السبت 6 ديسمبر 2025

محمد التابعى.. كبير الرحيمية الذى لم يعرف الصعيد يوماً

محمد التابعى.. كبير الرحيمية الذى لم يعرف الصعيد يوماً

6-12-2025 | 14:16

ناصر جابر
فى مثل هذه الأيام، تطل علينا ذكرى رحيل أحد أبرز ملامح الكوميديا فى تاريخ الفن المصري؛ الفنان القدير محمد التابعي، الرجل الذى أعاد تشكيل صورة «الصعيدي» على الشاشة، ليمنحها روحاً جديدة تجمع بين البساطة المحببة وخفة الظل المتدفقة، فعلى الرغم من أن هذا النموذج قُدم مراراً عبر عقود السينما العربية، فإن شخصية «كبير الرحيمية قبلي» ارتبطت فى الوجدان الجمعى باسم واحد هو محمد التابعي، الذى استطاع أن يجعل منها أيقونة جماهيرية دون أن تطأ قدماه الصعيد يوماً. ابن بورسعيد المتمرد على تجارة الجلود، والشغوف بالفن منذ نعومة أظفاره، خاض رحلة شاقة بدأت من المسرح المتجول والمونولوج، مروراً بفرق «بديعة مصابني» و«ببا عز الدين»، وصولاً إلى بوابة السينما التى فتحت له ذراعيها حين التقط المخرج عباس كامل موهبته المتدفقة، ومنذ ظهوره الأول بدور «كبير الرحيمية»، أصبح التابعى نجماً شعبياً تصنع أفلامه البهجة وتحمل فى طياتها رسائل اجتماعية عميقة، تاركاً إرثاً فنياً ما زال حاضراً فى الذاكرة حتى اليوم. ولد محمد محمود أحمد أبو شرابة فى مدينة بورسعيد الباسلة فى الثالث والعشرين من مارس عام 1907، لأسرة اشتهرت بتجارة الجلود، ورغم رغبة والده فى أن يرث الابن المهنة العائلية، فإن ميوله الفنية ظهرت مبكراً، إذ حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه الـ15، وكان مقرراً له أن يلتحق بالأزهر الشريف، إلا أن قلبه كان ينصرف دائماً نحو المسرح والغناء والتمثيل. عندما اكتشف والده هذا الشغف، حاول منعه بكل الطرق؛ أخذه فى ليلة شتوية قارسة إلى «دش ماء بارد» وحرمه من الخروج ليلاً عقاباً له، معتقداً أن الصدمة قد تثنيه عن حب الفن، لكن الفتى تمرد على هذه القيود، وهرب من منزل أسرته ليكرس حياته للمسرح. من أبو شرابة إلى التابعى بدأ خطواته الأولى فى الفن تحت اسم محمد التابعي، حين عمل مونولوجست على مسرح «الهامبرا» ضمن فرقة «فوزى منيب»، وكان صاحب صوت خفيف وإحساس كوميدى عفوي، وقدرة فطرية على تقليد اللهجات، ومع انتقاله إلى فرق كبيرة مثل فرقة «ببا عز الدين» ثم فرقة «بديعة مصابني»، لمع اسمه أكثر حين قدم شخصية «الصعيدى» التى ستصبح لاحقاً مفتاح شهرته الأوسع. هربه من منزل الأسرة كلفه قطيعة طويلة مع والده، الذى أقسم ألا يراه ثانية وأن يحرمه من الثروة الكبيرة، ومع ذلك، لم يتراجع التابعي، فالمسرح كان بالنسبة له قدراً لا هروب منه. الطريق إلى السينما.. بداية حكاية «كبير الرحيمية» عمل التابعى فى بداياته السينمائية ضمن المجاميع، إلى أن شاهده المخرج عباس كامل فى اسكتش «الباش تمرجي» مع فرقة شكوكو، كان عباس كامل يبحث وقتها عن ممثل يجسد شخصية صعيدى خفيف الظل لدور جديد ابتكره: «كبير الرحيمية قبلي». انجذب إلى أداء التابعي، فأسند إليه الدور الذى سيقلب مسيرته رأساً على عقب، قرأ التابعى الشخصية سريعاً وأحبها، وأضاف إليها لمساته الخاصة، فاختار