الإثنين 1 ديسمبر 2025

معالى زايد.. من التربية الفنية إلى عرش الدراما المصرية

معالي زايد

8-11-2025 | 14:20

ناصر جابر
تحل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد ووفاة الفنانة الراحلة معالى زايد، التى شاء القدر أن ترحل فى الشهر ذاته الذى وُلدت فيه؛ إذ وُلدت فى الخامس من نوفمبر عام 1953، ورحلت فى العاشر من الشهر نفسه عام 2014. لم تكن معالى زايد مجرد نجمة شباك تتسابق إليها شركات الإنتاج، بل كانت نجمة أداء وتميز، تبرع فى تجسيد شخصيات درامية متباينة بين الجاد والكوميدى والتراجيدى، مما جعلها تحتل مكانة بارزة ومتميزة بين نجمات جيلها بفضل موهبتها الكبيرة وصدقها الفنى. وقد حالفنى الحظ أن ألتقيها مرات عديدة وأجريت معها عدة حوارات صحفية، وفى كل لقاء كنت أكتشف جانباً جديداً من شخصيتها، فهى فنانة وإنسانة تشعرك بأنها واحدة من أسرتك، قريبة من القلب، صادقة فى إحساسها وبسيطة فى تعاملها. ولدت معالى عبد الله المنباوى، المعروفة فنياً باسم معالى زايد، فى الخامس من نوفمبر عام 1953. هى ابنة الفنانة الراحلة آمال زايد، التى استمدت منها اسم شهرتها الفنى، ووالدها هو عبد الله المنباوى أحد ضباط الجيش المصرى، أما خالها فهو السيناريست المعروف محسن زايد، وخالتها الفنانة جمالات زايد. نشأت فى أسرة فنية فى مدينة القاهرة، ودرست فى كلية التربية الفنية وتخرجت عام 1975، ثم التحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية لتحصل على بكالوريوس التمثيل والإخراج. منذ طفولتها عايشت أجواءً فنية مليئة بالإبداع، فشبت على حب التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، لكن دخولها عالم الفن لم يكن سهلاً، إذ واجهت معارضة شديدة من الأسرة فى البداية قبل أن تثبت موهبتها وجدارتها. انطلاقتها الفنية بدأت معالى زايد مشوارها الفنى من خلال التليفزيون، حيث قدمها المخرج الراحل نور الدمرداش لأول مرة عام 1976 فى مسلسل «الليلة الموعودة»، ومنه انطلقت نحو مسيرة فنية ثرية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، قدمت خلالها نحو 90 فيلماً سينمائياً وعشرات المسلسلات والمسرحيات. فى السينما، تركت بصمتها فى أفلام شهيرة منها «ولا من شاف ولا من درى»، «أنا اللى قتلت الحنش»، «السادة الرجال»، «سيداتى آنساتى»، «الشقة من حق الزوجة»، «لولاكى»، «البيضة والحجر»، «قضية عم أحمد»، «أبو الدهب»، «المتهمة»، «كتيبة الإعدام»، «سمك لبن تمر هندى»، «العربجى»، و«الصرخة». أما فى الدراما التليفزيونية، فكان لها نصيب الأسد، حيث تألقت فى مسلسلات «دموع فى عيون وقحة»، «حلم الجنوبى»، «عطفة خواجة»، «حضرة المتهم أبى»، «امرأة من الصعيد الجوانى»، «ابن الأرندلى»، «الدم والنار»، و«موجة حارة»، الذى كان آخر أعمالها عام 2013. كما وقفت على خشبة المسرح فى عدد محدود من الأعمال أبرزها: «أنا والحكومة»، «سكر زيادة»، «رجل آيل للسقوط»، و«حلال المشاكل». أمومة على الشاشة فقط على الرغم من أن معالى زايد لم تنجب فى حياتها، فإنها برعت فى تجسيد شخصية الأم ببراعة لافتة. قدمت فى مسلسل «امرأة من الصعيد الجوانى» صورة الأم الصعيدية المكافحة. وفى «موجة