الأحد 27 يوليو 2025

الفن سلاح التنوير.. ومفتاح الصمود.. ودرع الوعى

الفن سلاح التنوير.. ومفتاح الصمود.. ودرع الوعى

5-7-2025 | 13:08

همسة هلال
تعيش مصر اليوم مرحلة هامة فى تاريخها، حيث تخوض معركة شاملة للبناء والتنمية، وفى ظل هذه الظروف، تتضاعف أهمية الفن كقوة ناعمة قادرة على توعية الرأى العام، وترسيخ قيم الوحدة والانتماء، وتوثيق بطولات أبناء الوطن من الجيش والشرطة الذين يضحون بأرواحهم دفاعاً عن الأرض والعرض. لا يقتصر دور الفن الحقيقى على كونه ترفاً أو وسيلة ترفيه فحسب، بل هو شريك أصيل فى معركة الوعي، وسلاح فعال فى مواجهة الأفكار المتطرفة، وعامل مهم فى كشف الحقائق وتقديم صورة صادقة عما تحقق من إنجازات، بما يسهم فى تحصين المجتمع ضد محاولات زعزعة الاستقرار، ويؤكد أن مصر ستبقى صامدة بوعى شعبها، وقوتها الناعمة التى يمثلها فنها وفنانوها المخلصون. في هذا التحقيق، نلتقي بنخبة من الفنانين والنقاد والمخرجين الذين يسلطون الضوء على الدور المحوري للفن في دعم الوطن، بما يواكب آمال المصريين ويعكس إنجازات الدولة. فى البداية أكدت الفنانة نهال عنبر أن الفن يعد عاملاً أساسياً فى إبراز الإنجازات التى تحققت فى مصر خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن جزءاً من هذه الإنجازات ظهر بالفعل عبر الأعمال الفنية، بينما يتبقى جزء آخر يجب التركيز عليه لإظهاره للجمهور بالشكل الذى يليق بحجمه. وأضافت عنبر فى تصريحاتها: الفن له دور كبير فى الترويج للسياحة، وأنا ألاحظ كيف تعرض بعض المسلسلات والأفلام الأجنبية المعالم السياحية فى بلادهم بشكل جاذب، لدينا فى مصر أماكن سياحية رائعة مثل العلمين وشرم الشيخ والغردقة، ويجب أن نهتم بها بشكل أكبر فى أعمالنا. وتابعت: الأعمال الوطنية أسهمت فى تعريف الناس بالأحداث التاريخية المهمة بشكل صحيح ودون تشويش، مثلما حدث فى مسلسل (الكتيبة 101) الذى سعدت بالمشاركة فيه، لأنه قدم فترة مهمة من تاريخ مصر بصدق وواقعية، وكذلك مسلسل «الاختيار». وشددت عنبر على أن تطور الفن نفسه أصبح بمثابة «فاترينة» تظهر ثقافة البلاد وتقدمها، مؤكدة أهمية الاهتمام بالمسرح الذى يعكس الناحية الثقافية والحضارية لمصر. وشددت الفنانة وفاء عامر على أن الفن يمثل واحد من أهم أدوات دعم الوطن والتعبير عن إنجازاته، مؤكدة أن قدرته على دخول كل بيت بسهولة عبر الشاشات فى أوقات مختلفة تجعله الوسيلة الأوسع انتشاراً للوصول إلى الجمهور وتعريفه بحقائق بلده. وقالت وفاء عامر فى تصريحات خاصة لـ«الكواكب»: الجمهور لم يعد يقبل على القراءة كما كان فى الماضى، ولم تعد الكتب والثقافة الورقية منتشرة، فأصبح العرض المرئى من خلال الأعمال الفنية هو الوسيلة الأكثر تأثيراً للتذكير والتوثيق، حيث تعيد هذه الأعمال الناس إلى تاريخهم، وتعرفهم بأحداث فارقة تاريخياً أو محاولات قوى الشر للسيطرة على مصر، وكل ذلك بالصوت والصورة التى تبقى وثيقة خالدة. وتابعت: هناك فارق كبير بين مصر قبل 11 عاماً واليوم؛ فمصر تشهد نهضة حقيقية رغم كل التحديات، وكل من يزور مصر يلمس حجم التغيير والتطوير فى الطرق والبنية الأساسية، وهو ما تحقق بفضل قيادة واعية تدرك قيمة الوقت، وتختصر الزمن فى مشروعات قومية عملاقة. وفى تقييمها