السبت 27 سبتمبر 2025

السينما والدراما مرآة التعبير عن واقع الأسرة المصرية

السينما والدراما مرآة التعبير عن واقع الأسرة المصرية

27-9-2025 | 14:13

خالد فؤاد
على مدى قرن من الزمان، جسدت السينما والدراما المصرية تحولات الأسرة وما يواجهها أحياناً من مشكلات اجتماعية وثقافية، من فيلم «زينب» فى عشرينيات القرن الماضى إلى أعمال فاتن حمامة وماجدة الصباحى، ثم أفلام حقبتى الخمسينيات والستينيات التى ناقشت قضايا المرأة، وصولاً إلى السبعينيات والتى رصدت العديد من التحولات التي شهدها المجتمع وأثرت على الاسرة، ولاحقاً، عكست الدراما التليفزيونية مثل «لن أعيش فى جلباب أبى» مشكلات الأبناء والخلافات الزوجية، واستمرت الأعمال الأخيرة فى معالجة قضايا الأسرة المعقدة بواقعية، ومنها «لام شمسية» و«ولاد الشمس» التى سلطت الضوء على قضايا الأسر بأسلوب واقعى وجاذب. هذا التحقيق يستعرض رحلة السينما والدراما التليفزيونية عبر التاريخ المصرى، فى محاولة لفهم كيف نجحت الشاشة فى تقديم رسالة اجتماعية واضحة، تعزز الوعى وتدعم الأسرة المصرية فى مواجهة تحديات الحياة المتجددة. يعد فيلم «زينب» الصامت، إخراج بهيجة حافظ الذى تم عرضه عام 1930، من أبرز الأفلام الصامتة فى تاريخ السينما المصرية، يروى الفيلم قصة حب زينب الفلاحة لإبراهيم ورغبتها فى الزواج منه، إلا أن عائلتها تعترض طريق حبهما وتزوجها من رجل آخر لا تحبه، مما يتسبب فى تصاعد المشاكل والأزمات، وقد تميز الفيلم بجرأة غير معتادة فى تلك الفترة، إذ دعا إلى منح الفتاة الحق الكامل فى اختيار شريك حياتها. رائد القضايا الأسرية تؤكد الموسوعة السينمائية القديمة أن الفنان الكبير يوسف وهبى كان من الرواد الأوائل الذين حرصوا على أن تحمل أعمالهم رسائل اجتماعية مهمة مستمدة من قضايا ومشكلات الأسرة المصرية، وقد تجلى ذلك فى معظم أفلامه خلال حقبتى الثلاثينات والأربعينات، مثل «ليلى بنت مدارس»، «ليلى بنت الريف»، «بنت ذوات»، «الطريق المستقيم»، «ابن الحداد»، «بنات الريف»، «بيومى أفندى»، و«الأفوكاتو مديحة»، إلى جانب أعمال أخرى كثيرة. واستلهم يوسف وهبى فى هذه الأفلام غالبية أحداثها من الواقع اليومى والتحديات الأسرية، مما ساهم بشكل مباشر فى التعبير عن واقع آلاف الأسر المصرية وإعادة تشكيل وعى المجتمع تجاه قضاياه. قضايا المرأة مع دخول السينما المصرية حقبتى الخمسينيات والستينيات، ظهر تناول جديد لقضايا الأسرة، متوافق مع التغيرات الاجتماعية والتغير فى واقع بعض الفئات المجتمعية مثل الفتيات وخروجهن إلى سوق العمل وتقلدهن مناصب مهمة، على خلاف الماضى، ومن أبرز هذه الأعمال فيلم «لا أنام» إنتاج عام 1956، بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى ويحيى شاهين. كما قدم فيلم «أنا حرة» عام 1958 بطولة لبنى عبد العزيز وشكرى سرحان وحسين رياض وحسن يوسف، معالجة لقضايا المرأة وعملها ومشاركتها إلى جانب الرجل، مع التأكيد على حقها فى اختيار طريقها ومستقبلها وفهم مفهوم الحرية الحقيقية. أما فيلم «دعاء الكروان» عام 1959 بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وزهرة العلا، فقد سلط الضوء على بعض الجرائم وتأثيرها على الأسرة. كما تناولت الفنانة ماجدة الصباحى قضايا المرأة والأسرة فى عدة أفلام، مثل «الحقيقة العارية» عام 1963 الذى طرح قضية زواج الفتاة وما يقابله من مشكلات، وكذلك فيلم «المراهقات» الذى عرض طرق تربية الأهل للفتيات وإجبارهن أحياناً على الزواج، مما يؤدى إلى صراعات وأزمات نفسية واجتماعية. تحديات الأسرة والإنجاب قدم فيلم «أم العروسة» إنتاج عام 1963 بطولة عماد حمدى وتحية كاريوكا وسميرة أحمد ويوسف شعبان وحسن يوسف، صورة حية لمشاكل الأسرة المصرية، مسلطاً الضوء على تعدد الإنجاب وما يسببه من مشكلات مالية داخل الأسرة. وفى الجزء الثانى من القصة، الذى كتبه الأديب الكبير الراحل عبدالحميد جودة السحار، وتم تقديمه فى فيلم «الحفيد»، استمر تناول العمل لقضية الإنجاب باعتبارها محوراً للخلافات الأسرية، كما عالج الفيلم الصعوبات التى تواجه الأهل فى دعم أبنائهم فى مثل هذه