكنها حملت بين سطورها لهجة التفاؤل، وبثت فى الشارع روحاً جديدة من الفرح، بعد سنوات طويلة من التوتر والانقسام. صدرت الأغنية قبيل الانتخابات الرئاسية فى عام 2014، التى فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، لتتحول خلال أيام إلى موجة عارمة من الحماس الشعبى، فبعبارات بسيطة مثل: «قوم نادى ع الصعيدى وابن أخوك البورسعيدي»، استطاعت الأغنية أن تلمس قلب المواطن العادى، من أقصى الصعيد إلى دلتا النيل، ومن المدن الكبيرة إلى القرى النائية. كانت «بشرة خير» بمثابة حملة دعم معنوى كاملة، تحفز على المشاركة فى الانتخابات، وتشجع على التوجه إلى صناديق الاقتراع، فى وقت كانت فيه مصر تبحث عن الاستقرار بعد تحولات عاصفة. تحولت «بشرة خير» إلى نشيد غير رسمى للأمل، تصدح فى الحملات، والمسيرات، وحتى فى الأعراس، وأصبحت رمزاً صوتياً للحظة مصرية فريدة أرادت أن تقول: «احنا مكملين.. وبنبتسم من قلب الأزمة». لم تكن «تسلم الأيادي» و«بشرة خير» سوى رأس جبل الجليد فى موجة غنائية اجتاحت مصر بعد نجاح ثورة 30 يونيو، إذ انفجرت الساحة الفنية بأغنيات وطنية خرجت من قلب اللحظة، أصبحت الأغنية المصرية مرآة شعب. وفى المقابل، أثارت أغنية «إحنا شعب وإنتو شعب» للفنان على الحجار، زلزالاً من الجدل، بعد أن طرحت خطاباً صريحاً ضد الإخوان، كتبها مدحت العدل بلغة مباشرة، تعلن رفضاً شعبياً لا لبس فيه للجماعة. فى قلب هذا المشهد، جاءت بعد عدة سنوات أغنية «قالوا إيه»، فى شكل نشيد حماسى يحتفى بزملائهم بمواجهة الإرهاب فى سيناء، لم تكن مجرد أغنية، بل أشبه بوثيقة مصورة لبطولات حقيقية، سرعان ما تحولت إلى ما يشبه النشيد الرسمى للروح القتالية، تذاع فى الطوابير المدرسية، وتردد فى الاحتفالات الوطنية، كأنها صيغة وجدانية جديدة لمفهوم الشرف والنضال. كل مطرب بلونه وصوته يحكى حكاية وطن لم تقف الأغنية الوطنية عند حدود الشعارات الكبرى، بل دخلت بقوة إلى قلب الشعب عبر أصوات نجوم كبار، أطلقوا أعمالاً تعزز قيم الاستقرار، وتدعو للتماسك، كل بطريقته، وكل بلونه الفنى المختلف. فالفنان تامر حسنى، فاختار أن يخاطب الناس بلغة الطمأنينة والتشجيع فى أغنية «أوعى تخاف»، والتى قدمها برسالة واضحة مفادها: «ابنى بلدك ومتخافش من اللى جاى»، الأغنية كانت بمثابة دفعة نفسية للأجيال الشابة، فى وقت كانت فيه الدعوة إلى العمل والأمل أهم من أى خطاب سياسى تقليدى. فى المقابل، جاء أمير الغناء العربى هانى شاكر، نقيب الموسيقيين آنذاك، بأغنية «وأنت ماشي في مصر». أغنيات من الذاكرة فى لحظة فارقة من تاريخ مصر، وسط مشهد سياسى وطني يتجاوز الشعارات، استعادت الأغنية الوطنية القديمة مكانتها، وكأنها عادت من أرشيف الوجدان الجمعى لتقول ما لا تقوله الخطب، لم تكتفِ الثورة بإنتاج أغنياتها الخاصة فقط، بل أيقظت من الذاكرة أعمالاً خالدة استردت زخمها فجأة، بعد أن طالها النسيان لسنوات. يبقى أن نقول إن الأغنية الوطنية فى ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد خلفية موسيقية، بل كانت قوة ناعمة تقود الوجدان، تحشد المشاعر، وتوثق لحظة قرر فيها الشعب أن يتكلم بلحنه وصوته، لترسم ملامح مرحلة كاملة فى تاريخ الوطن، وتمثل وثائق فنية خالدة، تقول إن الفن حين يلتقى بنبض الشارع، لا يصبح مجرد فن.. بل يتحول إلى موقف.