السبت 16 اغسطس 2025

فى ذكرى رحيل شويكار.. حكاية أيقونة الأنوثة والضحكة التى لا تنسى

16-8-2025 | 14:09

ناصر جابر
تحل فى هذا الشهر ذكرى رحيل الفنانة الكبيرة شويكار، إحدى أيقونات الفن المصرى والعربى، التى استطاعت أن تحفر اسمها بحروف من نور فى سماء الإبداع، فقد قدمت خلال مشوارها الفنى أعمالاً خالدة تنوعت بين الكوميديا والتراجيديا والأعمال الدينية والتاريخية، وأثرت كل من السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة بأدوار باتت علامات فارقة فى تاريخ الفن المصرى. ولدت شويكار فى محافظة الإسكندرية عام 1938، وسط أسرة ثرية، حرص والداها على تسمية جميع أبنائهما بأسماء تبدأ بحرف الشين، فى ما يشبه «إمبراطورية الشين»، إلا أن حياة الطفولة لم تكن خالية من الألم؛ فقد افترق والداها فى وقت مبكر، بعدها قرر الأهل تزويجها وهى فى الـ16من عمرها لرجل يدعى حسن نافع، أنجبت منه ابنتها الوحيدة، لكن القدر سرعان ما وضعها أمام مأساة، حين توفى زوجها وهى لم تتجاوز الـ18. بعد وفاة زوجها، اضطرت للعمل حتى فتحت لها الأقدار أبواب الفن، فبدأت بأدوار صغيرة أظهرت من خلالها موهبة لافتة، ما مهد لها الطريق نحو الشهرة والنجومية. استطاعت شويكار أن تفرض حضورها بخطى ثابتة واحترافية عالية، حتى أصبحت من أبرز نجمات السينما المصرية. عرفت بابتسامتها الدائمة وشخصيتها المحببة، وكان لحضورها على الشاشة وفى المناسبات أثر كبير فى نشر البهجة، وقد تزوجت خلال حياتها ثلاث مرات؛ الأولى من حسن نافع، والد ابنتها الوحيدة، والثانية من الفنان الكبير فؤاد المهندس، الذى شكلت معه ثنائياً فنياً محبباً للجمهور، واستمر زواجهما من عام 1963 حتى طلاقهما فى 1980، أما زيجتها الثالثة فكانت من المؤلف مدحت يوسف. لم تستسلم شويكار لليأس، بل حرصت على استكمال دراستها، واستحقت فى سن العشرين لقب «الأم المثالية» من أحد الأندية، تقديراً لدورها كأم عاملة تربى ابنتها، كما نالت لقب ملكة جمال شواطئ الإسكندرية، قبل أن تنتقل إلى القاهرة لمواصلة دراستها بقسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب - جامعة القاهرة. أما انطلاقتها الفنية، فكانت من خلال فرقة «أنصار التمثيل»، حيث لفتت أنظار المخرج حسن رضا، الذى قدمها للمنتج جمال الليثى، فرشحها لأداء دور «عايدة»، مضيفة الطيران فى فيلم «حبى الوحيد» عام 1960، وقد شكل هذا الدور نقطة التحول فى مسيرتها، إذ تبعته مشاركتها البارزة فى فيلم «غرام الأسياد» عام 1961، ثم منحها المخرج أحمد ضياء الدين أول بطولة مطلقة فى فيلم «الحسناء والطلبة»، لتبدأ رحلة تألقها فى عالم الفن عبر سلسلة من الأعمال المميزة التى رسخت مكانتها كواحدة من نجمات الصف الأول فى السينما المصرية. شويكار والمهندس.. ثنائى الحب والفن يعد الثنائى الفنى بين شويكار والنجم الكوميدى الكبير فؤاد المهندس من أبرز وأنجح الثنائيات التى عرفها تاريخ الفن المصرى والعربى على مدار أكثر من قرن. بدأت علاقتهما المهنية عندما انضمت شويكار إلى الفرقة الكوميدية التى كان يقودها المهندس، لتشاركه أول أعمالها المسرحية فى عرض «السكرتير الفني»، ومن هناك انطلقت شرارة «الدويتو» الفنى الذى استمر لسنوات طويلة وخلف إرثاً مسرحياً وسينمائياً حافلاً. قدما معاً سلسلة من المسرحيات التى حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، منها: «أنا وهو وهي»، «حواء الساعة 12»، «إنها حقاً عائلة محترمة»، إلى جانب أعمال شاركت فيها شويكار بالأداء الصوتى فقط مثل «سك على بناتك». وعلى الشاشة الكبيرة، تقاسما