8-11-2025 | 14:17
هيثم الهواري
شهدت مدينة الإسماعيلية 5 أيام حافلة بالإبداع الفنى والثقافي، من الـ 26 حتى الـ 30 من أكتوبر الماضى، من خلال فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية فى دورته الـ 25 (اليوبيل الفضى)، الذى نظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وقد حقق المهرجان نجاحاً لافتاً وإقبالاً جماهيرياً واسعاً، لما تميز به من تنوع فى برامجه التى شملت عروضاً فنية من مختلف دول العالم، وندوات علمية متخصصة فى الفنون الشعبية، إلى جانب معرض للحرف اليدوية والتراثية عكس ثراء الموروث الثقافى المصرى والعالمي، الكواكب كانت هناك لتنقل لكم تفاصيل هذه الدورة.
اختتمت الفعاليات بحفل ضخم على المسرح الرومانى بالإسماعيلية، أُقيم تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ونظمته الوزارة ممثلة فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، والإدارة المركزية للعلاقات الثقافية الدولية، بالتعاون مع محافظة الإسماعيلية، وبالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، وهيئة قناة السويس، وهيئة تنشيط السياحة.
شهد الحفل حضوراً رسمياً وجماهيرياً واسعاً، من بينهم اللواء أكرم جلال محافظ الإسماعيلية، واللواء خالد اللبان مساعد وزير الثقافة لشئون رئاسة الهيئة، والدكتور عبد المنعم عمارة وزير الشباب والرياضة ومحافظ الإسماعيلية الأسبق وغيرهم.
رسائل سلام من أرض الفنون
فى كلمته، أكد اللواء أكرم جلال أن محافظة الإسماعيلية عاشت أسبوعاً من البهجة والإبداع، حيث قدمت 25 فرقة مصرية وأجنبية عروضاً متنوعة، شكلت لوحة إنسانية تجسد رسالة مصر إلى العالم: «مصر هى الأمن والأمان.. مصر هى الفن والحياة».
وأضاف أن الدورة الـ25 تكتسب طابعاً خاصاً كونها تأتى ضمن مبادرة «الإسماعيلية عاصمة الثقافة والفنون»، التى تعكس مكانة المدينة كمنارة للإبداع تجمع بين الأصالة والتراث والحداثة.
أما اللواء خالد اللبان، فأعرب عن سعادته بنجاح الدورة الفضية، مؤكداً أن الفنون الشعبية جسر للتواصل بين الشعوب، وأن المهرجان يبرز قدرة مصر على تقديم رسالة سلام وإبداع من خلال التقاء الثقافات على أرضها.
عروض فنية.. وتكريم للفرق المشاركة
تضمن حفل الختام استعراضاً فنياً بعنوان «قيدوا شموع الإسماعيلية»، تلاه أوبريت «السلام» بمشاركة فرق الفنون الشعبية، من إخراج ماهر كمال.
اختتم الحفل بتكريم جميع الفرق المصرية والعربية والأجنبية ومدربيها، حيث تسلموا دروع المهرجان وشهادات تقدير، وسط تفاعل جماهيرى كبير امتلأت به مدرجات المسرح الروماني.
كرنفال الافتتاح.. لوحات من العالم
بدأت فعاليات المهرجان بكرنفال استعراضى مبهر انطلق من شارع محمد على حتى مبنى المحافظة القديم، بمشاركة 25 فرقة من مصر ومختلف دول العالم.
وقد جسدت العروض روح التنوع الثقافى والتواصل الإنسانى بين الشعوب، حيث شاركت 12 دولة هي: تونس، الأردن، غينيا، سريلانكا، لبنان، فلسطين، بولندا، الجزائر، إندونيسيا، أوزبكستان، رومانيا، والهند.
كما شاركت 9 فرق تابعة لهيئة قصور الثقافة تمثل مختلف المحافظات المصرية، منها الشرقية، أسيوط، الوادى الجديد، الإسماعيلية، حلايب، المنيا، أسوان، الحرية بالإسكندرية، والتنورة التراثية.
ولم يخلُ المهرجان من اللمسة الإنسانية، حيث شاركت فرقتا ذوى الهمم من هيئة قناة السويس وفرقة القلوب البيضاء، إلى جانب فرقتى رضا والقومية للفنون الشعبية التابعتين للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية.
كان الافتتاح قد شهد حضور عدد من القيادات الثقافية والتنفيذية، إلى جانب عدد من الإعلاميين والصحفيين.
تلا الكرنفال حفل الافتتاح الرسمي، الذى تضمن عروضاً من مختلف الدول المشاركة، وأوبريتاً جماعياً جسد روح التآلف والتنوع الثقافى بين الشعوب على أنغام مستوحاة من تراث مدن القناة.
الليلة الأولى.. ألوان من العالم على مسارح الإسماعيلية
توزعت العروض الفنية على عدة مسارح داخل المحافظة، حيث شهد نادى الدنفاه عروضاً مبهرة، بدأت بفرقة أسيوط للفنون الشعبية التى قدمت لوحات مستوحاة من البيئة الصعيدية مثل العصايا، الغزل، التحميلة.
ثم تألقت فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية بإحياء فلكلور مدن القناة عبر استعراضات الصيادين والضمة، تلتها فرقة الجزائر التى قدمت رقصات من التراث الجزائرى بقيادة الفنان عبد المالك حميني، واختتمت الليلة فرقة أوزبكستان Jizzah Maqom Ansamble بمقطوعات موسيقية تراثية.