حارة» جسدت شخصية أم لأولاد تعيش صراعات واقعية داخل الأسرة المصرية، وقد لاقى أداؤها إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء. فنانة تشكيلية.. ولوحات فنية لم تكن معالى زايد ممثلة فحسب، بل كانت فنانة تشكيلية موهوبة، درست الفن التشكيلى قبل التحاقها بمعهد الفنون المسرحية، وظل عشقها للرسم ملازماً لها طوال حياتها. كانت تحرص على حضور المعارض الفنية والمشاركة فى الفعاليات الثقافية، وترى أن المعرض الفنى فرصة للتواصل مع جمهورها من زاوية أخرى، من خلال عرض لوحاتها وأعمالها اليدوية. كانت تقضى أوقاتاً طويلة فى العزلة داخل منزلها لترسم البورتريهات، وكانت تقول دائماً: «لو لم أكن ممثلة، لأصبحت فنانة تشكيلية». وبعد رحيلها، تحققت وصيتها بإقامة معرض تشكيلى خاص بلوحاتها عام 2016 فى متحف محمود مختار، ضم 22 لوحة رسمتها بنفسها قبل وفاتها. جاء المعرض غنياً بالمشاهد الإنسانية والمناظر الطبيعية التى جسدت المجتمع المصرى فى قوالب فنية راقية، وبرزت فيه جماليات التكوين واللون التى ميزت ذوقها الفنى الرفيع. مواقف ومحطات مؤثرة من أبرز المواقف التى لا تُنسى فى حياتها الفنية، مشهدها الشهير مع الفنانة صفية العمرى فى فيلم «أنا اللى قتلت الحنش»، حيث كان من المفترض أن تضربها خلال المشهد، وقد حذر الجميع صفية من جدية معالى فى التمثيل، وبالفعل حدثت الواقعة كما فى النص دون تهاون، ما جعل المشهد واقعياً وصادقاً إلى أبعد حد. الجوائز والتكريمات نالت معالى زايد خلال مشوارها الفنى العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لعطائها الفنى الكبير، من بينها: جائزة أحسن ممثلة فى مهرجان القاهرة الحادى عشر للإذاعة والتليفزيون عن مسلسل «الدم والنار» عام 2005، كما حصدت جائزة الإبداع فى مسابقات الإذاعة عام 2007، كما نالت جائزة أحسن ممثلة عام 1983 عن دورها فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة»، وتم تكريمها من المركز الكاثوليكى للسينما المصرية عام 2007. حصلت معالى زايد على تكريم خاص من المهرجان القومى للسينما برئاسة المخرج سمير سيف فى دورته الـ19عام 2014، وكان هذا التكريم مقرراً قبل وفاتها بأيام قليلة. حياتها الشخصية ورحيلها تزوجت معالى زايد مرتين، الأولى من مهندس واستمر الزواج ثلاث سنوات، والثانية من طبيب كان قد أجرى لها عملية الزائدة الدودية، لكنها انفصلت عنه عام 1992. لم ترزق معالى بأطفال فى أى من الزيجتين، وظلت مخلصة لفنها حتى آخر أيامها. فى العاشر من نوفمبر عام 2014، رحلت معالى زايد عن عمر ناهز 61 عاماً بعد صراع مع المرض الذى اكتشف فى مراحله المتأخرة. رحلت هادئة كما عاشت، تاركة وراءها إرثاً فنياً خالداً لا يمحى من ذاكرة الجمهور. فى شهر ميلادها ووفاتها نتذكر معالى زايد الجادة المخلصة، الفنانة التى أخلصت لفنها ولجمهورها حتى آخر لحظة فى حياتها. كانت تجمع بين الموهبة والصدق الإنسانى، وبين حس الفنان التشكيلى وبراعة الممثلة المتمكنة. ستظل ذكراها خالدة فى قلوب محبيها، وأعمالها باقية شاهدة على أن الفن الحقيقى لا يموت، وأن معالى زايد ستبقى دائماً رمزاً للموهبة والاحترام والالتزام فى تاريخ الدراما المصرية.