البطولة فى نحو 26 فيلماً سينمائياً، جعلت منهما أحد أشهر الثنائيات فى تاريخ السينما المصرية، وأثبتت شويكار من خلالها أنها ليست فقط «دلوعة السينما»، بل واحدة من ألمع نجمات الكوميديا. رغم شهرتها الواسعة، ظلت شويكار متمسكة بلقبها المحبب «شويكار»، رغم الألقاب العديدة التى أُطلقت عليها مثل «السيدة الجميلة»، «الليدي»، و«دلوعة الشاشة»، أما آخر تعاون سينمائى جمعها بفؤاد المهندس، فكان فى فيلم «فيفا زلاطا»، بعد انفصالهما، وهو الانفصال الذى لم ينهِ أواصر الود بينهما. وفى تصريح مؤثر، أكدت شويكار أنها لم تُحب بعد المهندس أى شخص آخر، وقالت إن العمل المشترك بينهما فى مسرحية يومية أثناء فترة الانفصال كان مؤلماً على المستوى الشخصى، لكنهما حافظا على رسم الابتسامة على وجوه الجمهور رغم الألم، وقد أثمرت علاقتهما زواجاً دام نحو 20 عاماً، انتهى رسمياً بسبب غيرة فؤاد المهندس الشديدة. وعلى مدار زواجهما، أولت شويكار اهتماماً خاصاً بأبناء فؤاد المهندس من زواجه الأول، بينما تبنى هو دور الأب لابنتها الوحيدة «منة الله»، وقد وصفت الفنانة الراحلة هند رستم انفصالهما بأنه «سلب المهندس نصف قوته». بعد الانفصال، حاولت شويكار تجاوز الحزن عبر تجربة زواج ثالثة من السيناريست مدحت يوسف، لكنها ظلت تعترف بأن المهندس كان «حب عمرها». وفى أرشيف التلفزيون المصرى، تظل لقاءات شويكار شاهدة على خفة ظلها وصدق مشاعرها، خاصة ظهورها اللافت فى برنامج «سينما القاهرة» فى السبعينيات مع الإعلامية ناهد جبر، حيث تحدثت عن زوجها السابق بقولها: هو إنسان يحب البيت ورب أسرة ممتاز.. لكن عيبه الأكبر عصبيته الشديدة، وكرهه للسهر والموسيقى العالية، وغيرة زائدة تجعلنى أختنق أحياناً. ورغم كل ما مر به الثنائى من خلافات، ظلت علاقتهما تحمل مزيجاً نادراً من الود والاحترام والوفاء الفنى، ليشكلا معاً قصة حب وإبداع خالدة فى ذاكرة الفن المصري. رؤية شويكار للفن كرسالة كانت الفنانة الكبيرة شويكار تؤمن بأن للفنان دوراً اجتماعياً لا يقل أهمية عن دوره الفنى، وأن عليه أن يساهم فى التخفيف من آلام الناس ومساندة قضايا مجتمعه، وقد تحدثت مراراً عن موقف لا ينسى حيث طلب منها الاستمرار فى عرض مسرحية «سيدتى الجميلة» بعد حرب الاستنزاف، فى إطار أن مهمة الفن الأساسية هى زرع البهجة وتخفيف الضغط النفسى عن الناس فى الأوقات العصيبة. موقف لا ينسى مع كوكب الشرق لم تخلُ حياة شويكار من المواقف الكوميدية الطريفة، لكن يظل أبرزها ما حدث مع كوكب الشرق أم كلثوم، فقد علمت شويكار أن أم كلثوم ترغب فى مشاهدة أحد عروضها المسرحية، فسارعت بدعوتها، وبالفعل حضرت السيدة أم كلثوم، وكان استقبالها حافلاً من الجمهور، وعند لقائهما، قالت أم كلثوم ممازحة: لى عتب لديك، لماذا لم تتزوجى البطل؟ وكانت تشير إلى فؤاد المهندس، فردت شويكار ضاحكة، بينما تابعت أم كلثوم قائلة: لازم تتجوزيه! ليخلد الموقف كواحد من اللقطات الطريفة فى مسيرة الفنانة. المشهد الأخير: من الضوء إلى العزلة كان ظهور شويكار الأخير على الشاشة عام 2012 من خلال مسلسل «سر علنى»، بمشاركة النجوم غادة عادل، إياد نصار، أحمد فهمى، مايا نصرى وسلوى محمد على، ومن إخراج غادة سليم، بعد هذا العمل، قررت النجمة الكبيرة الابتعاد عن الأضواء، واختارت أن تعيش فى هدوء تام، مبتعدة عن الصخب الإعلامى والحفلات والمناسبات الفنية. أزمة صحية وانسحاب من الحياة العامة فى عام 2016، تعرضت شويكار لأزمة صحية خطيرة، بعدما سقطت فى منزلها وأُصيبت بكسر حاد فى منطقة الحوض، أجبرها على البقاء