13-9-2025 | 14:10
ناصر جابر
فى مثل هذه الأيام من كل عام، تعود الذاكرة إلى رحيل «الولد الشقى» أحمد رمزى، أحد ألمع نجوم السينما المصرية وأكثرهم حضوراً وسحراً، فقد غاب عن دنيانا فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2012، عن عمر ناهز الثانية والثمانين، تاركاً خلفه إرثاً فنياً يزيد على 100 عمل بين السينما والدراما، وبرغم مرور أكثر من عقد على وفاته، ظل رمزى حالة فريدة لا يملأ غيابها أحد، بوسامته وخفة ظله وصدق حضوره الذى جعله أيقونة للشباب فى زمنه، ومنذ ظهوره الأول فى فيلم «أيامنا الحلوة» عام 1955، مع فاتن حمامة وعمر الشريف وعبدالحليم حافظ، وحتى أعماله الأخيرة، بقى رمزى نجماً استثنائياً حفر اسمه فى وجدان الجماهير، وعاش حياة صاخبة بين الفن والحب والشائعات، قبل أن يترجل بهدوء تاركاً صورة الفتى الوسيم خفّيف الظل كما أحب أن يراه جمهوره.
ولد أحمد رمزى، واسمه الحقيقى رمزى محمود بيومى مسعود، فى الثالث والعشرين من مارس عام 1930، لأسرة ثرية بمدينة الإسكندرية، وكان والده طبيباً مصرياً، بينما والدته كانت أسكتلندية وتدعى هيلين مكاى، عاش الصبى مدللاً حتى وقعت الكارثة عام 1939، حين خسر والده ثروته كلها وانتهت حياته مأساوياً، لتجد الأسرة نفسها فى ظروف صعبة دفعت الأم إلى العمل، قبل أن يتولى الشقيق الأكبر مسئولية الأسرة.
خالف رمزى رغبة والده الراحل فى أن يصبح طبيباً، فترك كلية الطب بعد ثلاث سنوات، وانتقل إلى كلية التجارة، وكان شاباً رياضياً يمارس الملاكمة، قبل أن تقوده المصادفة إلى عالم السينما، ليصبح نجماً لامعاً.
من مقاعد الدراسة إلى شباك التذاكر
ارتبط رمزى بصداقة قوية مع زميله عمر الشريف منذ أيام الدراسة، وفى حين بدأ الشريف خطواته الفنية، كان رمزى قد نسى تجربته المدرسية الأولى بالتمثيل، حين جسد دور فى مسرحية بمدرسته وهو فى السادسة عشرة من عمره.
لكن القدر كان له كلمة أخرى؛ ففى إحدى المرات وأثناء لعبه البلياردو مع الشريف، صادفهما المخرج حلمى حليم الذى جاء للاتفاق مع الشريف على فيلم «أيامنا الحلوة»، وما إن وقعت عيناه على رمزى، حتى رأى فيه ملامح البطل السينمائى، ليمنحه دوراً رئيسياً إلى جانب فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ، عرض الفيلم عام 1955 وحقق نجاحاً جماهيرياً ضخماً، لتبدأ رحلة «الولد الشقي» الذى صار أيقونة الشباب والوسامة وأحد أعلى النجوم أجراً فى الستينيات.
محطات سينمائية لامعة
دخل أحمد رمزى إلى عالم الفن بالمصادفة، لكنه سرعان ما أصبح أحد أبرز نجوم السينما المصرية، وقدم خلال مسيرته نحو 113 عملاً فنياً، ارتبط اسمه بأفلام الأبيض والأسود، ووقف أمام كبار المخرجين، ومنهم يوسف شاهين فى «صراع فى المينا»، هنرى بركات فى «بنات اليوم» (1956)، فطين عبدالوهاب فى «ابن حميدو» (1957)، وحسين فوزى فى «تمر حنة» (1957) إلى جانب رشدى أباظة.
فى الستينيات، تألق فى فيلم «لا تطفئ الشمس» (1961) مع صلاح أبوسيف، ثم عاد فى السبعينيات بأفلام مثل «جنون الشباب» و«الحب تحت المطر»، قبل أن يبتعد لسنوات، ثم عاد لاحقاً عبر «حكاية وراء كل باب» (1979)، ثم ظهر فى التسعينيات بفيلم «قط الصحراء» وفيلم «الوردة الحمراء»، وصولاً إلى آخر أعماله «حنان وحنين» عام 2007 مع صديقه عمر الشريف.
