السبت 9 اغسطس 2025

عمرو دياب صوت كاسر الزمن.. وعابر الأجيال

9-8-2025 | 14:49

منذ ظهوره الأول فى منتصف الثمانينيات، لم يكن عمرو دياب مجرد مطرب جديد على الساحة الغنائية، بل كان مشروع نجم استثنائى يرسم ملامح موسيقى عربية جديدة. بألبوماته الأولى «يا طريق»، «هلا يا هلا»، «ميال»، و«شوقنا»، أعلن الهضبة ميلاد موجة غنائية مختلفة، تمزج بين الإيقاعات الغربية والروح الشرقية الأصيلة، وتفتح أمام الأغنية العربية أفقاً لم يُطرَق من قبل. لكن نجاحه الكبير لم يكن وليد الصدفة، فالهضبة بنى مجده على عمل دؤوب، ودراسة دقيقة لكل خطوة، من اختيار الكلمات والألحان، إلى اختيار الموزعين، وحتى تفاصيل الإطلالة على الجماهير من خلال تصوير الكليبات المتميزة. ثم شهدت فترة التسعينيات قفزة فنية فى مسيرة عمرو دياب، حين قدم أعمالاً أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وتجاربنا، مثل «نور العين»، «راجعين»، «تملى معاك»، وغيرها من الأغانى المحفورة بداخلنا وما زلنا نرددها. وأغنية «نور العين» بالتحديد وبتصويرها لم تكن مجرد أغنية ناجحة، بل كانت جواز سفر موسيقياً حمل الأغنية العربية إلى العالمية، وأثبت أن موسيقانا قادرة على عبور الحدود. مع دخول الألفية الثالثة، لم يقع الهضبة فى فخ التكرار رغم نجاحاته الساحقة، بل عرف كيف يطوّر موسيقاه لتتناسب مع تغير الذوق العام. ألبومات مثل «ليلى نهارى»، «وياه»، «أحلى وأحلى» أكدت أن نجاحه لم يكن ماضياً ذهبياً فقط، بل حاضر نابض بالإبداع. وها هو فى يوليو 2025، يقدم لنا ألبومه الجديد «ابتدينا» الذى ضم 15 أغنية اختيرت بعناية وتنوع بين الألحان الإيقاعية المبهجة والمقاطع الرومانسية. لم يكن يقدم مجرد مجموعة أغانٍ جديدة، بل كان يفتح صفحة أخرى فى كتاب طويل من النجاح ليؤكد أن الزمن قد يمر، لكن الهضبة يزداد شباباً فى فنه. الألبوم جاء ليؤكد أن عمرو دياب ما زال يتصدر المشهد الصيفى كل عام، ليس فقط بأغانيه، ولكن بقدرته على جمع الأجيال المختلفة حول موسيقاه ليثبت مع مرور الزمن أن صوت عمرو دياب كاسر الزمن، وعابر الأجيال، وصانع البهجة والفرحة فى القلوب. والحقيقة، أننى لمست فى أحدث ألبومات عمرو دياب كماً من السعادة غير طبيعى، وليست سعادة فقط بل طاقة إيجابية عالية جداً أدخلت البهجة والفرحة على القلوب والبيوت.. بالفعل أصبح الهضبة علامة فى حياتنا، ومن أكثر أغانى الألبوم التى خطفتنى كلمات وموسيقى وتصويراً هى أغنية «خطفونى».. عندما تمتزج الخبرة بروح الجيل الجديد. من أبرز لحظات الألبوم وأكثرها تفرداً، مشاركة جانا، ابنة النجم عمرو دياب، فى الأغنية؛ حيث امتزجت خبرة الأب بروح الجيل الجديد. وقد كان لـ«جانا» حضور طاغٍ، لم يتجلَّ فقط فى صوتها العذب، بل أيضاً فى تواجدها اللافت ومشاركتها الظهور إلى جانب والدها فى الكليب، بأسلوب لطيف ورقيق أسر قلوب الجمهور، الذى أحب عفويتها كما أحبها شخصياً، ولا شك أنّها أضفت على العمل روحاً شبابية نابضة، لتكون أحد أهم أسباب نجاحه، فى تجربة فنية متكاملة جمعت بين نضج الخبرة وحيوية الشباب، وسرعان ما تحوّلت مقاطع الأغنية إلى «تريند» على