12-7-2025 | 12:54
موسى صبري
فى زمن باتت فيه الأرقام لغة طاغية فى كل المجالات، أصبحت الإيرادات المليونية للأفلام تتصدر العناوين وتخطف الأضواء، حتى أصبح كثيرون يرون فى ارتفاع العائدات دليلاً وحيداً على نجاح العمل السينمائي، لكن هل تعد الإيرادات فعلاً المعيار الأوحد لتقييم جودة الأفلام؟ وهل يكفى حجم الإيرادات ليحكم الجمهور والنقاد على نجاح الفيلم فنياً وإبداعياً، أم أن هناك معايير أخرى تحدد قيمته الفنية هذا التساؤل يفتح الباب لنقاش واسع بين صناع السينما والنقاد والمشاهدين حول العلاقة بين القيمة الفنية للفيلم وأرقامه فى شباك التذاكر، ومدى دقة هذه الأرقام فى عكس مدى تأثير العمل وإبداعه الحقيقى.
يرى المنتج محمد العدل أن نجاح الأفلام لا يمكن ربطه بمعيار ثابت، سواء على صعيد الإيرادات أو القيمة الفنية، فصناعة السينما ترتكز على ثلاثة أضلاع متساوية: الصناعة، والتجارة، والفن، وإذا اختل أحد هذه الأضلاع، سقط العمل بالكامل، وهذه هى القاعدة العملية التى تحكم السينما منذ بدايتها.
ويشير العدل إلى أن الكفة باتت تميل لصالح الجانب التجارى أحياناً، حيث أصبح هو العنصر الأبرز لضمان استمرارية الفيلم، إذ إن النجاح المالى يحفز المنتج على تحقيق توازن بين الجودة الفنية والعائد المادى فى مشاريعه المستقبلية، بينما يصعب أن يحدث العكس.
ويضيف العدل أن بعض المنتجين أصبحوا يهتمون بـ«الفورم التجاري»، ويعتمدون بشكل أساسى على نجومية الأبطال لضمان تحقيق الربح، بينما يسعى آخرون إلى الجمع بين القيمتين الفنية والتجارية، مستشهداً بأفلام مثل «الفيل الأزرق» و«كيرا والجن» و«تراب الماس» كنماذج ناجحة.
فى المقابل، يشير إلى أن هناك تصنيفاً خاطئاً يلاحق أفلام المهرجانات، حيث تعتبر غير جماهيرية أو تجارية، مما يحد من تأثيرها فى السوق رغم قيمتها الفنية العالية، لكنه يلفت إلى أن بعض هذه الأعمال تنجح على الصعيدين، وتحظى بمتابعة الجمهور الواعى والمثقف الذى يقدر الفن برؤية متزنة وناضجة.
الإيرادات ضرورة للاستمرار.. لا دليل على الجودة
يؤكد المنتج هشام عبد الخالق أن تحقيق الإيرادات العالية يعد هدفاً أساسياً فى صناعة السينما، لما له من دور كبير فى ضمان استمرار هذه الصناعة، إلا أنه يشدد فى الوقت نفسه على أن الإيرادات لا تعد مقياساً لجودة الفيلم.
ويرجع عبد الخالق ارتفاع الإيرادات إلى عدة عوامل، من أبرزها وجود نجوم شباك التذاكر، وتنوع الأفلام المطروحة.
ويضيف أن صعود الإيرادات لا يعنى بالضرورة زيادة فى أعداد التذاكر المباعة، إذ قد يكون السبب فى ذلك ارتفاع أسعار التذاكر نفسها، كما يشير إلى أن المنتجين يواجهون تحديات كبيرة فى التوزيع، خصوصاً مع أفلام المهرجانات، حيث تشترط العديد من دور العرض وجود أسماء لامعة من النجوم أو الشباب المعروفين لضمان جذب الجمهور.
التلقى يتغير باختلاف الأشخاص والزمن
يرى الناقد طارق الشناوى أن هناك دائماً فجوة زمنية وإنسانية بين عرض الفيلم وقدرة الجمهور على التفاعل معه، إذ يختلف التلقى من شخص لآخر، ومن حقبة زمنية إلى أخرى، ويضرب مثالاً على ذلك بفيلم «باب الحديد» الذى عرض عام 1958، ولم يلقَ ترحيباً وقتها، لكنه لاحقاً تحول إلى فيلم جماهيرى مهم.
ويوضح الشناوى أن بعض المخرجين والنجوم اليوم يسعون غالباً لتقديم أعمال تخاطب ذوق الجمهور وتتماشى مع مزاجه العام، سعياً وراء تحقيق الإيرادات، ولو على حساب المستوى الفنى، وهو ما يتطلب من أبطال هذه الأعمال مجهوداً مضاعفاً لتحقيق التوازن الصعب بين القيمة الفنية والنجاح التجاري.
ويضيف أن أفلام المهرجانات عادة لا تحظى بالقبول الجماهيرى الكافى، بعكس الأفلام التجارية التى تعرض فى دور العرض وتلبى توقعات شباك التذاكر، فهذه الأفلام المهرجانية تتسم بلغة سينمائية مختلفة وتطرح حالة جمالية تتجاوب معها المهرجانات، لكن الجمهور العام بطبيعته يميل إلى الأعمال السهلة التى لا تتطلب جهداً فى التلقي، ولذلك، فإن بعض الأفلام قد تبدأ قوية ثم تفشل فى الحفاظ على جذب الجمهور، بينما تنجح أفلام أخرى فى الاستمرار حتى النهاية جماهيرياً وفنياً، سواء فى السوق أو على منصات المهرجانات، مثل فيلم «شباب امرأة».