تجربة عالمية لم تكتمل
فى عام 1963، خاض رمزى تجربة عالمية من خلال الفيلم الإيطالى «ابن سبارتاكوس» بطولة ستيف ريفز، لكن ظهوره اقتصر على مشهدين فقط، رغم وضع اسمه فى الترتيب الثالث على الملصق، ما أثار استياء الجمهور والنقاد الذين اعتبروا التجربة غير موفقة، وبرر رمزى الأمر بأن المخرج حذف مشاهد عديدة له أثناء المونتاج.
ورغم نجوميته الكبيرة، كان رمزى معروفاً بخجله الشديد من اللقاءات العامة، وهو ما دفعه إلى الابتعاد عن خشبة المسرح، رغم إغراءاتها.
زيجات وأسرار عاطفية
لم يسلم «الولد الشقي» من شائعات الحب التى طاردته باستمرار، وانعكست أحياناً على حياته الأسرية، فقد تزوج للمرة الأولى عام 1956 من عطية الله الدرملى، ابنة أسرة أرستقراطية وأنجب منها ابنته الوحيدة باكينام، وبعد انفصاله عنها، خاض تجربة زواج قصيرة من الراقصة نجوى فؤاد، لم تدم سوى أيام معدودة، تزامنت مع مشاركتهما فى فيلم «جواز فى خطر» عام 1963، ورغم الطلاق السريع، ظلت الصداقة بينهما قائمة وامتدت إلى شراكة فنية لاحقة.
بعد عقود، روت نجوى فؤاد تفاصيل تلك المرحلة، كما كشفت عن موقف طريف جمعها بعمر الشريف حين انتقدته بعد فيلم «الأراجوز»، ما أثار خلافاً بينهما لم ينتهِ إلا بتدخل أحمد رمزى بنفسه، ليجمع صديقه وزوجته السابقة فى منزله ويصلح بينهما بابتسامة ودودة.
استعاد أحمد رمزى حياته الزوجية مع زوجته الأولى عطية الله الدرملى، التى ارتبط بها بعد قصة حب كبيرة، غير أن استقراره الأسرى لم يدم طويلاً، وعندما سئل ذات مرة عن حياته الزوجية وهل هى سعيدة، أجاب ضاحكاً: «أنا عارف إنها ست طيبة وبنت حلال، لكن مشكلتها أنها تعشق نبش الذكريات المؤلمة»، فقد كانت عطية الله كثيراً ما تعود لفتح ملفات ماضيه العاطفى ومغامراته، الأمر الذى كان يشعل الخلافات بينهما، ويدفعه أحياناً إلى مغادرة المنزل، حتى انتهت العلاقة بالانفصال النهائى.
بعدها تزوج رمزى من المحامية اليونانية نيكول، وأنجب منها ابنته نائلة وابنه نواف، الذى ولد بإعاقة ذهنية وكان الأقرب إلى قلبه، واستمر هذا الزواج حتى رحيله، وفى أحد حواراته الصحفية عام 1963، تحدث رمزى عن حياته العاطفية، قائلاً إنه أجرى «عملية حسابية» لعدد شائعات الحب التى لاحقته، فوجدها تتجاوز 200 شائعة فى 3 أشهر فقط، ومن أغرب تلك الشائعات، ما تردد عن علاقة عاطفية بينه وبين صديقة عمره وزوجة صديقه الفنانة فاتن حمامة، وهى أكذوبة سببت قطيعة بينه وبين عمر الشريف استمرت فترة قبل أن يعودا إلى صداقتهما القديمة.
الإفلاس والعودة القاسية إلى الأضواء
فى عام 1978، اتخذ أحمد رمزى قراراً جريئاً بالانسحاب من الساحة الفنية ليتجه إلى مجال جديد تماماً، وهو بناء السفن، وبالفعل نجح فى تشييد سفينة عملاقة وبيعها، لكن طموحه فى التوسع دفعه للاقتراض من البنوك، ولسوء حظه، انهارت مشاريعه وخسر كل أمواله.
وبعد أن سافر و استمر 10 سنوات فى الغربة، عاد رمزى وقد سوّى أوضاعه المالية، بعدها عاد إلى التمثيل وشارك فى عدد محدود من الأعمال، وفى نهاية مشواره، أسدل الستار على حياة «الولد الشقي» إثر إصابته بجلطة دماغية سقط على أثرها داخل حمام منزله أثناء وضوئه لصلاة الفجر، ورغم مسيرته الحافلة، جاءت جنازته هادئة، خلت من نجوم الوسط الفنى باستثناء أحمد السقا وخالد صالح سليم، نجل صديقه الراحل صالح سليم.