ملابسها المميزة، ونظم الإكسسوارات، ورسم الشارب العريض، وصاغ الجملة التى أصبحت علامة تجارية له: «تروح فين يا عبدالرحيم.. تتصرف كيف يا عبدالرحيم؟». أصبح الدور جزءاً من وجدان الجمهور، وصار التابعى أشهر صعيدى فى السينما المصرية.. رغم أنه لم يزر الصعيد فى حياته، فقد أتقن اللهجة من احتكاكه الدائم ببعض أصدقائه الذين كانوا يحبونه، ويرسلون إليه هدايا من الفطير والعسل الأسود تعبيراً عن تقديرهم له. مسرح الإسكندرية.. مصنع النجوم كان التابعى يقضى شهور الصيف فى الإسكندرية، حيث يستأجر أكثر من مسرح ليقدم عروضاً مسرحية ذات برنامج متنوع يضم اسكتشات تمثيلية وفنية وفقرة الساحر وأكروبات، إلى جانب فقرات المنولوجات، وقد اكتشف من خلالها أصواتاً أصبح لها شأن، منهم: فتحى الجمل، حسن فياض، حسين المليجي. من أشهر ما قدمه على مسرح الإسكندرية روايتا: «الشكنحاوي» و«الزعبلاوي»، وكانت تذكرة الدخول حينها 37 قرشاً فقط شاملة المشروب، وبعد وفاته، حاول أعضاء فرقته الاستمرار، لكنهم واجهوا صعوبة فى توفير رأس المال اللازم. الإنسان خلف الشخصية كان التابعى شخصية محبوبة للغاية بين جيرانه فى حى العجوزة، حيث كان خفيف الظل، طيب القلب، حنوناً بلا حدود، كانوا ينادونه فى الشارع بـ«كبير الرحيمية»، ويؤدون له «تعظيم سلام» كما يفعل الغفير فى أفلامه، فيبادلهم الضحكة والدعابة. ورغم انشغاله الفنى كان أباً حاضراً فى حياة أولاده، يشرف على مذاكرتهم، ويمنعهم من الاستذكار خارج المنزل حفاظاً عليهم. طقوسه مع أم كلثوم كان عاشقاً لصوت كوكب الشرق، أم كلثوم، وفى ليالى حفلاتها، يشترى اللب والسودانى والمشروبات، ويجلس أمام الراديو وكأنه فى سهرة طرب خاصة. طباخ ماهر يعشق المطبخ تعلم الطهى على يد صديق له كان طباخاً، وكان يتفنن فى إعداد البامية، والمحشي، و«أم علي»، ويجعل زوجته تقف بجانبه ليتولى تعليمها أسرار الطبخ. طرائف الاسم المتشابه تشابه اسمه مع الصحفى الكبير محمد التابعى «أمير الصحافة» سبب له مواقف كثيرة، فقد كانا يسكنان فى الشارع نفسه بالعجوزة، وكان البوسطجى يخلط بينهما دائماً، فيأتى بخطابات الصحفى إلى بيت الممثل والعكس، فيضطر ابنه إلى الذهاب كل مرة لإعادة الخطابات لصاحبها الأصلي. محطات فنية مهمة شارك التابعى فى أعمال سينمائية ومسرحية مع كبار النجوم، منهم: كمال الشناوي، شادية، منير مراد، إسماعيل ياسين، السيد بدير، عمر الجيزاوي، مارى منيب. وقد نجحت شخصية «كبير الرحيمية قبلي» لدرجة أن مسئولى الدراما نقلوها من السينما إلى التليفزيون، ووقعوا معه عقداً لتقديم حلقات بعنوان «مغامرات كبير الرحيمية». تأسيس فرقة كبير الرحيمية فى الخمسينيات، أسس التابعى فرقة مسرحية تحمل اسم «كبير الرحيمية»، وجاب بها بلداً وراء بلد، محققاً نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً. كانت بطلة الفرقة نعيمة الصغير، التى تمتعت بصوت جميل وشاركت فى أداء الاسكتشات الغنائية، وضمت الفرقة أيضاً: شكوكو، محمد الكحلاوي، شفيق جلال، أحمد غانم، عمر الجيزاوي، السيد بدير. رسالة اجتماعية خلف الكوميديا لم تكن أفلام التابعى مجرد ضحك