للأعمال الفنية الحالية، قالت: حتى الآن لم يقدم أى عمل فنى صورة كاملة لإنجازات مصر، رغم وجود بعض الأعمال المحترمة، ولذلك يجب الاستثمار بجدية فى الفن لأنه الأداة القادرة على توثيق هذه المرحلة المهمة. وأضافت عامر أن مصر عرفت فى عصور سابقة توثيق إنجازاتها عبر الفنون، مثل الجداريات والصور التى أرّخت لعهد محمد على مؤسس الدولة الحديثة، مشددة على أننا اليوم نمتلك من الإمكانيات ما يؤهلنا لتوثيق مصر الحديثة التى تواجه تحديات كبرى، وتظل صامدة بفضل جيشها القوى وقيادتها وشعبها الواعى. وأكدت عامر أهمية الأغانى الوطنية الحديثة فى رفع الروح المعنوية، مستشهدة بأغنية للفنان محمد حماقى تضمنت رموزاً وطنية مثل أحمد زويل وعبدالحليم حافظ وحسن شحاتة، معتبرة أن هذه الأغانى تلعب دوراً حيوياً فى التذكير بقدرات مصر ومكانتها. من جانبها، أكدت الفنانة منال سلامة، أن الفن فى كل العصور لعب دوراً أساسياً فى دعم الوطن والتعبير عن إنجازاته، موضحة أن فترة الخمسينيات والستينيات نموذج حى على ذلك، بما شهدته من أفلام وطنية وأغانٍ حماسية كان لها دور كبير فى التعبئة النفسية والمعنوية للمصريين وللعالم العربى كله. وأضافت منال سلامة: لو رجعنا للأفلام والأغانى اللى اتعملت فى الفترات دى، هنعرف قد إيه الفن كان مؤثر وقوى، وقدر يزرع مشاعر الانتماء والفخر، ويصنع وعى جمعى بقضايا الوطن. وعن الأعمال الفنية التى قدمت مؤخراً، ترى منال سلامة أن ما قدم خلال آخر 4 أو 5 سنوات كان جيد جداً وفى مقدمته «هجمة مرتدة والاختيار» لكنه غير كافٍ تماماً مقارنة بحجم الإنجازات الواقعية على الأرض، قائلة: احنا محتاجين عشرات الأعمال مش عمل أو اتنين، محتاجين نقدم الإنجازات بشكل فنى غير مباشر.. مش فيلم تسجيلى، مثلاً من خلال قصة حب بتدور فى أماكن حديثة، فى شوارع جديدة، بين مشروعات وعمارات وكبارى.. ساعتها المشاهد هيقول: مصر بقت حلوة قوى. وأشارت إلى أن هذا النوع من التناول الفنى يلامس المتلقى بعمق، ويتسرب تحت الجلد. أكد المخرج تامر حمزة أن الفن يمثل قوة ناعمة مؤثرة فى وجدان الشعوب، فهو لا يكتفى بنقل المعلومات بل يزرع مشاعر الانتماء والفخر، خاصة لدى الشباب، من خلال توثيق اللحظات التاريخية والإنجازات بأساليب إبداعية. وقال حمزة: إن الفن فى زمن الأخبار الزائفة على مواقع التواصل يلعب دوراً محورياً فى تقديم رواية وطنية صادقة وملهمة، موضحاً أن الفن الحقيقى لا يقتصر على المديح، بل يساهم فى تصحيح المسار بالنقد البناء، ما يجعله دعماً حقيقياً للوطن. وأضاف أن جميع الفنون، من سينما ومسرح وموسيقى، قادرة على تقديم صورة مصر عالمياً، وجذب السياحة والاستثمار عبر إبراز ثقافتها وإنجازاتها، مشيراً إلى ضرورة تقديم أعمال مبتكرة خارج الصندوق بدلاً من الخطاب المباشر التقليدى. وأكد الناقد الفنى أحمد السماحى أن الفن المصرى كان دائماً فى صف الوطن، مسانداً له فى لحظات النصر، ومشيراً إلى أن الأغنية الوطنية هى أسرع وسائل التعبير عن الأحداث وبث روح الانتماء فى نفوس المواطنين، حيث نجحت فى توثيق وقائع كبرى مثل ثورة 1919 بأغانى سيد درويش، وثورة 23 يوليو 1952، عندما تدفق المطربون للإذاعة لتقديم أغنيات تدعم الوطن. وتابع السماحى أن الأغنية الوطنية لعبت دوراً محورياً