منصات «تيك توك» و«إنستجرام»، حيث انتشرت الفيديوهات التى تقلّد أداءها وصوتها. الأغنية جاءت بتوقيع الشاعر تامر حسين، ألحان عمرو مصطفى، وتوزيع أسامة الهندى، وهو فريق يعرف كيف يقدم توليفة ناجحة للهضبة، تجمع بين الإيقاع الجذاب والجرعة العاطفية التى لا تخطئ طريقها إلى القلب. ورغم أن عبدالله، نجل عمرو دياب، لم يشارك غنائياً فى الألبوم، إلا أن ظهوره فى بعض المناسبات ولقطات الكواليس عزّز الصورة العائلية للهضبة أمام الجمهور. مشهد وجوده، إلى جانب جانا، يقول إن عمرو دياب اليوم لا يقدّم نفسه فقط كمطرب، بل أيضاً كأب يشارك أبناءه النجاح واللحظات الفنية. فى ألبومه الأخير «ابتدينا»، تبرز أغنية «بابا» كإحدى المحطات اللافتة التى تجمع بين الخفة والمرح، وتتمتع بجاذبية قادرة على أن تترسخ فى الذاكرة منذ الاستماع الأول. فهى من ذلك النوع من الأعمال التى تمتلك كل مقومات النجاح السريع، ما يجعلها مرشحة لأن تتحول إلى «تريند» على مواقع التواصل الاجتماعى فور طرحها. الأغنية التى كتب كلماتها الشاعر ملاك عادل، تدور فى فضاء الغزل، لكن ليس الغزل التقليدى المألوف، بل غزل يكتسى ثوب الدهشة والانبهار. فبأسلوب بسيط وعفوى، يرسم الشاعر صورة فتاة تخطف الأنظار وتسلب القلوب بجمالها الفاتن، فيقول: «رمش خطاف، والسحر أصناف، وأنا قلبى يتخاف عليه يا بابا». جملة واحدة فقط كافية لتشكّل شخصية الأغنية وملامحها، والملحن محمد يحيى اختار تركيبة موسيقية تعتمد على إيقاع «dance-pop» مع تطعيمات شرقية، ما جعل الأغنية مناسبة تماماً لأجواء الصيف، والتجمعات، وحتى المناسبات الخاصة. ⁠أما أغنية «ماليش بديل» فكانت بمثابة رحلة زمنية تعود بالمستمعين إلى أجواء التسعينيات التى رسّخت مكانة عمرو دياب كأيقونة الغناء العربى، لكن هذه المرة بلمسات توزيع حديثة تتناغم مع ذائقة عام ٢٠٢٥، الشاعر تامر حسين، والملحن إسلام زكى، والموزع عادل حقى، نجحوا فى صياغة عمل يحمل ملامح الماضى وعبق الحنين، مع تحديثات صوتية تمنحه عمراً فنياً طويلاً، ليبقى حياً فى ذاكرة المستمعين لسنوات قادمة. وجاءت أغنية «ابتدينا»، التى حملت اسم الألبوم، لتؤكد أنها أكثر من مجرد عمل غنائى؛ إنها رسالة أمل. فى النهاية، يمكن القول إن «ابتدينا» ليس مجرد ألبوم جديد يضاف إلى أرشيف عمرو دياب، بل هو بيان فنى يؤكد أن الهضبة لا يكتفى بالتغنى بأمجاد الماضى، بل يصنع مجده يوماً بعد يوم، إنه عمل يمد الجسور بين الأجيال، ويمنحنا سبباً متجدداً لنردد: عمرو دياب.. مدرسة لا تعرف التوقف عن الإبداع. منذ أربعة عقود، ظل دياب صانع البهجة ومهندس الفرح فى القلوب، يعرف متى يخوض المغامرة ومتى يتحرك فى منطقة الأمان. نجاحه لم يكن صدفة ولا مجرد حصيلة أغانٍ جيدة، بل ثمرة ذكاء فنى متفرّد، وقدرة على قراءة اتجاهات الجمهور بدقة واستباقها بخطوة. يختار الهضبة فريق عمله بوعى شديد، يحيط نفسه بالمبدعين القادرين على ترجمة رؤيته إلى ألحان وصور وصوت، والأهم أنه يواصل صناعة ذكريات مشتركة بين من أحبوه فى البدايات ومن يكتشفونه اليوم، ليبقى حاضراً فى وجدان أجيال متعاقبة، وكأنه يوقع على عقد أبدى مع الفرح.