السبت 18 اكتوبر 2025

نجوم الزمن الجميل الشائعات لم تطفئ المجد

أم كلثوم

18-10-2025 | 13:58

خالد فؤاد
يعتقد الكثيرون أن الشائعات المدمرة والتى تتسبب فى أضرار بالغة لنجوم ونجمات الفن هى وليدة هذا العصر مع ظهور مواقع الإنترنت وانتشار السوشيال ميديا بمختلف تطبيقاتها. وهذا الاعتقاد غير حقيقى على الإطلاق، فالشائعات المغرضة ليست وليدة اليوم أو هذه العقود التى نعيش فيها، بل قديمة قدم الفن ذاته، فمنذ بدأ تسليط الضوء على النجوم والنجمات وظهرت الصحافة الفنية منذ مايقرب من 100 عام كانت هذه الشائعات متواجدة. فى التقرير التالى رصد لأبرز الشائعات التى طالت عدد من نجوم زمن الفن الجميل، والتى كادت تطيح بهم من الساحة الفنية، ولكنهم نجحوا فى التغلب عليها. فى بدايات السينما المصرية، واجه الرائد الكبير نجيب الريحانى واحدة من أخطر الشائعات فى تاريخه الفنى والإنسانى، فخلال مشاركته فى ثورة 1919، حين كان يوزع المنشورات اتهمه البعض زوراً بأنه اشتراكي، ثم روجوا أنه يعمل لصالح الإنجليز! واعتمد مروجو الأكذوبة على واقعة بسيطة مفادها أن الريحانى أغلق مسرحه أثناء الثورة وخرج إلى الشارع يهتف لسعد زغلول، ليحولوها إلى تهمة. ومع الوقت ظهرت الحقيقة واستمر صعود النجم الفني للريحاني. الإدمان حتى عميد المسرح العربى يوسف وهبى، صاحب التاريخ العريق والهيبة الفنية، لم ينجُ من سهام الشائعات التى كانت تترصد نجوم الزمن الجميل، ففى ثلاثينات القرن الماضى، انتشرت بقوة شائعة خبيثة تزعم أن وهبى مدمن، وتداولتها بعض الصحف والمجلات، حتى أصبحت حديث الوسط الفنى بأسره. ورغم قسوة ما أُشيع، اختار وهبى الصمت آنذاك، مكتفياً بتجاهل الأكاذيب، لكنه عاد بعد سنوات طويلة، ليواجهها بجرأة فى مذكراته. قتل وبخل وقسوة حتى كوكب الشرق أم كلثوم، رمز الطرب العربى الخالد، لم تسلم من نيران الشائعات القاتلة التى حاولت النيل من مكانتها، إذ راجت فى زمنها شائعة خطيرة تزعم أنها خططت لقتل المطربة أسمهان فى الحادث الشهير الذى أنهى حياة الأخيرة وهى فى ريعان شبابها، بحجة الغيرة الفنية والمنافسة على القمة. ومع مرور الزمن، كشفت الأيام زيف هذه الادعاءات، التى لم تمس فقط سمعتها الفنية، بل إن بعضها تجاوز المنطق والإنسانية، ولم تتوقف الشائعات عند هذا الحد؛ فقد ترددت أيضاً أقوال تزعم أن أم كلثوم امرأة قاسية القلب، وهو ما فنده المقربون منها بشدة، مؤكدين أنها كانت سيدة كرم خفى، تنفق بسخاء وتخصص رواتب شهرية لعائلات فنانين ساعدوها فى بداياتها دون أن تذكر أسماءهم. أما ما قيل عن قسوتها، فقد دحضته حفيدتها بثينة محمد السيد البلتاجى فى حوار خاص لمجلة «الكواكب»، لتؤكد أن «الست» كانت حنونة وعطوفة إلى أبعد الحدود، لكن هيبتها وصرامتها المهنية جعلت البعض يسىء فهم شخصيتها. وهكذا ظلت أم كلثوم تواجه الشائعات بالصمت والإنجاز، لتبرهن أن العظمة لا تُقاس بالكلام، بل بما يبقى بعد الرحيل. حب بعد السبعين لم ينجُ موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب من دوامة الشائعات التى لاحقته طوال حياته، خصوصاً بعد انفصاله عن زوجته إقبال نصار، حيث انتشرت فى الأوساط الفنية آنذاك أحاديث عن علاقات عاطفية ربطته بعدد من الفنانات وسيدات المجتمع. وكانت أخطر تلك الشائعات ما تردد عن قصة حب جمعته بـ«سمراء النيل» مديحة يسرى، زاعمين أنها كانت السبب فى طلاقه من زوجته، ومع تصاعد الأقاويل، قرر عبدالوهاب أن يكسر