فى تعزيز الروح القومية خلال الخمسينيات والستينيات، وازدادت زخماً بعد نصر أكتوبر 1973 بأعمال خالدة مثل «أنا على الربابة»، كما شهدت فترة ثورة 30 يونيو انفجاراً جديداً للأغانى الوطنية التى واكبت إرادة الشعب لإسقاط حكم الإخوان، وبرز وقتها أوبريت «تسلم الأيادى» وغيره من الأعمال التى عبرت عن انتصار المصريين. وفى المقابل، انتقد السماحى غياب الأعمال الفنية الحالية عن توثيق الإنجازات الكبيرة التى تشهدها مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، مؤكداً أن الفن لم يعد يعكس الواقع ولم يوثق الطفرة العمرانية والاقتصادية التى تحققت فى وقت قياسى، رغم رصد بعض الأعمال الدرامية لبطولات أبطالنا من الجيش والشرطة. كما أكد الناقد الفنى طارق مرسى، أن الفن هو المرآة الصادقة للمجتمع والحارس الأمين لتطوره، مشدداً على أن الدراما المصرية أثبتت فى السنوات الأخيرة قدرتها على توثيق الأحداث ودعم الوطن بشكل يفوق السينما والغناء، وذلك من خلال أعمال مثل «الاختيار» و«هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول»، التى تحولت إلى وثائق تاريخية تجسد التحولات الكبرى فى مصر. وأضاف مرسى أن ما تحقق فى مصر خلال العقد الأخير من توسعات عمرانية فى العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، وثورة فى مشروعات الطرق والكبارى، يستحق تسليط الضوء الفنى عليه بشكل أكبر، مؤكداً أن الوقت قد حان ليعكس الفن هذه الإنجازات غير المسبوقة، ويبرزها للجمهور المحلى والعالمى. وأشار مرسى إلى ضرورة تقديم أعمال تتناول سير رموز الحاضر الملهمة مثل الدكتور أحمد زويل والدكتور مجدى يعقوب ومحمد صلاح وغيرهم، لما لهم من تأثير كبير على الشباب، إضافة إلى أهمية مناقشة قضايا المجتمع بوعى ومسئولية، لإحداث التغيير الإيجابى ودعم مسيرة التنمية. وختم مرسى تصريحه بالتأكيد على أن الفن الذى يوثق الإنجازات ويحتفى بالنماذج الإيجابية هو السبيل لبناء وعى وطنى قادر على مواكبة التحولات الكبرى التى تشهدها مصر. وفى النهاية أشار الناقد الفنى أحمد سعد الدين، إلى أن الفن يمثل القوة الناعمة الحقيقية لمصر، مشيراً إلى أن تاريخ السينما والمسرح والأغنية فى مصر ضارب فى الجذور، ما يمنح الفن المصرى مكانة خاصة فى المنطقة، وقال: السينما عندنا بقالها أكتر من 120 سنة، والمسرح ضعف الرقم ده، والأغنية تاريخها طويل ومتشعب. وأضاف أن الفن هو الأقدر على توصيل الإنجاز للجمهور بشكل أسرع وأكثر تأثيراً من أى وسيلة إعلامية تقليدية، ضارباً المثل بفيلم «إسماعيل ياسين فى الأسطول»، وبأفلام مثل «الرصاصة لا تزال فى جيبى» التى وثقت نصر أكتوبر وغرست روح الانتصار فى وجدان الشعب. وأوضح سعد الدين أن الفن لعب دوراً كبيراً أيضاً فى توثيق إنجازات كبرى مثل مشروع السد العالى بأغانٍ خالدة، مؤكداً أن مصر اليوم تشهد طفرة غير مسبوقة فى البنية التحتية والمشروعات القومية، لكن الفن لم يواكبها حتي الأن كما يجب. وعن الأسباب، قال إن توثيق الإنجازات يحتاج إلى كتاب يصيغون الأحداث فى قوالب درامية ممتعة، إضافة إلى إمكانية التصوير فى المواقع الطبيعية بصورة أكبر لدعم الرسالة الفنية، مختتماً بأن الفن سيبقى الأداة الأهم فى تحويل الإنجازات إلى ذاكرة وطنية خالدة.