الجمعة 25 يوليو 2025

عبد المنعم مدبولي.. بهجة الفن وعبقرية المسرح التي لا تموت

عبدالمنعم مدبولي

10-7-2025 | 14:42

عمرو محي الدين
في مثل هذا اليوم، الثامن من يوليو، تحل ذكرى رحيل أحد أعظم رموز الفن المصري والعربي، الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي، الذي ترك بصمة لا تمحى في تاريخ المسرح والسينما والدراما، وحفر اسمه بحروف من ذهب كأحد أعمدة الكوميديا العربية، ومؤسس مدرسة فنية فريدة باتت تعرف باسم "المدبوليزم". ولد عبد المنعم مدبولي في باب الشعرية بالقاهرة عام 1921، وظهرت موهبته مبكرًا حينما تم اختياره لقيادة الفرقة المسرحية في مدرسته الابتدائية، ما كان مؤشرًا على ولادة نجم استثنائي، التحق بعدها بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي وتخرج فيه عام 1949، ليبدأ رحلة طويلة من الإبداع الفني، جمع فيها بين التمثيل، الإخراج، والتأليف، وصنع لنفسه أسلوبًا خاصًا يجمع بين البساطة، العمق، والإنسانية. بدأ مدبولي مشواره الفني في فرقتي جورج أبيض وفاطمة رشدي، قبل أن يلمع اسمه من خلال البرنامج الإذاعي الشهير "ساعة لقلبك"، الذي قدم من خلاله العديد من الشخصيات والإفيهات التي ما زالت حية في وجدان المستمعين. كانت أولى خطواته المسرحية الكبيرة من خلال فرقة زكي طليمات، ثم أسس في عام 1952 فرقته الخاصة "المسرح الحر"، ولاحقًا ترأس فرقة المسرح الكوميدي، وأخرج من خلالها أكثر من أربعة عروض ناجحة، كما شارك في تأسيس فرقة الفنانين المتحدين التي شكلت علامة بارزة في المسرح المصري وقدمت عروضًا لا تُنسى مثل "العيال الطيبين" والبيجاما الحمرا". رغم دخوله عالم السينما متأخرًا بفيلم "أيامي السعيدة" عام 1958، إلا أن عبد المنعم مدبولي سرعان ما أصبح وجهًا مألوفًا ومحبوبًا، وشارك في عدد من الأفلام التي أصبحت أيقونات في تاريخ السينما المصرية، مثل: الحفيد مولد يا دنيا مدرسة المشاغبين ربع دستة أشرار شهادة مجنون مطاردة غرامية ولم تقتصر موهبته على الكوميديا فقط، بل قدم أدوارًا درامية مؤثرة، أظهر فيها براعته في لمس القلوب. في الدراما التلفزيونية، لمع اسم عبد المنعم مدبولي من خلال عدد من المسلسلات التي جمعت بين الحس الكوميدي والمضمون الإنساني العميق، ومن أبرزها: أبنائي الأعزاء.. شكرا عالم عم أمين العائلة أولادي كما ترك بصمته في الإذاعة من خلال مسلسلات ناجحة مثل العتبة جزاز والثلاثة المدهشين. أحد أعظم إنجازات مدبولي هو تأسيسه لمدرسة فنية متفردة سُميت بـ"المدبوليزم"، وهي مزيج من الكوميديا الراقية، الرسالة الاجتماعية، والبساطة التي تصل إلى قلوب الجمهور. تخرّج من هذه المدرسة عشرات النجوم الذين أصبحوا لاحقًا رموزًا في الفن المصري، منهم: أحمد زكي سعيد صالح كان مدبولي محبًا للأطفال، وقد انعكس هذا الحب في أغانيه وأعماله التي خلدها الزمن، مثل: "توت توت", "جدو عبده زارع أرضه", و"الشمس البرتقالي"، كما شارك في عدد من برامج الأطفال الإذاعية، مقدّمًا محتوى تربويًا وترفيهيًا مميزًا. نال الفنان الكبير العديد من الجوائز والأوسمة، أبرزها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1983، تقديرًا لعطائه الفني الممتد وتأثيره الكبير في الساحة الثقافية. في 9 يوليو عام 2006، غيّب الموت عبد المنعم مدبولي عن عمر ناهز 85 عامًا، بعد إصابته بالتهاب رئوي وهبوط حاد في الدورة الدموية، ليُسدل الستار على حياة مليئة بالعطاء، ولكن دون أن يغيب عن وجدان الجمهور. فرغم رحيله، ما زالت أعماله تضيء الشاشات والمسرح، وتملأ البيوت بالضحك والحنين، وتعلّم الأجيال أن الفن الحقيقي لا يموت، بل يظل نبراسًا يُهتدى به. "عبد المنعم مدبولي".. لم يكن مجرد فنان، بل كان مؤسسة متكاملة من البهجة والفكر والإنسانية، واسمًا خالدًا في ذاكرة الوطن العربي.