ويختتم الشناوى بالتأكيد على أن الخلل فى بعض الأعمال يعود إلى ضعف البناء الفنى، إذ إن العمل الجيد يجب أن يكون قادراً على الاحتفاظ بجاذبيته طوال مدته وعلى كل المستويات.
بين شعبية النجم.. وجودة العمل
توضح الناقدة مها متولى أن ارتفاع إيرادات بعض الأفلام لا يعبر دائماً عن جودتها الفنية، بل يرتبط أحياناً بعوامل خارجية، مثل التوزيع الدولى الجيد، ومع فروق العملة بين الجنيه المصرى وبعض العملات العربية، تحقق الأفلام إيرادات مرتفعة خارجياً أولاً، قبل أن ينعكس ذلك على السوق المحلية.
وتؤكد أن هذا النجاح لا يعنى بالضرورة أن الفيلم جيد فنياً، بل قد يعود فقط إلى جماهيرية الفنان وحب الجمهور له، رغم أن المستوي الفنى قد يكون على غير القدر المطلوب.
وتضيف متولى أن فيلم «سيكو سيكو» على سبيل المثال يعد نموذجاً مختلفاً، حيث استطاع أن يحقق نجاحه نتيجة تجربة مكتملة الأركان من حيث الكتابة الجيدة، والأداء اللافت لأبطاله الشباب مثل عصام عمر وطه دسوقى، ما منحه قبولاً جماهيرياً وفنياً فى آنٍ واحد.
وتشير إلى أن أفلام المهرجانات غالباً ما تفشل فى الوصول إلى الجمهور ليس بسبب ضعف فى التذوق أو الثقافة، بل نتيجة سوء التوزيع الذى يحرم هذه الأعمال من الانتشار، رغم أن الجمهور المصرى يتمتع بوعى كافٍ لتمييز الأعمال الجيدة، سواء كانت فنية أو تجارية.
الجمع بين التسلية والرسالة معركة صعبة
يرى الناقد عصام زكريا أن بعض النجوم والمنتجين يركزون على تحقيق الإيرادات كهدف رئيسى، بينما يولى البعض الآخر اهتماماً حقيقياً بجودة الفيلم ومضمونه.
ويشير إلى أن بعض صناع السينما يتجهون نحو الأعمال الترفيهية التى تضمن رواجاً سريعاً، بينما يسعى آخرون إلى تقديم محتوى فنى متقن، لكن الجمع بين الجودة الفنية والنجاح التجارى يعد مهمة صعبة، تتطلب جهداً كبيراً من المنتج وأبطال العمل.
ويضيف زكريا أن أفلام المهرجانات غالباً ما تقدم مضامين قوية وطموحات فنية تفوق أحياناً قدرات البعض على التوصيل، وقد تفاجئ الجمهور برسائل صادمة وغير معتادة، فى المقابل فإن جمهور السينمات التقليدية يبحث فى الأغلب عن المتعة والتسلية، وهو ما يدركه جيداً كل من البطل والمنتج.
لذلك، قد تحقق بعض الأفلام إيرادات مرتفعة رغم بساطة رسالتها، بينما لا تجد أفلام المهرجانات نفس القبول رغم عمقها.
ويؤكد زكريا أن هذا الانقسام بين السينما الجماهيرية وسينما المهرجانات ليس سلبياً، بل يعد ظاهرة صحية تسهم فى تنويع صناعة السينما وتجدديها باستمرار.
رأي الجمهور
فى ظل هذا الجدل الدائر بين صناع السينما والنقاد حول العلاقة بين النجاح التجارى والجودة الفنية، يبقى صوت الجمهور فيصلاً حقيقياً فى هذه المعادلة المعقدة، فبين من يرى أن الإيرادات المرتفعة تعكس رضا المشاهد، وآخرين يعتبرونها مجرد مؤشر تسويقى لا يرتبط بالقيمة الفنية للعمل، قررنا أن نذهب إلى الجمهور مباشرة، ونسأله، فأجاب، د. على جمعة، أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة عين شمس، عن رأيه فى العلاقة بين الإيرادات وجودة الأعمال السينمائية، مؤكداً أن النجاح التجارى لا يعنى بالضرورة جودة الفيلم.
ويستشهد بتجربته الشخصية مع فيلم «الحريفة 2»، الذى شاهده بدافع حبه لأبطاله فقط، لكنه على المستوى الفنى كان عادياً، على الرغم من تحقيقه نجاحاً جماهيرياً واسعاً.
ويضيف أن الجزء الأول من الفيلم كان أفضل بكثير من حيث القيمة الفنية، وقد استمتع به بشكل كبير، على عكس الجزء الثانى.
ويخلص إلى أن كلا الجزأين نجح من الناحية التجارية، لكن التقييم الفنى يظل مختلفاً، وهو ما يؤكد أن الإيرادات وحدها لا تعد مؤشراً حقيقياً على جودة العمل السينمائى، بحسب رأيه.