القلم الباركر وقصة الطفولة العالقة فى الذاكرة
ظل أحمد رمزى يسترجع فى أحاديثه قصة لا تُمحى من ذاكرته، بطلها قلم باركر فاخر أهدته له والدته بعدما تفوق فى دراسته بمدرسته بالإسكندرية، كان القلم فى ذلك الوقت رمزاً للوجاهة لا يقتنيه سوى أبناء الوزراء والأمراء، فشعر رمزى بفخر كبير بين زملائه، غير أن رحلته إلى المدرسة بالقطار قلبت فرحته إلى مأساة، إذ سقط القلم بينما كان يطل من النافذة، صرخ وتوسل لمشرف الرحلة بالتوقف، لكن القطار مضى فى طريقه، ليصل رمزى إلى الإسكندرية باكياً وهو يتخيل ضياع أغلى هدية حصل عليها.
اتصل بوالدته برجاء أن تستعين بأحد معارفها لاستعادة القلم، وبعد أيام، تلقى طرداً من والدته بداخله القلم ورسالة تقول: «لقد عثر على قلمك»، شعر بالفخر بين زملائه، حتى اكتشف بعد سنوات أن الحقيقة مختلفة؛ فقد اشترت له والدته قلماً جديداً كى لا ينكسر قلبه، بينما ظل هو محتفظاً بالقصة كتذكار طفولى لا ينسى.
من 40 جنيهاً إلى القمة ثم الاعتزال
كشف الفنان الراحل أحمد رمزى فى أحد البرامج التليفزيونية، أن أول أجر تقاضاه كان 40 جنيهاً عن دوره فى فيلم «أيامنا الحلوة»، ومع مرور السنوات ارتفع أجره ليصل إلى 1000 جنيه خلال تصوير فيلم «هى والرجال» عام 1965، مع لبنى عبدالعزيز وأحمد مظهر، وسرعان ما أصبح من أعلى النجوم أجراً، وظل اسمه يتصدر ملصقات الأفلام، غير أنّ ظهور جيل جديد من النجوم مثل محمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمى، دفعه إلى الابتعاد عن السينما فى منتصف السبعينيات حفاظاً على تاريخه، مكتفياً بأعمال قليلة لاحقاً، منها فيلم «قط الصحراء» عام 1995 مع نيللى ويوسف منصور.
محاولة انتحار فى طفولة شقية
كان أحمد رمزى معروفاً بشقاوته الزائدة منذ طفولته، وقد روى فى أحد اللقاءات الصحفية أنه حاول الانتحار وهو فى العاشرة من عمره، مقلّداً أبطال الأفلام التى كان يعشقها، ففى إحدى المرات دخل كوخاً لرعاة الخراف، واستغل غياب صاحبه ليجرب حبلاً حول رقبته، أُصيب بجروح بالغة سالت منها الدماء، لكنه نجا من الموت بأعجوبة، لتبقى الحادثة شاهداً على تهوره فى سنوات الطفولة.
نيكول: الزوجة التى كشفت أسراره
بعد رحيله، أفصحت زوجته نيكول عن جانب خفى من شخصيته، مؤكدة أنه كان يعشق الوحدة والهدوء ويبتعد عن صخب الأضواء، وكان يقضى فصل الشتاء فى الساحل الشمالى وحيداً، لا يحب السياسة ولا يهتم بالبيزنس، مفضلاً قضاء وقته فى شرب الشاى وتناول الآيس كريم معها.
أما قصة حبهما، فبدأت حين التقت به لأول مرة فى عيد ميلادها السادس عشر فى منزل أسرتها بالزمالك، لم تكن تعرفه، بينما كانت ابنة عمها من أشد المعجبات به، وبعد سنوات من انقطاع الصلة، جمعهما القدر مجدداً ليتزوجا ويستمرا معاً أكثر من 45 عاماً، وأكدت نيكول أن فتحة القميص الشهيرة التى ميزت إطلالاته لم تكن دليل شقاوة، بل رمزاً لفنان «فتح قلبه للحياة».
رحيل فى صمت
امتد العمر بالفنان أحمد رمزى حتى الثانية والثمانين، وفى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2012، تعرض لجلطة دماغية إثر سقوطه داخل حمام منزله أثناء وضوئه، وفارق الحياة فى اليوم نفسه، ودفن هناك فى جنازة متواضعة هادئة، التزاماً بوصيته بأن تكون مراسم رحيله بعيدة عن الأضواء.