الظروف، مقدماً رؤية واقعية لمشكلات الأسرة المصرية فى تلك المرحلة. قضايا الأحوال الشخصية شهدت حقبة السبعينيات تحولاً واضحاً فى تناول قضايا الأسرة، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة وقضايا الأحوال الشخصية، فقد أطلق فيلم «أريد حلاً» بطولة فاتن حمامة عام 1975 صرخة مدوية على الساحة السينمائية، حيث طرح ولأول مرة قضية حق المرأة فى طلب الطلاق، محدثاً جدلاً اجتماعياً واسعاً أدى فى النهاية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية فى مصر. بعد ذلك، بدأت السينما فى استعراض قضية الطلاق من زوايا مختلفة، مثل فيلم «آسفة أرفض الطلاق» بطولة حسين فهمى وميرفت أمين، الذى تناول قصة امرأة تصر على رفض قرار زوجها بالانفصال عنها، مدافعة عن حقها فى استمرار الزواج، حفاظاً على استقرار الأسرة. الأم العاملة.. وضغوط الحياة تناول فيلم «إمبراطورية ميم» بطولة فاتن حمامة قضية الأم الأرملة العاملة التى تتولى تربية ستة أطفال، مسلطاً الضوء على التحديات اليومية التى تواجه المرأة وكيفية موازنتها بين مسئولياتها العملية والأسرية، سواء مع الأطفال فى سن الطفولة أو المراهقة، فى رحلة مليئة بالصعوبات والمشكلات المتنوعة. وفى سياق متصل، قدم فيلم «الشقة من حق الزوجة» بطولة محمود عبدالعزيز ومعالى زايد صورة واقعية للضغوط المادية التى يواجهها رب الأسرة فى بداية حياته الزوجية، حيث يضطر للعمل فى عدة وظائف لتلبية احتياجات الأسرة، بينما تعيش الزوجة حياة مختلفة عن توقعاتها، ما يؤدى إلى تصاعد المشاكل التى تصل غالباً إلى الطلاق، وهو تصوير واقعى لمعاناة بعض الأسر المصرية. الدراما.. والأسرة المصرية عبر الشاشة الصغيرة، قدمت الدراما التليفزيونية مئات المسلسلات التى تناولت قضايا الأسرة والمشكلات التى قد تعانيها على مر العصور بطرق وأساليب مختلفة، حيث قدم مسلسل «ليالى الحلمية» صورة شاملة للأسرة المصرية عبر جميع أجزائه فى فترات زمنية مختلفة، مركزاً على العلاقات المعقدة بين أفراد الأسرة الواحدة، مع تسليط الضوء على الصراعات داخل الأسرة وخارجها وتأثيرها على استقرارها. أما مسلسل «الوتد» الذي قدم عام 1996 وهو بطولة هدى سلطان ويوسف شعبان، فقد قدم صورة واقعية للأسرة الريفية المصرية من خلال شخصية «فاطمة تعلبة» التى تربى 9 أبناء بأسلوبها الخاص، مسلطاً الضوء على قيم الترابط الأسرى والتماسك فى مجتمع الريف. صراعات الأجيال قدم مسلسل «لن أعيش فى جلب أبى» بطولة نور الشريف وعبلة كامل صورة معاصرة للخلافات الأسرية فى العصر الحديث، من خلال رفض الأبناء الشباب السير على خطى مهن آبائهم والسعى لتحقيق ذواتهم فى إطار مختلف، بما يعكس صراع الأجيال وعدم تقبل الآباء لهذه التغيرات، مجسداً الواقع اليومى للتوترات بين الأجيال داخل الأسرة المصرية. دراما معاصرة لم تكن الدراما فى العقد الأخير بعيدة عن هذا الدور؛ فقد جاء فى مقدمتها مسلسل «أبو العروسة» الذى عُرض فى عدة أجزاء، وناقش قضايا الأسرة المصرية الحديثة مثل التحديات التي تواجه الآباء عند الاعداد لزواج الأبناء، إضافة إلى قضايا الإدمان وغيرها من المشكلات. كما قدم مسلسل «الأب الروحى» صورة واقعية للتحديات والصعوبات التى تواجه تربية الأبناء فى عصر التكنولوجيا والانفتاح المبالغ فيه، مسلطاً الضوء على تأثير هذه التغيرات على العلاقات الأسرية الحديثة. دراما رمضان تقتحم قضايا الأسرة شهدت الدراما التليفزيونية خلال موسم رمضان 2025 تطوراً لافتاً فى تناولها للمشكلات الأسرية فى العصر الراهن، فنجحت مجموعة من المسلسلات فى جذب الانتباه وفى مقدمتها «لام شمسية»، «ولاد الشمس»، «قلبى ومفتاحه»، «إخواتي»، «ظلم المصطبة»، وقد تميز كل عمل بطرح جانب مختلف من مشكلات الأسرة المصرية، سواء على مستوى العلاقات داخل الأسرة الواحدة، أو صراع الأجيال، أو المتطلبات الاقتصادية، مقدمةً ذلك برؤية واقعية عكست تنوع التجربة الإنسانية داخل مختلف طبقات المجتمع، وقد حظيت هذه الأعمال بإشادة النقاد، كما حققت نسب مشاهدة مرتفعة، لتؤكد أن الدراما ما زالت قادرة على أن تكون مرآة صادقة للمجتمع وأداة فاعلة للتعبير عنها.