وفى مسرح القنطرة، قدمت فرقة الحرية السكندرية تابلوهات من التراث البحري، تلتها فرقتا بولندا وغينيا بعروض عالمية أبهرت الجمهور، ثم قدمت فرقة حلايب رقصات من الجنوب المصرى مثل الهوسيت والبيبوب.
أما فى حديقة الشيخ زايد، فقدمت فرقة الهند عروضاً آسيوية نابضة بالألوان، فيما جسدت فرقة وطن الفلسطينية روح الهوية الوطنية من خلال الدبكة وأنا دمى فلسطيني.
كما أبدعت فرقة الشرقية فى تقديم رقصات من البيئة الريفية، وقدمت فرقة الوادى الجديد لوحات مستوحاة من التراث الواحاتى مثل الخزام والمقرونة والكف.
واستمرت العروض على مدار الأيام التالية فى مواقع متعددة منها حديقة الخالدين، نادى الأسرة، المسرح الروماني، ومسرح فايد، بمشاركة فرق تونس، رومانيا، لبنان، الأردن، إندونيسيا، فلسطين، أسوان، والقومية للفنون الشعبية، لتتحول الإسماعيلية إلى مهرجان مفتوح يجمع فنون العالم على أرض واحدة.
ندوات علمية
لم تقتصر فعاليات المهرجان على العروض الفنية، بل تميز هذا العام بإقامة سلسلة من الندوات العلمية المتخصصة بعنوان «الفنون الشعبية بين الذاكرة الثقافية وآفاق المستقبل»، نظمتها الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر الدكتور مسعود شومان.
الفنون الشعبية.. والهوية الثقافية
أقيمت أولى الندوات فى القرية الأولمبية بالإسماعيلية بعنوان «الفنون الشعبية والهوية الثقافية»، وأدارها د. شومان، بمشاركة د. سمر سعيد عميد المعهد العالى للفنون الشعبية، ود. حمدى سليمان أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.
أكد شومان أن الفنون الشعبية جزء أصيل من الهوية المصرية، مشدداً على أهمية تطويرها دون الإخلال بروحها، ودعا إلى تأسيس بنك معلومات شامل يوثق تاريخ الفرق وآلاتها وموروثها الفني.
وتحدث عن تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى على مستقبل التراث، متسائلاً عن مدى قدرة الوسائط الرقمية على نقل الروح الإنسانية للأداء الشعبي.
أما د. سمر سعيد فأكدت أن العولمة ليست خطراً فى ذاتها، لكنها تتطلب وعياً وتمسكاً بالجذور، مشيرة إلى ضرورة التوثيق الرقمى للتراث باعتباره وسيلة لحفظ الهوية.
وتناول د. حمدى سليمان التحديات التى تواجه بعض الفرق الشعبية .
توثيق التراث غير المادى
تلتها ندوة بعنوان «توثيق عناصر التراث الثقافى غير المادى والتحولات المعاصرة من التدوين الورقى إلى التوثيق الرقمى»، بمشاركة د. حسام محسب، د. محمد فرماوي، والفنان عمرو عجمى، حيث ناقشوا أهمية التحول الرقمى فى حفظ التراث الشعبي، وضرورة توظيف التكنولوجيا لخدمة الإبداع.
الفنون الشعبية فى زمن العولمة
كما أُقيمت ندوة ثالثة بعنوان «الفنون الشعبية فى زمن العولمة.. التحديات والفرص»، بمشاركة د. خالد أبو الليل، د. مدحت فهمى، المايسترو أشرف عوض الله، والفنانة إيناس عبد العزيز عبد الظاهر، وأكد المشاركون فيها أن الفنون الشعبية هى خط الدفاع الأول عن الهوية الثقافية فى مواجهة العولمة.
اختتمت الندوات بتكريم نخبة من رموز الفن الشعبي، من بينهم د. شمس الحجاجي، د. أحمد يونس، نادر عبد إسكندر، محمد المصري، زكريا الحجاوي، محمود السمان، سعيد عبد العال، سمير جابر، نور الهدى سيد حسن، محمد ميدا، رأفت فتحي، وسيد كابوريا، تقديراً لعطائهم الفنى والثقافي.
الحرف اليدوية
على هامش المهرجان، أُقيم معرض للحرف اليدوية والتراثية، ضم أعمالاً من مختلف محافظات مصر، أبرزها منتجات الخوص، والنسيج السيناوي، والتطريز، والفخار.
وجسد المعرض ثراء التراث المصرى الأصيل، وحرص الهيئة العامة لقصور الثقافة على دمج الفنون الشعبية بالحرف اليدوية ضمن رؤية شاملة للحفاظ على الهوية الثقافية.
مهرجان يجمع الماضى بالحاضر
بهذا الزخم الفنى والثقافي، اختتم مهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية دورته الفضية مؤكداً مكانته كأحد أهم المهرجانات التراثية فى العالم العربي.
فقد جمعت فعالياته بين العروض العالمية والندوات العلمية والمعارض التراثية، لترسم لوحة مصرية خالصة تقول للعالم إن الفن هو لغة السلام والتواصل، وإن التراث الشعبى هو ذاكرة الأمة وروحها التى لا تموت.