السبت 13 ديسمبر 2025

هل استطاع الفن أن يعبر عن واقع ذوي الهمم؟

هل استطاع الفن أن يعبر عن واقع ذوي الهمم؟

13-12-2025 | 13:51

همسة هلال
فى السنوات الأخيرة بات حضور ذوى الهمم فى الدراما والسينما أكثر وضوحاً، لكن يبقى السؤال الأهم: هل نجحت الشاشة فى نقل واقعهم الحقيقي؟ وهل تمكنت الأعمال الفنية من تجاوز الصورة التقليدية لحياتهم التى قد شهدت حالياً العديد من التغيرات؟ هذا التحقيق يسعى إلى قراءة دقيقة للطريقة التى تناولت بها الدراما والسينما قضايا ذوى الهمم، وكيف قدمتهم للمشاهد، وهل استطاعت بالفعل أن تعبر عنهم بصدق، أم ظلت محصورة فى قوالب جاهزة بعيدة عن عالمهم الحقيقى. وللاقتراب أكثر من الإجابة قابلنا عدداً من الفنانين الذين يبدعون فى مجالات متنوعة، كما التقينا بعض صناع الأعمال الفنية الذين اهتموا بإبراز ذوى الهمم بشكل واقعى، إلى جانب نقاد فنيين شددوا على أهمية تقديم نجاحات ذوى الهمم فى العديد من الأعمال.. وتعالوا بنا فى هذه الجولة. فى البداية تشير الفنانة إلهام شاهين إلى أن الدراما والسينما تناولتا تجارب ذوى الهمم فى عدد من الأعمال المهمة، مؤكدة أن هذا التناول رغم محدوديته فإنه أحدث تأثيراً واضحاً فى توعية الجمهور وإبراز الجوانب الإنسانية العميقة فى حياتهم. وأضافت، أنها قدمت واحدة من أقرب الشخصيات إلى قلبها فى فيلم «خالى من الكوليسترول» مع الفنان أشرف عبدالباقى والمخرج محمد أبو سيف، حيث جسدت دور أم تعانى إعاقة ذهنية وتأخراً فى الإدراك والعمر العقلى. وتابعت: الشخصية كانت جميلة بمعنى الكلمة ورمزاً للنقاء والبراءة والطيبة أحببتها جداً وكانت من أجمل أدوارى على الإطلاق، مشيرة إلى أن الفن المصرى قدم نماذج متنوعة أخرى مثل أداء فاروق الفيشاوى فى «ديك البرابر» ونبيلة عبيد فى «توت توت»، مؤكدة أن كل فنان عالج حياة ذوى الهمم من زاوية مختلفة وبإطار إنسانى متفرد. وأكدت أن الدراما كان لها دور مهم فى تسليط الضوء على حياة ذوى الإعاقة، معتبرة أن استمرار تقديمها يساهم فى نشر الوعى وتصحيح المفاهيم الاجتماعية حول قدراتهم وحياتهم اليومية. وأكدت الفنانة ميرنا وليد أن الدراما والسينما على الرغم من تطرقها إلى العديد من الموضوعات والقضايا التى تتعلق بحياة ذوى الهمم إلا أن الأمر يحتاج تقديم المزيد وبصورة كبيرة. وكما تقول: لا أرى أننا قدمنا الكثير أو ركزنا على حياة ذوى الهمم بشكل كافٍ، ربما المسلسل الأخير «سيد الناس» والدور الذى قدمه الفنان مصطفى عماد كان استثنائياً وعبقرياً، لكن خلاف ذلك لا يوجد عمل آخر يظل عالقاً فى ذهنى، موضحة أن النجاح الاستثنائى لهذا المسلسل يثبت أن المواهب موجودة وأنها تستطيع أن تعبر عن نفسها وعن حياتها. أعرب الفنان والسيناريست إسلام حافظ عن رؤيته تجاه تناول الدراما والسينما المصرية لقضايا ذوى الهمم، مؤكداً أن الأمر ما زال فى البداية رغم ما تم تقديمه من أعمال في هذا الإطار. ويقول: هناك بعض الأعمال التى نجحت فى تقديم ذوى الهمم بطريقة متوازنة دون مبالغة، وأبرزت إنسانيتهم، مضيفاً أنه فى المقابل هناك أعمال أخرى وقعت فى فخ التناول البسيط وقدمت نماذج غير معبرة عن الواقع اليومى الحقيقى، فالنجاح الحقيقى يكون عندما نقدمهم كأشخاص لهم حياة كاملة بصراعات وطموحات، ندخل عالمهم بصدق. وتقول الإعلامية رحمة خالد: معظم الأعمال الفنية حتى الآن لم تقدمنا بشكل حقيقى، وما زالت تعتمد على طرح بسيط يجعل ذوى الهمم مشاركين فى أدوار جانبية أو حالات بسيطة، بدل أن تقدمهم كشخصيات كاملة الحياة بطموحاتها وتحدياتها. وأضافت: هناك بعض الأعمال التى سلطت الضوء على قضايا ذوى الهمم بشكل إيجابى، لكنها قليلة وغير كافية لتغيير وعى