طويلاً فى الفراش وبعد عامين، صرحت فى أحد اللقاءات الصحفية بأن مرضها لا علاج له، لكنها تتعايش معه فى هدوء داخل منزلها، بعيداً عن الكاميرات والجماهير التى أحبتها. رحيل جسدى وحضور فنى خالد فى 14 أغسطس 2020، رحلت الفنانة شويكار عن عالمنا، تاركة خلفها إرثاً فنياً غنياً سيبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة. رحلت الضحكة، لكن حضورها الفنى سيظل باقياً، يشهد على رحلة امرأة عاشت الفن بصدق، وقدمته بكل ما تمتلك من موهبة وشغف. على مدار مسيرتها الفنية الحافلة، قدمت شويكار باقة واسعة من الأعمال المتنوعة، تنقلت فيها بين خشبة المسرح، وشاشة السينما، ودراما التليفزيون، لتترك بصمتها في كل مجال، ومن أبرز أعمالها التي رسخت في ذاكرة الجمهور: المسرحيات «السكرتير الفنى»، «حواء الساعة 12»، «حالة حب»، «أنا وهو وهى»، «أنا وهى وسموه»، «سيدتى الجميلة»، «أنا فين وأنتى فين»، «هاللو دوللى»، «إنها حقاً عائلة محترمة»، «سك على بناتك (أداء صوتى فقط)»، «الزيارة انتهت»، «روحیة اتخطفت»، «ومراتى تقريباً». سينما شويكار كذلك برزت فى عشرات الأفلام السينمائية، منها: «حبى الوحيد»، «غرام الأسياد»، «الضوء الخافت»، «دنيا البنات»، «أقتلنى من فضلك»، «آخر فرصة»، «من غير أمل»، «الحسناء والطلبة»، «الباب المفتوح»، «المجانين فى نعيم»، «النشال»، «القاهرة»، «عروس النيل»، «طريق الشيطان»، «صاحب الجلالة»، «أنا وهو وهى»، «اعترافات زوج»، «أدهم الشرقاوى»، «أمير الدهاء»، «المارد»، «هارب من الجواز»، «فتاة شاذة»، «الشقيقان»، «الرجال لا يتزوجون الجميلات»، «مبكى العشاق»، «غرام فى أغسطس»، «إجازة بالعافية»، «أخطر رجل فى العالم»، «الراجل ده هيجننى»، «إجازة غرام»، «أرض النفاق»، «مطاردة غرامية»، «مراتى مجنونة مجنونة مجنونة»، «عالم مضحك جداً»، «شنبو فى المصيدة»، «أنا ومراتى والجو»، «العتبة جزاز»، «سفاح الستات»، «رضا بوند»، «ربع دستة أشرار»، «عريس بنت الوزير»، «احنا الرجال طيبون»، «غرام فى الطريق الزراعى»، «مدرسة المراهقين»، «الشحات»، «شلة المحتالين»، «الإخوة الأعداء»، «النداهة (ضيفة شرف)»، «الكرنك»، «الكداب»، «سنة أولى حب»، «دايرة الانتقام»، «السقا مات»، «فيفا زلاطا»، «كذبة وكذبة»، «دعاء المظلومين»، «من أجل الحياة»، «جنس ناعم»، «فتاة تبحث عن الحب»، «طائر الليل الحزين»، «المرأة هى المرأة»، «شباب يرقص فوق النار»، «الأخوة الغرباء»، «القرش»، «خلف أسوار الجامعة»، «الخبز المر»، «أرزاق يا دنيا»، «درب الهوى»، «الذئاب»، «العربجى»، «ممنوع للطلبة»، «بحر الأوهام»، «السطوح»، «بيت القاضى»، «النصابين»، «الطيب أفندى»، «سنين الخطر»، «الموظفون فى الأرض»، «سعد اليتيم»، «النهاردة السادس»، «رجل لهذا الزمان»، «ابنتى والذئاب»، «زمن الممنوع»، «الكماشة»، «اغتيال مدرسة»، «النصاب والكلب»، «بنت الباشا الوزير»، «تحت الربع»، «البحث عن طريق آخر»، «أمريكا شيكا بيكا»، «كشف المستور»، «جريمة إلا ربع»، «العاشقان»، «وكلمنى شكراً» مسلسلاتها أما على صعيد الدراما التليفزيونية، فقد شاركت شويكار فى العديد من المسلسلات، منها: «بستان الشوق»، «مليون جنيه فى العسل»، «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «أحلام العنكبوت»، «رياح الخوف»، «عفواً وظيفة هانم»، «كلام رجالة»، «ترويض الشرسة»، «سر اللعبة»، «هوانم جاردن سيتى (الجزء الثاني)»، «يوم عسل ويوم بصل»، «عالم بدون أسرار»، «ألو .. رابع مرة»، «بنت من شبرا»، «ألو رابع مرة»، «مرات جوزى»، «أحزان مريم»، ومسلسلها الأخير «سر علنى».