تحل هذا الشهر ذكرى رحيل الفنان الكبير نور الشريف، أحد أعمدة السينما والدراما العربية، وصاحب المسيرة الذهبية التى امتدت لأكثر من أربعة عقود، جمع خلالها بين الموهبة الفطرية والثقافة العميقة والاختيار الدقيق لأدواره، منذ بداياته فى أواخر الستينيات، لفت الأنظار بأدائه الصادق وقدرته على التنقل بين الكوميديا والتراجيديا والشخصيات التاريخية والاجتماعية المركبة. لم يكن الشريف مجرد ممثل، بل خاض مجالات الإنتاج والإخراج، وأسهم في اكتشاف ودعم المواهب الجديدة، ليصبح رمزاً للفنان المثقف الملتزم بقضايا مجتمعه وفنه، وعلى مدار مشواره حصد عشرات الجوائز والتكريمات المحلية والدولية، وبقي اسمه محفوراً في ذاكرة الجمهور كأحد أهم أيقونات الفن العربى. وُلد محمد جابر محمد عبد الله، الشهير بـ«نور الشريف»، في 28 أبريل 1946 بحي السيدة زينب بالقاهرة، فقد والده وهو في عامه الأول، وحلم في صغره بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفاً، وانضم لناشئي أحد الأندية ، لكن إصابة أنهت مسيرته الرياضية، فاختار دراسة التمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية، ليتخرج بتقدير امتياز وأول دفعته. بدأ مشواره الفني بأدوار صغيرة على المسرح والتليفزيون، قبل أن يكتشفه المخرج حسن الإمام في فيلم «قصر الشوق» عام 1966، لتبدأ رحلة امتدت قرابة نصف قرن قدّم خلالها أكثر من 150 فيلماً تنوعت بين الاجتماعي والسياسي والرومانسي والكوميدي، من أبرزها «سواق الأتوبيس»،«العار»،«ليلة ساخنة»،«زمن حاتم زهران»،«دم الغزال»،«ناجي العلي»،«المصير». وكان فيلم «حبيبي دائماً» مع بوسي من أيقونات السينما الرومانسية، بينما شهد فيلم «العاشقان» أولى تجاربه فى الإخراج. وفى التليفزيون، ارتبط اسمه بأعمال صارت علامات في الدراما العربية، منها «لن أعيش في جلباب أبي»،«عائلة الحاج متولي»،«الرجل الآخر»، «العطار والسبع بنات»،«حضرة المتهم أبي»،«الدالي»، إلى جانب مسلسلات تاريخية ودينية مثل «عمر بن عبد العزيز» و«هارون الرشيد». جمعته بالفنانة بوسي قصة حب وزواج أثمر عن ابنتيهما سارة ومي، وانفصلا عام 2006 قبل أن يعودا للارتباط مجددًا في أيامه الأخيرة. رحل نور الشريف في 11 أغسطس 2015 بعد صراع مع المرض، لكنه ترك إرثاً فنياً وثقافياً سيظل شاهداً على عظمة فنان عاش مخلصاً لفنه، وجسد بصدق ملامح الإنسان العربى على الشاشة.