الجمهور بما يتناسب مع التغيير الإيجابى الذى شهدته أوضاعهم فى المجتمع حالياً. واختتمت رحمة تصريحها مؤكدة: ما زلنا فى انتظار دراما تحكى عنا بصدق وتقدمنا كأبطال للحكاية وليس مجرد مشهد عابر. وقدمت المؤلفة سندس عادل رؤيتها حول تناول الدراما المصرية لقضايا ذوى الهمم، مؤكدة أن نجاح الأعمال الفنية فى هذا الملف يبدأ من طريقة الكتابة والاهتمام بعكس الإنجازات التى شهدتها حياة ذوى الهمم. وقالت سندس عادل: تجربة مسلسل «وصية جدو» اعتمدت منذ البداية على احترام الشخصية، وحرصت على أن يمتلك كل ممثل من ذوى القدرات الخاصة شخصية ذات عمق ودوافع وتطور درامى بعيداً عن الصورة النمطية. وعن المشهد الدرامى والسينمائى المصرى خلال السنوات الأخيرة، أشارت إلى أن الصناعة أصبحت أكثر وعياً، لكنها أكدت أن العديد من الأعمال لا تزال تقع فى فخ التناول العاطفى أو المبسط لذوي الهمم. وأضافت، أن إشراك أصحاب التجربة فى مراحل الكتابة أو ورش تطوير الأفكار يحدث فارقاً كبيراً فى جودة الطرح؛ لأن وجودهم يضيف تفاصيل دقيقة لا يمكن للكاتب مهما كانت درجة تعاطفه أن يتخيلها بنفس الصدق. وبشأن تأثير الأعمال الفنية الأخيرة على وعى الجمهور، لفتت إلى أن أعمالاً مثل «القضية 404» غيرت بالفعل نظرة بعض المشاهدين، وقدمت هذه الفئة كما هو الواقع كأشخاص عاديين لكن الطريق لا يزال فى بدايته. وختمت حديثها مؤكدة أن الصناعة بحاجة إلى نصوص تكتب خصيصاً لهم وتتعامل معهم كأبطال طبيعيين فى الحياة وليس مجرد قضية اجتماعية تُطرح من بعيد. وأكد المخرج محمد الأنصارى الذى قدم عدة أعمال بارزة لذوى الهمم، أن المرحلة الحالية تشهد بداية حقيقية نحو دمج أصحاب القدرات الخاصة داخل المجتمع وفى التعليم والصناعة الفنية إلا أن الطريق ما زال طويلاً للوصول إلى تمثيل واقعى ومستدام لهم على الشاشة. وأوضح الأنصارى، أن مسلسل «القضية 404» يعد خطوة فارقة فى الدراما العربية، إذ كان أول عمل يقدم ممثلين من ذوى القدرات الخاصة فى موقع البطولة، مؤكداً أن الهدف من العمل كان نقلهم من خانة الاستثناء إلى موقع الفنان القادر على الأداء والتجسيد دون أى معالجة عاطفية أو رمزية، مشيراً إلى أن مسلسل «وصية جدو» جاء استكمالاً لهذا التوجه، حيث صمم ليحقق دمجاً حقيقياً بين النجوم وممثلين من ذوى الهمم داخل عمل جماهيرى طبيعى، كما يحدث معهم حالياً على أرض الواقع من تغييرات نتيجة للمكتسبات العديدة التى حصدوها. وعن تقييمه لتناول الدراما والسينما لقضايا ذوى الهمم خلال السنوات الأخيرة، قال إن هناك تحسناً نسبياً لكنه غير كاف، وأن الصناعة بحاجة إلى مشاركة حقيقية لذوى الهمم أمام الكاميرا وخلفها بما يتيح حضوراً طبيعياً لهم بدلاً من أن يكون مجرد حدث استثنائى. وشدد الأنصارى على أن إشراك أصحاب التجربة فى الكتابة والتمثيل يحدث فرقاً واضحاً فى جودة الطرح لأن الأداء وردود الفعل وطبيعة المشاهد تكون أكثر صدقاً وهو ما يشعر به الجمهور فوراً. وبخصوص تأثير الأعمال الحالية على وعى الجمهور أوضح أنها أحدثت تأثيراً. وأكد الناقد الفنى طارق الشناوى أن الصناعة لم تنجز بعد أعمالاً كافية تعبر بصدق وعمق عن ذوى الهمم رغم بعض المحاولات التاريخية المهمة. وقال الشناوى: السينما المصرية قدمت نماذج محدودة مثل فيلم «الكيت كات» الذى جسد شخصية الشيخ حسنى (الكفيف) كبطل مركزى من ذوى الهمم، وكذلك فيلم «باب الحديد» حيث ظهر قناوى (يوسف شاهين) بشخصية تحمل إعاقة حركية واضحة. وأوضح أن هذه النماذج تمثل محاولات مبكرة لتجسيد ذوى الهمم داخل النصوص السينمائية لكنها رغم أهميتها لا تعنى أن الصناعة قدمت ما يكفى، مضيفاً: حتى الآن هناك بعض المحاولات ولكننا نحتاج إلى زيادتها.