صمته، فنشر بياناً رسمياً فى الصحف أكد فيه أن علاقته بمديحة يسرى لا تتجاوز حدود الزمالة الفنية، موضحاً أن انفصاله الأسرى له أسباب شخصية بحتة لا علاقة لها بأحد. لكن الشائعات لم ترحمه حتى وهو فى سن السبعين؛ إذ انتشرت قصة أخرى تزعم وجود علاقة بينه وبين المطربة ميادة الحناوى. تصادف ذلك مع خلاف عائلى بينه وبين زوجته نهلة القدسى، فوجد مروجو الشائعات فى الموقف فرصة لصنع قصة جديدة تتصدر العناوين. ومع مرور الوقت، كشفت الأيام زيف كل تلك الادعاءات، لتبقى الحقيقة الوحيدة أن محمد عبدالوهاب كان عاشقاً للفن فقط، وأن موهبته كانت هى العلاقة الأصدق فى حياته. كذبة أبريل لم يكن يمر أسبوع واحد إلا وتطارد العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ شائعة جديدة، وكأن الشهرة التى حملته إلى قلوب الجماهير كانت نفسها الباب الذى فُتح أمام القصص المختلقة. فبعيداً عن الشائعات السخيفة التى اتهمته بادعاء المرض – والتى أثبتت الأيام كذبها بعد أن تأكد الجميع من معاناته الحقيقية – ظلت الشائعات العاطفية تلاحقه أينما ذهب، فكلما ظهر فى عمل مع فنانة جميلة، انتشرت الأخبار عن علاقة حب تجمعهما، كما حدث مع لبنى عبدالعزيز بعد فيلم «الوسادة الخالية»، ومع زبيدة ثروت عقب فيلم «يوم من عمرى»، وغيرهما من النجمات. ولعل أكثر تلك الشائعات غرابة وإثارة كانت ما تردد عن علاقة حب خفية بينه وبين الفنانة سامية جمال، رغم أنه لم يجتمع بها فى أى عمل فنى على الإطلاق، واختار النجمان الصمت التام، فماتت الشائعة وحدها مثل سابقاتها، إذ كان يكفى مجرد ابتسامة أو مصافحة من فتاة له فى أى بلد عربى لتتحول فى اليوم التالى إلى «قصة حب» جديدة! ولم تتوقف الشائعات عند هذا الحد، فبعد ظهور المطرب الشاب هانى شاكر ونجاحه السريع، انتشرت أقاويل تزعم أن عبدالحليم غار منه وقرر محاربته، ووصلت المبالغة إلى حد أن «عبدالحليم سيتوجه إلى معهد الموسيقى العربية ليمسك بهانى شاكر ويستخرج الزمارة من رقبته ليغنى بها!»، فصدق البعض تلك المزحة وتجمعوا فى المكان المحدد بالفعل! لكن عندما اكتشفه الأمر عرفوا أنه لم يكن سوى «كذبة أبريل»، فى واقعة تجسد كيف كانت الشائعات جزءاً دائماً من حياة العندليب، تماماً كما كانت الأغانى جزءاً من أسطورته التى لا تموت. الأمير والراقصة لم يسلم ملك العود، فريد الأطرش، من سهام الشائعات التى لاحقته طوال حياته، حتى كادت تُطفئ وهج موسيقاه الخالدة. فقد بدأت تلك الشائعات مبكراً، حينما تسببت أقاويل مغرضة فى انفصاله العاطفى والفنى عن الفنانة سامية جمال، المرأة الوحيدة التى اعترف بأنها أحبها بصدق. ففى عام 1952، نجح بعض الحاقدين فى الوقيعة بينهما، بعدما نقلوا إليها أن فريد يرفض الزواج منها لأنه «من سلالة أمراء، وهى راقصة»، وهى جملة لم تخرج من فمه يوماً، لكنها كانت كافية لتضع نهاية لأجمل قصة حب فى الوسط الفنى آنذاك. ولم تمر سنوات طويلة حتى وجد فريد نفسه فى مواجهة شائعة جديدة، هذه المرة تربطه بالفنانة الشابة سميرة أحمد، وسارعت الأخيرة إلى نفيها فى حوار لمجلة «الكواكب» قائلة: «إشاعات.. فريد إنسان طيب وزميل مخلص، ارتحت للعمل معه، لا أكثر». لكن أكثر ما آلمه حقاً كانت الشائعات القاسية فى سنواته الأخيرة، حينما راجت أخبار عن مرضه وأحواله الصحية بشكل أضر نفسياً ومعنوياً بالفنان الكبير، الذى ظل رغم كل ذلك رمزاً للرقى والفن والعطاء، يقاوم بالشجن أوجاع الحياة حتى آخر نغمة من عودها.